أن تكون وزيراً سورياً

22 ابريل 2025
(وسام العابد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الوزراء السوريون يواجهون تحديات فريدة بعد 8 ديسمبر 2024، حيث يتعرضون لمراقبة وانتقاد مستمرين من الجمهور ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يتطلب حذرًا في تصرفاتهم.
- الحكومة السورية الجديدة تواجه صعوبات بسبب قلة الموارد والإرث الثقيل للنظام السابق، مما يستدعي خططًا واضحة لتحقيق التحسينات المطلوبة وسط توقعات المواطنين العالية.
- بعض الوزراء يفتقرون للخبرة المباشرة، لكن يمكن تعويض ذلك بقدرات إدارية قوية، بينما قد يضر عدم إثبات الكفاءة بسمعتهم وسمعة الحكومة.

لكلّ وزيرٍ في الدنيا حيّزه الشخصي، كأي إنسان، فهو يعمل وزيراً في نطاق مسؤولياته فقط، ومن حقّه أن يزاول مناشطه الخاصة كما يشاء، على أن لا تخدِش أيٌّ من مسلكيّاته وتصرّفاته صورته، ففي المبتدأ والخبر، تفرض عليه حيثيّتُه في موقعٍ رفيعٍ في الدولة ما يلزم أن يحترس منه. أما أن تكون وزيراً سورياً بعد 8 ديسمبر (2024) فكلُّك، وليس بعضٌ منك فقط، وأياً ما تصنَع وتفعل، وفي أي وقت، متاحٌ للمراقبة والرقابة (مختلفتان)، مستباحٌ لأي نقدٍ وانتقاد (مختلفان)، وملعب "السوشيال ميديا"، بصور ملتقطة وفورية وبغيرها، جاهزٌ لقذفِ كل الكرات وتسجيل أهدافٍ بلا عددٍ في أي مرمىً يخصّ الوزير أو لا يخصّه. وإذا قال من قال إن هذا حالٌ ينسحبُ على أمزجةٍ عريضةٍ في المجتمعات العربية، في الزمن الذي نعيش، ولا يتعلق بسورية والسوريين، في منعطفهم الراهن، فذلك صحيحٌ جزئياً. أما غير الجزئي، فأنها هائلةٌ انتظاراتُ أهل هذا البلد المتعب، الذي يحتاج أوراشٍاً بلا عدد، تأخُذه إلى عتبات التعافي والنهوض. كما أن لا حدود لشهيّتهم لمزاولة حرّيتهم في التنفّس وإشهار آرائهم في أي مسؤولٍ أياً كانت منزلته. والمفترض، أو المتوقّع ربما، أن وزراء الحكومة السورية المعلنة قبل أقلّ من شهر يدركون هذا، ويعرفون، قبل غيرهم، التطلّعات التي لا سقوف لها لدى مواطنيهم. وسبق لصاحب هذه الكلمات أن وصفهم بما يعتقده صحيحاً، أنهم فدائيون، إذ تسلّموا مواقعهم فيما الموارد والإمكانات المتاحة للعمل والإنجاز قليلة، كما أن التركة التي أورثهم إيّاها نظام الأسد الساقط فادحة. ولكنهم، طالما ارتضوا أن يكونوا في مواقع المسؤولية الثقيلة هذه، فإنهم مطالبون بأكثر مما هو مطلوبٌ من أي وزيرٍ في الدنيا، ومن ذلك تفهّم مقادير الحساسية الزائدة لدى مواطنيهم، الساخطين الناقمين المتطلّبين المتعجّلين.
استدعى السطور أعلاه، وأدناه أيضاً، أن وزيراً سورياً يغفَل، أو يتعافل، عن هذه الاعتبارات التي لا يحتاج الوقوع عليها عيوناً ميكروسكوبيّة، فهي ماثلةٌ أمام القريب والبعيد. وبينما يلحّ السوريون على كل مسؤولٍ حكوميٍّ أن يُشهر خطّة واضحة التفاصيل لما ينوي إنجازَه وتنزيله على الواقع، وتتضمّن جدولاً زمنياً، ما أمكن، لهذا وغيره، وبينما يقدّر السوريون أنفسهم كل مسؤولٍ يؤثر العمل بصمتٍ ومن دون مهرجانات دعائية وإعلامية، لا يلقون من الوزير المعني اكتراثاً بما يقتضيه منصبُه من حضورٍ في الفضاء العام، ولم يسمَع منه أهل القطاع الذي يختصّ به وزيراً ما يشهد على معرفةٍ جيّدةٍ لديه بالمؤسّسات والهيئات والمرافق التي تندرج في عمله. وإذ تخلو السيرة المهنية للسيد الوزير المعني من أي صلةٍ له بالمجال الذي يتولّى، منذ عيد الفطر السعيد، تنشيطه وتفعيله، فذلك صار وراءنا، ويمكن التسامح معه، إذا توفّرت لدى الوزير المعيّن قدراتٌ إداريةٌ وملكاتٌ في التسيير والتخطيط والإشراف، فذلك قد يكفي لينجح في أدائه، فقد حدَثَ أن كان وزراء للصحة في غير بلد عربي ليسوا أطباء، وأجادوا. ولكن الظاهر قدّام الجميع أن الوزير المُشار إليه غير معنيٍّ بالتدليل على كفاءته في الاختصاص الذي يتعلق به عملُه، ولو من باب التظاهر، وإنما معنيٌّ بأمورٍ أخرى، من دون حرصٍ منه على تأثيراتها على صورته، وعلى التوقّعات المنوط به أن يُنجزها، وذلك لا يخصم فقط من مكانته وسمعته، بل قد يسيء أيضاً إلى صورة الحكومة كلها، ويثير أكثر من سؤالٍ بشأن اختياره للمنصب الذي هو تكليفٌ حقاً وليس تشريفاً.
ليس المقام هنا الوعظ والإرشاد لأي أحد، وإنما هي وقائع تتابعت أوجبت التذكير بالبديهيّات المشار إليها، والمأمول، قبل هذا كله وبعده، أن يًوفّق في مهامّه كل وزيرٍ في الحكومة السورية الانتقالية التي أمامها جبالٌ من التحدّيات، والمرغوبُ أن يعرف كل وزير سوري، في أي مسؤوليةٍ أنيطت به، أنه ليس كما أي وزيرٍ في أي بلد.

المساهمون