أهالي السويداء يستغيثون خلف جدران الحصار

17 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 15:02 (توقيت القدس)
فقد الأهالي ثقتهم بالأمن، المزرعة قرب السويداء، 14 يوليو 2025 (بكر القاسم/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني أهالي السويداء من ظروف إنسانية قاسية بسبب نقص المواد الأساسية مثل المياه والكهرباء والأدوية، مع استمرار خطر الموت والخطف يومياً، رغم محاولات وقف إطلاق النار.
- توقفت الخدمات الأساسية وأغلقت المحال التجارية، مما أجبر السكان على الاعتماد على مواردهم المحدودة، وزاد انقطاع الاتصالات والكهرباء من عزلتهم وخوفهم.
- أدت الاشتباكات إلى نزوح العديد من الأهالي نحو القرى الحدودية، بينما بقي آخرون محاصرين، مع استمرار الانتهاكات ضد المدنيين وغياب التدخل الأمني الفعال.

مدنيّون يروون لـ"العربي الجديد" حجم الرعب والخوف الذي عاشوه

المحال مقفلة ولا كهرباء ولا مياه ولا أدوية ولا اتصالات

تحولت الشوارع إلى ما يشبه مدينة أشباح ورائحة الموت في كل مكان

يعيش أهالي السويداء المحاصرون في منازلهم أياماً عصيبة منذ بدء المواجهات، يقاسون خطر الموت والخطف، يسدّون جوعهم بفتات خبز، وسط انعدام المياه والكهرباء والأدوية وسبل الاتصال.

يستغيث أهالي السويداء بأصوات خافتة خلف جدران المنازل، منذ بدء الاشتباكات العنيفة وحرب الشوارع يوم الأحد في 13 يوليو/تموز الجاري. ورغم محاولات وقف إطلاق النار وما رافقها من تطمينات، غير أن الأهالي بمعظمهم ما زالوا ينشدون الخلاص بأرواحهم وأرواح أطفالهم، قبل أن تقودهم ساحة الحرب المفتوحة إلى الهلاك، فيكون مصيرهم مماثلاً لغيرهم؛ إما القتل أو الخطف والإذلال. يروون بحرقة ويكشفون في شهاداتهم لـ"العربي الجديد" حجم الرعب والخوف الذي يعيشونه، من رجالٍ ونساء وأطفال، مؤكدين تمسكهم بحلول جذرية نهائية تعيد الأمن والاستقرار لحياتهم ويومياتهم.

تلازم روان المنزل رفقة ذويها وشقيقاتها الثلاث وأقاربها منذ أيامٍ، لا تجرؤ على الخروج أو حتى التحدث عبر الهاتف بصوت مرتفع، وتقول لـ"العربي الجديد": "نحن محاصرون منذ بدء الحرب، نراقب من خلف النوافذ الانتهاكات والمجازر التي تتعرض لها حارتنا، من استباحة البيوت والنهب والسرقة وقتل المدنيين العزّل. دخلت فصائل مسلحة إلى المنزل المجاور لمنزلنا، وشاهدناهم من بعيد يمشّطون حارات السويداء، حارة حارة، يقتلون الشباب ويخطفون النساء، وسط تغطية من القناصين على الأسطح، وكل من يخرج يقتلونه. يدّعون أنهم رجال أمن، لكنهم انتحاريون جهاديون يريدون القضاء علينا".

تخبر روان أن العديد من أهالي السويداء نزحوا نحو القرى والأرياف، لكنهم لم يتمكنوا من المغادرة، وتتابع: "لقد فات الأوان، وحوصرنا داخل المنزل، نتناول اليوم ما هو متوفر من طعام، من خبز ولبنة فقط. المحال مقفلة، لا كهرباء ولا مياه ولا أدوية، مع العلم أن والدي مريض سرطان وهو بحاجة إلى حقنٍ وأدوية خاصة تخفف آلامه وعذاباته، وأختي تعاني التهاب القولون التقرحي، ولا أحد يستطيع الوصول إلينا. نشحن الهواتف بواسطة بطارية، ونستخدمها وقت اللزوم فقط، كي لا نفقد الاتصال مع الخارج".

وينبّه خالد سلوم، رئيس مجلس إدارة منظمة "جذور" (منظمة مدنية لتوثيق الانتهاكات)، إلى أن أهالي السويداء يمرّون بظروف عصيبة، والانتهاكات تتم على مرأى من الجيش والأمن العام، سواء عمليات الذبح أو القتل بأعداد هائلة. ويضيف لـ"العربي الجديد": "بعض الجثث لا زالت في الطرقات، لا يمكننا دفنها. ينتابنا الرعب والخوف والقلق من مصير مجهول. لا يمكننا الكلام عن عدم تنسيق بين عناصر الأمن العام والجيش والفصائل المتشددة، فقد رأيناهم يسيرون رفقة بعضهم بعضاً، بينما لم تتوقف نداءات الاستغاثة في أحياء السويداء، حيث يتعرضون لانتهاكات جسيمة، ونحن عاجزون عن القيام بأي شيء. ولولا أنني أملك ألواح طاقة شمسية في مكتبي، لما كنت قادراً على شحن هاتفي والتواصل مع الأهالي، كما أنني أعتمد على باقة الإنترنت الخاصة، فقد توقفت شبكات الإنترنت والهواتف الأرضية، والتيار الكهربائي مقطوع منذ يومين".

سلوم، المحاصر في مكتبه منذ أيام مع زملائه الأربعة، يكشف أنهم كانوا على شفير الموت، حين دقت عناصر من الفصائل باب مكتبهم، قبل أن تشهد المنطقة قصفاً إسرائيلياً أدى إلى هروب المعتدين. ويتحدث عن قناصات تمركزوا على أسطح أغلب المباني المرتفعة، ما منعهم من الخروج، وإلا كان مصيرهم الموت المحتّم. كما أن المحال مقفلة، وسوق السويداء مغلق بأكمله، ناهيك عن المحال العديدة التي أحرقت. يقول: "نأكل من الموجود في المكتب، وهو عبارة عن خبز فحسب، نشرب المتة والقهوة فقط لا غير. مقومات الحياة معدومة، لكن هموم المواطنين أكبر بكثير من التفكير بالمياه والطعام، أمام هول المجازر والاشتباكات الدامية والخوف والقتل، همهم الوحيد البقاء على قيد الحياة".

ويكشف سلوم أن "ما يقارب 70% من أهالي السويداء نزحوا نحو القرى الحدودية باتجاه الأردن. ومن ضمنهم، واحدة من أقربائي انتقلت من بلدة المزرعة (محافظة السويداء) إلى مدينة السويداء ومن ثم إلى بلدة السهوة (محافظة السويداء)، قبل أن أفقد الاتصال بها، ولا أعرف مكانها حالياً. فمن لا يملك ألواح طاقة شمسية أو مولداً كهربائياً أو بطارية، انقطع عن التواصل".

وينقل سلوم روايات الأهالي التي وثقتها منظمة "جذور"، والتي تفيد بأن "أغلب المعتدين ملثمون لا يتحدثون إلينا كي لا ندرك جنسياتهم، إنما يتحدث باسمهم فقط شخص أو اثنان باللهجة السورية. لكن بعض الفيديوهات فضحت وجود أجانب بين المعتدين". ويلفت إلى أن "شباب آل رضوان كانوا مجتمعين يوم الثلاثاء في 15 يوليو في رحاب مضافتهم، وهي أكبر مضافة، قبل أن يدهمهم عناصر من الفصائل عمدوا إلى قتلهم بعد شرب القهوة معهم. ووفق رواية الأمن العام، فإن العناصر المذكورين تابعون للفصائل، مع العلم أنهم كانوا يرتدون بزّات الجيش السوري. كما أن ثلاثة طلاب جامعيين من عائلة قرضاب ودّعتهم والدتهم قبل ذهابهم إلى الجامعة، فكان أن دهستهم سيارة تابعة للأمن العام السوري". ويضيف: "الانتهاكات مرعبة، وعندما نشتكي يكتفون بتبرئة أنفسهم من المعتدين، ويدّعون أنهم لا يستطيعون ضبطهم".

يتحدر سلوم من منطقة شهبا (محافظة السويداء) ويقيم في مدينة السويداء، وهو إذ يعرب عن توقه للانخراط في دولة تحتضن جميع مكونات الشعب السوري، يقول: "رغم أن مجازر الساحل السوري أثارت المخاوف، وافق أغلب وجهاء السويداء على الانضمام إلى الدولة، لكن عندما دخل العناصر الأمنية إلى منطقة الدور (جنوب غربي السويداء)، سُجلت انتهاكات عديدة، حتى قبل دخولهم إلى السويداء، من بينها سرقات وعمليات خطف شابات درزيات، ولولا تدخل شرفاء من أهل درعا لما تمكنا من استرجاعهنّ. مع العلم أن بعض أهالينا لا يزالوا في عداد المفقودين، ومن ضمنهم مفقودات".

ويتحدث سلوم عن الطبيبين المتخصصين في الجراحة العامة، طلعت عامر وفاتن هلال "وهما من أهم جرّاحي مستشفى السويداء، وقد تعرّضا للقتل أثناء توجههما لأداء واجبهما الإنساني في المستشفى". ويأسف لما تشهده السويداء منذ أيام من استباحة منازل وسرقتها وحرقها، ومن قتل وذبح وتهجير، حتى أن الأمور وصلت إلى حد قتل شخص من عائلة البعيني وحرق جثته أمام أهله، والمخزي والمعيب ما تعرض له شيخ درزي مسنّ من عائلة شاهين يتجاوز عمره 80 عاماً، قيل إنه مات قهراً بعد أن حلقوا شاربه، ولم يتحمل حجم الإهانة والإذلال".

الصورة
بعض الأهالي فرّوا نحو الأرياف وآخرون لا زالوا محاصرين في منازلهم، السويداء، 16 يوليو 2025 (بكر القاسم/ فرانس برس)
بعض الأهالي فرّوا نحو الأرياف وآخرون ما زالوا محاصرين في منازلهم، السويداء، 16 يوليو 2025 (بكر القاسم/ فرانس برس)

لم تبارح يولا وزوجها وطفلاها منزلهم في مدينة السويداء منذ بدء الاقتتال الدامي، وتقول لـ"العربي الجديد": "نأكل من الموجود، لا محال لشراء المواد الغذائية والاستهلاكية، فقد تعرض بعضها للاعتداءات والسرقة، وأُقفل بعضها الآخر، ولم يبقَ أمامنا سوى تدبير أنفسنا بالتي هي أحسن. لا إمكانية للخروج، لا مستشفيات ولا اتصالات ولا كهرباء ولا مياه، وأي شخص قريب يملك ألواح طاقة، يقصده جاره لشحن هاتفه، وروحه على كفّه. المعاناة كبيرة، القناصون كانوا على الأسطح والتخريب طاول البيوت والشوارع، صارت أيامنا حافلة بالقتل والأذى والإجرام وباستباحة المنازل ونهبها وحرقها".

بصوتٍ مذعورٍ، تسرد يولا كيف تحولت شوارع السويداء إلى ما يشبه مدينة أشباح، رائحة الموت في كل مكان، الرصاص العشوائي قد يقتل أي شخص بأي لحظة، وقد حاولت واحدة من أقاربها الهروب نحو قرية ثانية، لكنها أصيبت برصاصتين في قدمها وأصيبت ابنتها في وجهها. وتتابع: "أما طعامنا، فلا يشمل حتى العدس والبرغل، لم نكن نتوقع الحرب ولم نحضّر أي مؤن. نأكل المتوفر لدينا، ولو حتى الخبز اليابس، ولا ننشد سوى الفرج القريب".

تقيم تمارا في لبنان، وهي الناشطة السورية المتحدرة من مدينة السويداء، تتابع أخبار ذويها بقلق وحزن شديد، وتقول لـ"العربي الجديد": "والدي وأخي غادرا منزلنا في السويداء، بعد سقوط صاروخ قريب، لكنني لم أتمكن من الوصول إليهما منذ يومين. لا كهرباء ولا اتصالات، وعلينا إعلاء الصوت ودق ناقوس الخطر، وإلا لن نسمع عن السويداء أي شيء، إذ لا يوجد أي طريق لإيصال المساعدات الإنسانية".

وتضيف: "هناك عائلات بقيت عالقة في منازلها وصارت اليوم بحُكم المحاصرة. الفوضى عشوائية، المحال بعضها مغلق وبعضها حُرق، ناهيك عن تكسير البيوت والاعتداءات على المستشفيات، حتى إن بعضها خرج عن الخدمة. لا مقومات حياة ولم يكن أي أحد يتوقع الحرب، باعتبار أننا كنا في مرحلة تفاوض مع الحكومة. حالة الطوارئ قصوى، لا طعام سوى الموجود في المنازل، وما من أحد يجرؤ على الخروج. وقد بلغني أن أحدهم لم يجرؤ على الخروج لدفن جاره الذي قُتل أمام عينيه. فالوضع مأساوي من كل النواحي، ولا سيما الناحية الإنسانية".