أهالي حمص المهجرون والمغتربون يعودون لتعميرها

14 ديسمبر 2024
سوريون يحتفلون في وسط حمص. 8 ديسمبر 2024 (عارف تماوي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت مدينة حمص دماراً واسعاً، خاصة في أحيائها القديمة، نتيجة الحصار والقصف حتى عام 2014، مما أثر على الحياة اليومية للسكان وأدى إلى شلل الحياة وتبدد الأحلام.
- بعد سقوط نظام بشار الأسد، بدأ بعض السكان في العودة رغم التحديات، مثل الدمار والذكريات المؤلمة، بينما تفضل عائلات أخرى البقاء في أماكن أخرى بسبب التهديدات الأمنية.
- أظهرت الدراسات تغيرات ديموغرافية كبيرة في حمص، مع انخفاض نسبة السكان السنّة والمسيحيين وارتفاع نسبة العلويين والشيعة، مما أثر على التعايش الاجتماعي.

تحولت أحياء مدينة حمص التي كانت تعج بالحياة وتحمل عبق التاريخ خلال السنوات الماضية، إلى شواهد على مآسٍ إنسانية عاشها السكان، مع ركام منتشر في كل زاوية يروي قصصاً مؤلمة عن حياة أصيبت بالشلل وأحلام تبددت. لكنها بدأت تستعيد الحياة ببطء بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وشهدت حمص دماراً واسعاً، خاصة في أحيائها القديمة التي رزحت تحت حصار قوات النظام المخلوع حتى عام 2014، ومنها الحميدية وبستان الديوان، وكذا سوق المدينة المسقوف الذي يحمل رمزية بالغة في المدينة وعموم المحافظة، كما شهدت أحياء الخالدية وبابا عمرو وباب تدمر والقصور والقرابيص والبياضة وجورة الشياح خراباً واسعاً بسبب القصف والغارات الجوية التي استهدفت المدينة.
عاد الشاب السوري محمد الخطيب إلى مدينته حمص فور سقوط النظام، وتجول في أحيائها، وزار منزل العائلة في حي الخالدية، والذي وجده خراباً. يقول لـ"العربي الجديد": "بينما تسير في شوارع حي الخالدية، تصادفك مبانٍ مدمرة، وأخرى تقف بالكاد، شاهدة على حقبة من الطغيان، وعلى سنوات من القصف. بعض الشوارع تحكي قصة مدينة أشباح دبت الحياة فيها فجأة. فرحة العودة تفوق غصة رؤية البيت الذي بناه والدي مخرباً. كنت مهجراً في الشمال السوري، وأبي وأمي وشقيقاتي يقيمون في دمشق، ولا نية لديهم للعودة إلى حمص حالياً. زرت البيت وتفحصته كي أبدأ إصلاحه".

شارع الستين شاهد على سنوات من الخراب والدمار في حمص

ويواجه آخرون تحديات العودة وسط ذكريات الفقد والدمار. يقول عبيدة العبد الله، لـ"العربي الجديد": "كنت مقيما في  شارع الستين، وهو شاهد على سنوات من الخراب والدمار عاشتها حمص. الشارع يمر بحي موال للنظام هو حي الزهراء، وبحي عشيرة الذي شهد انتفاضة كبيرة، وبالتالي شهد العديد من التظاهرات وجرائم القمع. أنحدر من الريف الشرقي لمحافظة دير الزور، لكني انتقلت إلى مدينة حمص التي كانت توصف بأنها (أم الفقير)، وبنيت بيتاً عشت فيه فترة من الاستقرار قبل تهجيري مع انطلاق الثورة".
يتابع العبد الله: "أرسل لي ابن أخي صوراً لمنزلي الذي تحول إلى ركام، ولم يبق فيه سوى بعض الأعمدة الشاهدة على همجية من قاموا بتدمير جدرانه وسقفه. سرقوا الحديد واقتلعوا البلاط وكابلات الكهرباء. أما بيت أخي فمل زال له جدران وسقف. ننتظر أن تستقر الأمور حتى نتخذ خطوة العودة، ونبدأ بإصلاحهما. سئمنا التهجير والنزوح والتنقل. كنا طوال لسنين مبعدين عن المدينة، لكننا سنعود إلى حمص".
وتشير إحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة في عام 2019، إلى أن هجوماً كبيراً شهدته مدينة حمص، وأن أكثر من 3082 مبنى شهد دماراً كلياً، بينما عدد المباني المدمرة بشكل بالغ يتجاوز 5750، ويتجاوز عدد المباني المدمرة بشكل جزئي 5000 مبنى. ومن الأحياء التي شهدت دماراً كبيراً جورة الشياح ووادي السايح، وأصبحت العودة صعبة للغاية إلى هذين الحيين.

وسط حمص يغص بالمحتفلين. 8 ديسمبر 2024 (عارف تماوي/فرانس برس)
شوارع حمص تغص بالمحتفلين. 8 ديسمبر 2024 (عارف تماوي/فرانس برس)

وكان لحجم الدمار الكبير أثر بالغ في تهجير سكان مدينة حمص، خاصة الأحياء التي شهدت انتفاضة ضد النظام. ووفق دراسة لمركز "حرمون" للدراسات، صدرت خلال عام 2024، كان عدد سكان المدينة في عام 2010 يبلغ نحو 865 ألف نسمة، بينما لا يتجاوز عدد سكان المدينة حالياً 428 ألف نسمة.
وتبين الدراسة حصول تغير ديمغرافي واضح، فبينما كانت نسبة السكان السنّة في عام 2010 تقدر بـ 65.5%، لا يتجاوز عددهم اليوم 51% من إجمالي السكان الباقين في المدينة، كما انخفضت نسبة المسيحيين من 12% قبل الثورة إلى 8%، في مقابل ارتفاع نسبة العلويين من 20% إلى 34%، وارتفاع نسبة الشيعة وبقية الطوائف من 2.5% إلى 6%. وأوضحت الدراسة أن "الانخفاض في نسبة الوجود السني والمسيحي ناتج من التهجير القسري للسكان، ومن الأعداد الكبيرة من القتلى، والمعتقلين والمخفيين".
ولا تعكس هذه الأرقام فقط حجم الدمار المادي، وإنما تشير إلى تغير ديموغرافي واجتماعي كبير خلال السنوات الماضية، أعاد تشكيل هوية المجتمع، وأثر بطبيعة الحال على التعايش بين السكان، وجعل قسماً منهم يفضل ترك حمص حفاظاً على حياته، أو لتجنب التعرض للاعتقال.
ويمنع الدمار الكبير العوائل التي أجبرت على الإقامة في مدن كانت تخضع لسيطرة النظام قبل سقوطه من العودة. يوضح الخمسيني منذر الخالد، المقيم في مدينة دمشق، لـ"العربي الجديد"، أنه يفضل ترك منزله مخرباً في حمص على العودة لإصلاحه. ويقول: "بيتي يقع في حي النزهة، هو حي مختلط طائفياً، وأجبرت على مغادرته بسبب تهديدات الأمن والشبيحة في عام 2013، وبعدها علمت من أقاربي أنهم سرقوه. عدت إلى المنزل فوجدت الأعشاب نمت بداخله، وقد حطموا كل شيء فيه".
يتابع الخالد: "بعد مغادرتي، تلقيت تهديدات بأني إذا عدت إلى المنزل وأصلحته فقد أعتقل أو أقتل، وبعدها قررت البقاء في دمشق، ثم عدت أخيراً بعد سقوط النظام. أشعر أن الهواء في حمص مختلف، وقد وعدني ابني المقيم خارج سورية بإعادة إعمار البيت. في الشهر المقبل سأبدأ صيانة المنزل الذي حرمت من العودة إليه لسنوات، والذي خرب فيه كل شيء، لكني سأعيده إلى ما كان عليه، وسأزرع أشجار رمان في الفسحة المحيطة به".


بدوره، يقول الستيني فادي عبد الغني لـ"العربي الجديد": "من ولد في حمص يصعب عليه فراقها، ويصعب عليه الابتعاد عن غوطتها ووعرها، وعن هواها في ليالي الصيف. بقيت لسنوات في ريف حلب الشمالي مبعداً عن منزلي في حي الخالدية، وقد بكيت فرحاً عندما علمت بتحرير المدينة. كنت أعد الأيام والساعات بعيداً عن حمص التي لا تفارقني ذكرياتي فيها. لن أنتظر كثيراً، وخلال شهر على أقصى تقدير سأكون قد سكنت في منزلي من جديد. لا يهمني ما فيه من خراب، المهم أنني سأعود، ولن أغادر حمص مجدداً. أحمل الكثير من ذكريات الطفولة في الشوارع والأحياء، وعن أهلي وأصدقاء العمر، ومنهم من توفي، ومنهم من قد تجمعني بهم الأيام مجدداً. زرت المنزل فور تحرير المدينة، والأضرار ليست كبيرة، وسأعيد تجهيزه على الفور، وأولادي سيلحقون بي في الفترة المقبلة أيضاً".
وتعد مدينة حمص واحدة من أبرز المدن السورية، وهي تقع في قلب البلاد على بعد نحو 160 كيلومتراً شمال العاصمة دمشق، وهي مهمة على الصعيدين الجغرافي والتاريخي، وتأثرت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، إذ شهدت قصفاً ومعارك تسببت بدمار واسع في البنية التحتية والمساكن، ورغم الدمار الكبير، لا تزال المدينة تمثل رمزا للثورة السورية بسبب الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها، ويسعى أبناؤها للنهوض بها مجدداً، وإعادة بناء ما دمرته الحرب.

المساهمون