أفغانستان: الفقر يُفشِل خطط مواجهة ملوّثات التدفئة في الشتاء

25 يناير 2025
الأفغان فقراء ولا يملكون وسائل تدفئة نظيفة، 29 يناير 2023 (عمر أبرار/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه كابول تحديات بيئية كبيرة بسبب استخدام مواد غير نظيفة للتدفئة، مما يزيد من تلوث الهواء، وذلك نتيجة الفقر والبطالة المستمرة.
- تلوث الهواء يؤثر بشكل خطير على الصحة العامة، خاصة الأطفال وكبار السن، حيث تشير تقارير اليونيسف إلى أن 40% من وفيات الأطفال دون سن الخامسة تعود لتلوث الهواء.
- رغم جهود حكومة طالبان لتحسين الوضع البيئي، إلا أن الظروف المعيشية الصعبة وعدم تعاون المواطنين يعيقان تحقيق نتائج فعالة، مما يتطلب تعاونًا أكبر بين الحكومة والمجتمع.

حين كانت الحكومات المتعاقبة في أفغانستان تنفق في السنوات السابقة أموالاً طائلة لحماية البيئة في ظل وجود القوات الدولية، كانت التقارير الدولية تصنّف كابول من بين أسوأ عواصم العالم على صعيد تلوّث الهواء والبيئة، خاصة في فصل الشتاء حين يحتاج الناس إلى وسائل تدفئة لمواجهة البرد القارس. وهم كانوا ولا يزالون يحرقون إطارات السيارات والوقود غير النظيف الذي يضرّ بالصحة للحصول على تدفئة.
ولدى تسلّمها السلطة في كابول وضعت حكومة طالبان، كما الحكومات السابقة، خططاً شاملة لحماية البيئة، من بينها فرص نصب أجهزة تدفئة وأخرى لتنظيف ما يُحرق على أسطح المباني الكبيرة من بينها الفنادق والمطاعم والمكاتب والمصانع، وشنت حملات ضد من يستخدم أدوات غير نظيفة للتدفئة، والتي تدمّر البيئة.
ونجحت هذه الجهود في معالجة مشاكل ملوّثات مواد التدفئة الخاصة بتجهيزات المحلات التجارية والفنادق والمطاعم والمصانع، علماً أن طالبان كانت أكثر صرامة في التعامل مع الموضوع، لكنها فشلت في مواجهة المواطنين الفقراء الذين يستخدمون للتدفئة الإطارات والملابس والأحذية والبلاستيك. 
وامتلكت سلطات طالبان خيارين سيئين للتعامل مع هؤلاء المواطنين، إما حرمانهم من الدفء وهذه مصيبة كبيرة تفضي إلى مصائب أخرى، أو السماح لهم بإحراق كل شيء متوفر من أجل الدفء ما يدمّر البيئة التي تخضع للوضع المعيشي ويدمّرها الفقر.
يقول هدايت الله خان لـ"العربي الجديد": "الفقر والآثار السلبية للحرب أسس كل المشاكل التي نواجهها، ومنها تلوّث البيئة والأمراض الناجمة عنها، وقد بذلت الحكومة الحالية ولا تزال جهوداً كبيرة للقضاء على كل ما يلوّث البيئة والهواء، لكنها عجزت عن إحداث تغييرات كبيرة بسبب العدد الكبير للمواطنين الفقراء والعاطلين عن العمل الذين لا تستطيع منعهم من إحراق الفحم غير النظيف، أو إطارات السيارات أو الملابس القديمة أو المحتويات البلاستيكية وغيرها لتجنّب حرمان عدد كبير منهم من وسائل التدفئة وتعريضهم بالتالي لمخاطر كبيرة. والقضية معقدة جداً، وتحتاج إلى خطوات قصيرة وطويلة المدى، وإلى اتخاذ إجراءات".

يضيف: "من دون رفع مستوى المعيشة والقضاء على البطالة لا يمكن معالجة مشكلة تلوّث الهواء والبيئة، ومع الأسف تعطّل حكومة طالبان كل يوم فرص حصول عشرات الأشخاص على عمل فيواجهون نفس مصير العاطلين السابقين عن العمل، ويستخدمون الوسائل نفسها للحصول على التدفئة من خلال إحراق محتويات غير نظيفة، وإذا لم يحصل ذلك هذا العام ربما يحصل لاحقاً، ثم يواجه الجميع أمراضاً ومشاكل صحية كبيرة. وعموماً تغطي الغيوم السوداء سماء كابول بعد فترة العصر في موسم الشتاء بتأثير ارتفاع الدخان الأسود من المنازل".

بعد العصر تغطي غيوم سوداء سماء كابول في موسم الشتاء، 11 يناير 2023 (بلال غولر/ الأناضول)
بعد العصر تغطي غيوم سوداء سماء كابول، 11 يناير 2023 (بلال غولر/الأناضول)

وأصيب كثيرون بأمراض ناجمة عن تلوّث البيئة، وكانت شريحة الأطفال وكبار السن الأكثر تأثراً بتلوّث الهواء والبيئة. وأكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في بيان أصدرته في 24 يونيو/ حزيران الماضي، أن 40% من وفيات الأطفال دون سن الخامسة في أفغانستان سببها تلوّث الهواء والأمراض الناجمة عنها. وأوضحت أن الأطفال أكثر تأثراً بتلوّث الهواء مقارنة بباقي الفئات.
وكانت المنظمة قد أكدت في تقرير أصدرته عام 2019 أن 37 ألف شخص يموتون في أفغانستان سنوياً نتيجة الأمراض الناجمة عن تلوّث الهواء، وأنه السبب الـ14 للوفيات في هذا البلد.
ويعلّق طبيب الصحة محمد صابر على تأثر الأطفال بتلوّث البيئة والهواء بالقول لـ"العربي الجديد": "تنجم أمراض صدرية كثيرة لدى الأطفال من تلوّث الهواء، مثل ضيق النفس والتهاب الصدر وأمراض القلب والرئة، كما يتسبب التلوّث بالتهابات مختلفة وأمراض في العيون، والمشكلة الأساس أن المواطنين لا يملكون الوعي الكافي لحماية أنفسهم من هذه الأمراض، كما لا توجد خطوات جدية للتصدي للأعمال التي تلوّث الهواء". يضيف: "يدفع الأطفال بسبب مناعتهم الضعيفة وعدم وجود غذاء مناسب ورعاية صحية كافية الثمن الأكبر ويقع عدد كبير منهم ضحايا لتلوّث الهواء".

ويشيد صابر بالخطوات الجدية التي اتخذتها حكومة طالبان لكنه يصفها بأنها "غير كافية لأن الوضع المعيشي له تأثير كبير، كما أنه من الضروري التعاون معها، علماً أنها تحركت لمنع إحراق المحتويات غير الصحية في الأحياء السكنية الكبيرة، وفرضت قيوداً على المواطنين في هذا المجال، ووضع معدات تنظيف لكل ما يُحرق حتى الأدوات النظيفة، وهذه الخطوات ذات تأثيرات إيجابية، لكن المشكلة أن المواطنين فقراء، أو لا يملكون أدوات نظيفة للتدفئة، أو لا يتعاونون، وحكومة طالبان لا تستطيع أن تستخدم القوة مع الجميع، أو تغلق كل المنازل والمطاعم والأحياء السكنية، لذا يجب أن يتعاون المواطنون معها في هذا الأمر".

المساهمون