أفغانستان... أطفال في العمل لحساب ذويهم

14 فبراير 2025
في مشغل بهيرات، 27 مايو 2024 (محسن كريمي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- منذ سيطرة طالبان في 2021، تدهورت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في أفغانستان، مما أدى إلى زيادة البطالة وإبعاد النساء عن سوق العمل، ودفع الأسر لإرسال أطفالهم للعمل.
- الأطفال في أفغانستان يعانون بشدة، حيث حُرموا من التعليم والرعاية الصحية وأُجبروا على العمل في سن مبكرة، مع قصص مؤلمة مثل زليخة حميد وجنيد الله عادل.
- تقرير "يونيسف" 2023 يشير إلى أن واحداً من كل خمسة أطفال يعملون في أعمال شاقة، بينما يعتقد الناشطون أن الأرقام الحقيقية أعلى بسبب تدهور الأوضاع.

يكسب أطفال كثيرون في أفغانستان الرزق لحساب ذويهم الذين يواجهون عراقيل حياتية كثيرة زادت منذ أن سيطرت حركة "طالبان" على الحكم صيف عام 2021، إذ قلّت فرص العمل وأبعدت المرأة عن الوظائف والأشغال والمهن 

أثّرت الحرب والتقلبات السياسية والأمنية التي شهدتها أفغانستان بنسب متفاوتة على مدى العقود الماضية على شرائح كثيرة في المجتمع. وعانت بعضها من هذه التأثيرات جزئياً، وأخرى من حرمان كامل من الفرص المتوفرة. وفي كل الأحوال كان لافتاً استمرار الأطفال في كونهم الشريحة الأكثر تأثراً بالواقع السائد.

كان بعض الأطفال من بين ضحايا الحرب، وسقطوا قتلى أو جرحى أو أصيبوا بإعاقات، أو حتى فقدوا آباءً وأمهات وأقارب، أما آخرون فحرموا من التعليم والرعاية الصحية وأجبروا على العمل في مقتبل العمر.

وبعدما سيطرت حركة طالبان على الحكم في أفغانستان انتشرت البطالة وأقيل القسم الأكبر من النساء العاملات في الحكومة، في وقت أغلقت آلاف المؤسسات الدولية أبوابها، فتغيّرت الأمور وتبدلت أحوال كثيرين، خصوصاً الأطفال، ولم يملك عدد كبير من النساء اللواتي كن يعملن في الحكومة أو في المؤسسات الدولية أي حل إلا إرسال أولادهن الصغار إلى السوق كي يمارسوا أي عمل ويكسبوا الرزق لحساب ذويهم. كما أن آباءً كثيرين كانوا يرسلون أولادهم إلى المدارس اضطروا إلى إدخالهم في سوق العمل، لأن الأعمال الموجودة في السوق لا تناسبهم، أو لأنهم كبار في السن، أو يعانون من أمراض. واختار بعض هؤلاء الآباء أن يعملوا في شكل فردي لكن ما يكسبونه في السوق لا يكفي لأسرهم، ما اضطرهم إلى أخذ أبنائهم للعمل معهم ودعم توفير أموال لاحتياجات الأسرة.

تقول زليخة حميد (62 عاماً) لـ"العربي الجديد": "كنت أعمل في وزارة الداخلية قبل أن تسيطر طالبان على الحكم، وكان زوجي يعمل في وزارة الشؤون البرلمانية. سارت حياتنا في شكل سلس ومن دون عراقيل، وكان أولادي الخمسة يدرسون، ويخضعون دورات في اللغة الإنكليزية والحاسوب وغيرهما. وفي أحسن أحوال كنا ندفع لهم الرسوم، لكن بعد مجيء طالبان جرت إقالتي من العمل، وألغيت الوزارة التي كان زوجي يعمل فيها فانقلبت الأمور رأساً على عقب".

تضيف: "في البداية حاول زوجي أن يجد عملاً في إحدى المؤسسات الدولية التي كانت لا تزال موجودة في أفغانستان، لكنه لم يوفق، ثم وجد عملاً في قسم المحاسبة بشركة تجارية قبل أن يتعرض لوعكة نفسية بسبب المشاكل التي واجهناها، لأن الشركة كانت تعطيه مالاً قليلاً لا يساوي نسبة عُشر مما كان يكسبه مقابل أدائه عملاً كثيراً. ومع تدهور حالته الصحية جلس في المنزل كما حالتي. وهنا كان لدينا خيار واحد هو أن نرسل إثنين من أبنائنا إلى العمل، وأحدهما في الـ15 من العمر والثاني في الـ 13 من العمر. وهما يذهبان في الصباح ويرجعان في المساء ويعملان في فندق بمنطقة شهر نو، ويحصلان على راتبين قليلين لكنهما أفضل من لا شيء كي تمشي عجلة الحياة إلى الأمام".

يعملان في الخياطة بكابول، 7 إبريل 2024 (وكيل كوشار/ فرانس برس)
يعملان في الخياطة بكابول، 7 إبريل 2024 (وكيل كوشار/ فرانس برس)

وتوضح زليخة أن أكثر ما يحزنها مع زوجها هو حرمان الولدين من التعليم، فهما يذهبان إلى العمل الذي يعتبر الحل الوحيد المتوفر، أما ابنتهما الوحيدة، وهي الأكبر بين الأولاد، فمحرومة من التعليم أيضاً لأنها كانت في نهاية مرحلة الدراسة الثانوية عندما أغلقت طالبان أبواب المدارس في وجه البنات. وتعتبر أن حرمان أولادها من التعليم كارثة لأسرتها التي كان همها الأول والأخير تدريس الأبناء قبل أن يحرم جميعهم من التعليم. وتؤكد أن أفراد أسرتها باتوا مرضى نفسيين، فأحد أبنائها يكره أن يغتسل لكنها تجبره على ذلك، إذ يرى أنه بلا حياة، وأن لا فائدة من العيش والنظافة.

من جهته، كان جنيد الله عادل (55 عاماً) يعمل في تعليم البنات في مؤسسة دولية قبل أن تسيطر طالبان على الحكم، واستطاع شراء منزل في منطقة بضواحي كابول، وأرسل أولاده إلى مدرسة خاصة في العاصمة كابول قبل أن ينقل منزله من جلال آباد إلى العاصمة. وبعدما سيطرت طالبان على الحكم أغلقت المؤسسة الدولية أبوابها لأنها لم تعد تملك ميزانية، ولأن طالبان لم تسمح بتعليم البنات بقي الرجل من دون عمل، ولديه  تسعة أولاد ويعاني من مرض السكري.

يقول جنيد الله لـ"العربي الجديد": "بعدما سيطرت طالبان على الحكم أعطيت أموالاً كنت أملكها لابن عم لي كي يشتغل بها ويمنحني بعض الربح لكنه أصيب بجروح خطيرة نتجت من تعرضه لحادث مرور على الطريق بين كابول وجلال آباد. وقد انتظرته أشهراً كي يتعافى ثم يسدد لي ما تبقى لي من مال بعدما صرفت كل ما أملك. أيضاً أرسلت أحد أبنائي إلى ايران، وكنا نريد أن يتوجه إلى تركيا ومنها إلى دولة أوروبية، لكنه لم ينجح في عبور الحدود التركية الإيرانية، واعتقلته الشرطة الإيرانية ورحلته إلى أفغانستان".

وهكذا لم يملك جنيد الله إلا حل إرسال أحد أبنائه للعمل في بيع وشراء الفحم، وآخر إلى سوق مندوي المركزي في كابول للعمل في محل لبيع البهارات حيث أصيب مرات بأمراض خلال عمله في تنظيف البهارات، لكنه اضطر إلى مواصلة العمل.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أكدت في تقرير أصدرته عام 2023 أنه من بين كل خمسة أطفال في أفغانستان يمارس واحد أعمالاً شاقة، لكن الناشط الاجتماعي عتيق الله وفا يوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه الأرقام قديمة، والوضع يختلف بالكامل الآن، فالأعداد كثيرة وتزداد كل يوم وكلّ شهر وكلّ سنة".

المساهمون