استمع إلى الملخص
- ارتكبت مجازر طائفية جديدة، حيث يُعاقب جماعات بأكملها رغم تسليمها الأسلحة، مما يهدد أمن المجتمع رغم محاولات السلطة للتواصل مع الضحايا.
- تعاني البلاد من الفساد والفقر وانعدام الخدمات والعقوبات الاقتصادية، مما يستدعي استنكار الأخطاء الماضية والعمل على مستقبل آمن ومستقر.
انقضت أشهر أربعة على تحقّق أولى مطالب أحلامنا: زوال الأسد إلى الأبد. لكنّنا لم نلبث أن مكثنا مجدّداً، ننتظر آملين أن تدفع بنا السلطة الانتقاليّة لغسل عارنا السوريّ، ونسيان فضيحة مقتلتنا المذلّة.
تجريم فلول الأسد المجرمين وملاحقتهم مطلبنا، وتقديمهم لمحاكمة عادلة. والرغبة شديدة في توحيد الجهود الوطنيّة كافّة، لإعادة بناء دولتنا الجديدة. إنّما هل يقوم البناء على نسيج مهترئ، ولا يزال ينزف؟ تطعنه انتقامات، وأحقاد، ولصوصيّة وفساد الفصائل المنفلتة، ثمّة مطالب إسعافيّة: تجريم السلطة الانتقاليّة القتلة ومشيعي الفوضى الترهيبيّة ومجيّشيها. تجريم استحلال السوريّ الدم السوريّ. تطبيق العدالة الانتقاليّة لتحقيق السلم الأهليّ.
حدث أن دمّرت مجازر النظام البائد مناطق عديدة في البلاد بذريعة ملاحقة الإرهابيّين. وفتكت بمعارضيها بتهمة الخيانة والتآمر، بمساندة حاشيته وشبّيحته من الأطياف السوريّة قاطبة. أمّا مجازر اليوم، وبوجه خاصّ في الساحل، فقد ارتكبت على أساس طائفيّ معلن، بذريعة ملاحقة فلول النظام المجرمين. يحمّل مرتكبوها طائفة بأكملها وزر إجرام النظام البائد، تهمتها الوحيدة انتماء الصفيق لها، ليحكم عليها بالعقاب الجماعيّ. ولأنّ تلك الطائفة عانت عائلاتها من الاستغلال، ومن الإمعان المتعمّد في إفقار وتخويف من أيّ سلطة بديلة. لذلك، هلّلت لخلاصها من ظالميها، ورحّبت بقدوم السلطة الجديدة، وسارع أغلبهم ممّن لديه سلاح إلى تسليمه للدولة، لكنّ ذلك لم يشفع لها.
استنكرنا الإجرام القديم، ونستنكر الإجرام الجديد، ونحمّل السلطة المسؤوليّة. ولا ننكر مبادرتها في الاعتراف بالانتهاكات، وتواصلها مع عدد من ذوي الضحايا لتعزيتهم. إنّما هل يكفي هذا لوقف سفك الدماء؟ وطمأنة الأهالي بجميع طوائفهم، تحقيق أمانهم، واستعادة ثقتهم، بتخليصهم من معاناتهم اليوميّة، وانسداد سبل كسب قوتهم، بسبب الممارسات الرهيبة للفصائل المنفلتة، من قتل عشوائيّ وسرقة البيوت أمام أعين أصحابها، وصدورهم العارية أمام فوّهات البنادق. ألم نتفق أنّ ثورةً يفجّرها الظلم عليها أوّلاً محوه؟
نتأمّل الراهن السوريّ، ونتذكّر ما مضى: قتل الشعب، اعتقال، نزوح وتهجير، عدالة مشلولة، قانون أعرج مزاجيّ، السلطات كلها في قبضة السلطة، فساد مصّاص للدماء، إفقار متعمّد، غلاء معجز، شبه انعدام للكهرباء والمياه والوقود، عقوبات اقتصاديّة، أمان غائب، فوضى أمنيّة، جرائم قتل فرديّة، خطف لكسب الفدية، ابتزاز أهالي المعتقلين، سرقات ممنهجة، وأخرى منفلتة. قبضة أمنيّة متأهّبة، هياكل مؤسسات الدولة بإدارات تندر الكفاءات فيها، أغلبها فاسدة، التضييق الممنهج على الأكفّاء النزيهين، الرقابة الإعلاميّة الغبيّة الشرسة، اغتيال الكلمة والأصوات الوطنيّة الحرّة، تدجين التعليم والثقافة، استغباء الشعب، تجييش وتضليل إعلاميّ، موالون شبّيحة فاسدون وقتلة، موالون انتهازيّون وصوليّون من نخب ثقافيّة مختلفة، موالون صامتون خائفون، وآخرون جهلة. تأجيج النعرات الطائفيّة وغيرها، ذريعة محاربة الإرهاب، استباحة التراث وآثار التاريخ العريق، مكافحة المؤامرات الخارجيّة، الارتهان والانصياع للخارج، احتلالات في الداخل، وشعارات منافقة لشجب العدوان الصهيونيّ المحتلّ على أرض البلاد. البلاد المحطّمة.
فلنتذكّر كي نبني، نستنكر الأخطاء، ننتقد بملء حبّنا وخوفنا على البلاد، بملء غيرتنا وحرصنا على شفائها التامّ. إنّما نأسف حقّاً لجهل بعضنا بحقوقهم وواجباتهم الوطنيّة. ولعدم تمييز آخرين بين أثافي الوطن الثلاث: السلطة، الحكومة، الدولة. فالحكّام زائلون، والدولة تبقى بقاء شعبها.
أما آن لترابنا المقدّس المجبول بدموع من بقي من أمّهاتنا وآبائنا، ودماء أبنائنا، أن يجفّ، فتعشب حقولنا بالمستقبل الأخضر الآمن؟