استمع إلى الملخص
- يواجه السكان مخاطر يومية أثناء التنقل عبر "شارع الرشيد" الساحلي، حيث يتعرضون لخطر القصف الإسرائيلي، ويعانون من ظروف قاسية في عربات بدائية.
- الوضع الإنساني في غزة كارثي، مع مجاعة غير مسبوقة ومنع دخول المساعدات، وتواصل إسرائيل ارتكاب جرائم الإبادة بدعم أمريكي، مما أدى إلى سقوط آلاف الشهداء والجرحى.
تتضاعف معاناة الفلسطينيين في غزة مع تصاعد حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، وتعكس رحلات أهالي القطاع اليومية مدى صعوبة الحياة تحت ضغط الحصار الإسرائيلي، بسبب إغلاق المعابر، ومنع دخول الوقود والمواد الغذائية، وتصاعد القصف في كل زاوية.
ومنذ بداية حرب الإبادة بقطاع غزة، يجبر جيش الاحتلال الإسرائيلي سكان المناطق التي يتوغل بها على إخلائها، عبر إرسال إنذارات يتبعها بغارات عنيفة على المناطق المستهدفة للضغط على سكانها وإجبارهم على النزوح. وتزداد معاناة المدنيين مع كل توغل إسرائيلي جديد وأوامر إخلاء قسرية، حيث يُجبر الآلاف على الفرار من منازلهم تحت القصف والتهديد المباشر، دون أي مكان آمن يلوذون به.
خلال رحلة، بين شمال قطاع غزة وجنوبه عبر "شارع الرشيد" الساحلي، الطريق الوحيد المتاح بسبب إغلاق الجيش الإسرائيلي "شارع صلاح الدين" منذ مارس/آذار. بدت المعاناة واضحة على وجوه الفلسطينيين، إذ يضطر الكثير منهم لاستخدام عربات تجرها الدواب أو عربة "توكتوك" وهي مركبة خفيفة ثلاثية العجلات، بسبب حظر تحرك المركبات والشاحنات التي تظل عرضة لخطر القصف.
ماجد دبور، أحد ركاب "التوكتوك" الذي استقله مراسل الأناضول خلال رحلته من شمال غزة إلى وسطها، يقول إنه يقضي ساعتين بدلاً من ربع ساعة في الطريق للوصول إلى أقاربه في مخيم النصيرات للحصول على دقيق. واصفاً الرحلة بأنها "مليئة بالغبار والخطر"، قائلاً: "التوكتوك بدون كراس، رائحة الوقود (المنبعثة من التوكتوك) خانقة، والضغط كبير". مضيفاً: "الطريق الساحلي هو الوحيد المفتوح، لكن أي سيارة تتحرك فيه تُستهدف بقصف الجيش الإسرائيلي، لذلك نضطر للتنقل بعربات بدائية". مؤكداً أنهم يضطرون للمخاطرة خلال هذه الرحلات من أجل الحصول على دقيق لإطعام أطفالهم الذين يتعرضون لتجويع ممنهج جراء إغلاق إسرائيل المعابر منذ 2 مارس/آذار الماضي.
ويشتكي الفلسطيني ماجد دبور من المجاعة الشديدة التي يعيشها الناس بقطاع غزة، مبيناً أنه "حتى الطحين الموجود في الشمال فاسد ومسوس ولا يصلح للاستهلاك الآدمي". مضيفاً "لا مساعدات تدخل، ولا غذاء متوفر، والناس بلا عمل أو دخل، ولا يوجد في البيوت شيء يؤكل".
في عربة بدائية بلا نوافذ ولا مقاعد مريحة، يجلس الركاب متلاصقين، يُطاردهم الغبار ويُحيطهم دخان الوقود، في مشهد يختصر قسوة الرحلة وضيق الخيارات. إنها ليست مجرد وسيلة تنقل بل رحلة فرار من موت إلى آخر، في محاولة للتشبث بالحياة. عبد الحميد، أحد الركاب، يصف رحلته من شمال غزة إلى وسطها بأنها "مجازفة محفوفة بالموت". يقول: "ننطق بالشهادتين قبل أن نتحرك، الزوارق الإسرائيلية خلفنا في البحر، والدبابات أمامنا، والطيران فوقنا، بأي لحظة ممكن نتعرض للقصف". ويضيف أن الشارع الساحلي بات "طريق الخطر الوحيد"، بعدما منع الجيش الإسرائيلي حركة المركبات، مضيفاً: "نستعين بالله ونتحرك".
أما المسنة أم إياد اللحام، فتقول إنها تتنقل لأول مرة عبر هذا الطريق للوصول إلى خانيونس (جنوب)، واصفةً الرحلة بأنها "مرهقة وصعبة خاصة على الكبار". أحمد البنا، سائق "التوكتوك" الذي ينقل من شمال القطاع إلى وسطه، يقول إن الرحلة "مرهقة للمحرك وللركاب معاً"، موضحاً أن "الماتور ضعيف والتعب كبير"، في إشارة إلى مشقة الطريق وطول مدته. مضيفاً "نضطر للتوقف أكثر من مرة لإراحة الركاب، معظمهم متعبون وجوههم منهكة، بعضهم لا يتكلم من شدة التعب أو الخوف... لكن لا يوجد خيار، يريدون الوصول بأي طريقة".
وتحاصر إسرائيل غزة منذ 18 عاماً، وبات نحو 1.5 مليون من مواطنيها، البالغ عددهم حوالي 2.4 مليون فلسطيني، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم. ويواصل الاحتلال منذ نحو شهرين منع دخول جميع الإمدادات والمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ما أدى إلى كارثة إنسانية ومجاعة غير مسبوقة. والأربعاء، حذر مدير الاتصال بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" جوناثان فاولر، في مقابلة مع الأناضول، من فظاعة الوضع في قطاع غزة. قائلاً: "عاد شبح المجاعة ليخيم على الفلسطينيين في ظل أزمة إنسانية دخلت أخطر مراحلها جراء حرب الإبادة التي تواصل إسرائيل ارتكابها وإغلاقها المعابر". واصفاً الوضع الإنساني بقطاع غزة بأنه "الأسوأ" منذ بدء إسرائيل الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ومطلع مارس، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حركة "حماس" والاحتلال الإسرائيلي بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني 2025، بوساطة مصرية قطرية ودعم أميركي. وبينما التزمت حماس ببنود المرحلة الأولى، تنصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، من بدء مرحلته الثانية استجابة للمتطرفين في ائتلافه الحاكم، وفق إعلام عبري.
وترتكب إسرائيل بدعم أميركي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 170 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 11 ألف مفقود.
(الأناضول)