أفراح سورية... الآلاف في الشوارع احتفالاً بسقوط النظام

08 ديسمبر 2024
سوريون يحتفلون في الشوارع، 8 ديسمبر 2024 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت سوريا احتفالات واسعة بسقوط نظام بشار الأسد، حيث عبر السوريون عن فرحتهم بالخلاص من عقود الظلم، مع عودة المهجرين وتحرير المعتقلين، واحتفالات في دمشق بساحة الأمويين.
- في مدن مثل معرة النعمان وحمص، اعتبر المواطنون سقوط النظام عيداً، مع عودة النازحين وإعادة بناء المدن، مؤكدين على أهمية الحفاظ على الوطن والكشف عن مصير المفقودين.
- في مناطق "الإدارة الذاتية"، أُسقطت تماثيل عائلة الأسد، معبرين عن أملهم في دولة ديمقراطية، بينما في إدلب وحماة، عبر المواطنون عن آمالهم في مستقبل أفضل وإعادة إعمار البلاد.

عمّت الاحتفالات كل مكان في أنحاء سورية، في لحظة تاريخية كتبت نهاية عقود من الظلم والاستبداد، وتؤرخ لبداية جديدة مليئة بالتطلع نحو مستقبل سوري مختلف، يعود فيه مئات الألوف إلى وطنهم.

لطالما كان حلم الحرية والكرامة يراود ملايين السوريين الذين انتفضوا ضد نظام بشار الأسد. ومع تحقق هذا الحلم، انطلقت أفراح شعبية عارمة في أنحاء البلاد، بداية من إدلب التي احتضنت عشرات آلاف المهجرين، إلى حلب وحماة وحمص، وصولاً إلى دمشق ودرعا والسويداء والقنيطرة وغيرها من المحافظات السورية.
وتظهر مشاهد الاحتفالات في عموم البلاد مدى فرحة السوريين بالخلاص من الاستبداد، وتحرير آلاف المعتقلين من مسالخ النظام، وعودة المهجرين إلى مناطقهم، واللاجئين إلى وطنهم. هذا الفرح الذي ترقبوه سنوات طويلة، والذي يعتبره كثيرون نهاية حقبة مظلمة استمرت طوال 61 عاما من حكم نظام حزب البعث الدموي، و53 عاما من حكم عائلة الأسد.
في العاصمة دمشق، التي شهدت انتفاضة فرح للسكان منذ ساعات فجر الأحد، شارك عبد الله الحميد رفقة أفراد عائلته في الاحتفالات بساحة الأمويين، ويقول لـ"العربي الجديد": "إنه شعور لا يصدّق. عمري 55 سنة، وأتذكر أنني في أيام الطفولة كنت أتجول في حارات الشام القديمة، وأسير ساعات، ودائما ما أحكي لأولادي عن هذا، فبعضهم غادر سورية، وكنت متخوفاً ألا أجتمع بهم مجدداً في الداخل السوري، لكن إرادة الله فوق كل شيء، وقد تحققت الحرية بعد كل هذا الصبر. قبل 10 سنوات، غادر ابني الأكبر إلى الشمال السوري، وهو الآن في تركيا، وسيعود في أقرب فرصة مع أولاده، لأجتمع بأحفادي الذين لم أرهم سوى عبر شاشة الهاتف، ولم أضم أحداً منهم يوماً. أخيراً سيتحقق ما كنت أتوق إليه لسنوات".

ينهي سقوط النظام معاناة آلاف النازحين في مخيمات الشمال

بينما يحتفل بسقوط نظام الأسد في مدينة معرة النعمان، يقول محمود المعري، لـ"العربي الجديد": "اليوم عيد للسوريين، ولا عيد يماثل هذا العيد. 14 عاماً من الظلم والقهر والقتل والتشريد والنزوح، وأخيراً نال الشعب السوري الحرية، فحكم آل الأسد ولّى إلى الأبد. فرحتي لا تختلف عن فرحة ابن حمص وابن حماة وابن حلب وابن دمشق وغيرها من المدن والبلدات بالتحرر، ونتمنى زوال أي أثر يحمل اسم الأسد".
يتابع: "شعورنا لا يوصف مهما تحدثنا، وجميع الناس في الشوارع للاحتفال؛ الأمهات تزغرد، والآباء يسجدون في الشوارع، والشباب يتجمعون في الساحات، والأطفال يرقصون. الجميع سعيد بهذا اليوم العظيم. عدنا إلى مدينتنا بعد سنوات من التشرد في مخيمات الشمال السوري، عشنا فيها التعب والبرد والمعاناة، وسنعيد بناء المدينة من جديد. كل ما أريده هو أن أنام في بيتي، وأن أسند ظهري إلى جداره، فهذا الشعور افتقدته طوال سنوات عشتها في الخيمة".

سوري يحتفل مع طفلته في الشارع. 8 ديسمبر 2024 (العربي الجديد)
سوري يحتفل مع طفلته في الشارع. 8 ديسمبر 2024 (العربي الجديد)

لم ينم الكثير من أهالي حمص تقريباً منذ إعلان تحرير المدينة، إذ كان الجميع يترقبون الخلاص من القبضة العسكرية التي طوّقت المدينة، فأرعبتها، وهجّرت أهلها. يقول الخمسيني فادي البيطار، المقيم في حي القرابيص، لـ"العربي الجديد": "فرحتي بسقوط بشار الأسد تعادل الفرحة باجتماعي بأولادي بعد سنوات من التهجير، وقد سجدت لله شكراً عند دخول الثوار إلى المدينة. كان أولادي يخبرونني بأن فصائل المعارضة قادمون نحو حمص لتخليصنا من النظام، لكني لم أكن أصدقهم، لكن هذا ما حدث. انتهت سنوات الظلم الطويلة".
يضيف البيطار: "سورية اليوم في عهدة شبابها الذين كانوا على قدر المسؤولية بطرد آل الأسد، وسيكونون على قدر مسؤولية الحفاظ على الوطن، على مؤسساته، وجامعاته، ودوائره الخدمية. فرحتي لا يمكن وصفها، وقد بكيت فرحاً مرات عدة منذ البارحة. لم أكن أظن أن أيام خلاصنا قريبة، ولدي أصدقاء في السجون، وأتمنى أن أعرف ما حل بهم، وإن كانوا على قيد الحياة. ما زلنا بانتظار الأخبار عنهم، ولن تكتمل فرحتنا إلا بالكشف عن مصير كل مفقود، وعودة كل مغترب وكل نازح ومهجر إلى أهله وبيته. هذا هو خلاصنا، وهذه هي أمنيتنا".
بدوره، يقول الشاب همام الخالدي، من مدينة حمص، لـ"العربي الجديد": "فور علمي بتحرر المدينة قررت العودة إلى حمص، وكنت مصمماً على تحطيم تمثال حافظ الأسد المقام في جامعة البعث، والتي تمركز فيها جيش النظام لقصف حي بابا عمرو، وهي جامعتي التي حرمت من استكمال الدراسة فيها كوني مطلوباً لأمن النظام. سحقنا التمثال الموجود على الدوار القريب من الجامعة في الليل أيضاً، وسنمحو كل رمز يشير لتلك العائلة المجرمة التي حطمت أحلام السوريين، وسأعود إلى جامعتي لأكمل دراستي".

احتفالات في حماة. 7 ديسمبر 2024 (العربي الجديد)
احتفالات في حماة. 7 ديسمبر 2024 (العربي الجديد)

في مناطق "الإدارة الذاتية" شمال شرقي سورية، جرى صباح الأحد، إسقاط تماثيل حافظ الأسد وأفراد عائلته، وسُحلت رؤوس تلك التماثيل في شوارع القامشلي والحسكة وعامودا، وتمكن الأهالي من دخول المناطق التي كانت محظورة سابقاً، مثل المربعات الأمنية، وحرم مطار القامشلي الدولي، كما شهدت المدن مسيرات راجلة، ومسيرات بالسيارات، تخللتها الزغاريد وإطلاق الرصاص في الهواء.
يقول سمير عليان، من القامشلي، لـ"العربي الجديد": "فرحتنا غامرة بسقوط النظام، والجميع يشعر بالأمل في مستقبل أفضل. أنا شخص عقلاني، وأتمنى أن تزول الهواجس والمخاوف التي يعيشها الناس سريعاً، ونرجو أن تكون هناك رؤية واضحة للمستقبل، وأن تسقط كل الديكتاتوريات، وتكون لدينا دولة تتسع للجميع، دولة ديمقراطية تحتوي على جميع أطياف شعبها، ولا تكون مقصورة على طائفة أو قومية محددة. عانينا لمدة ثلاثة عشر عاماً في ظل نظام قمعي مجرم، واليوم نشعر بنسمات من الحرية".
ما زالت السورية جمانة البكري، التي تسكن في مدينة إدلب، لا تصدق انتهاء حقبة الظلم والاستبداد، وتقول لـ"العربي الجديد": "الفرحة لا توصف. عشنا سنوات من القهر والمعاناة تحت حكم هذا النظام المجرم، وعايشنا القمع والدمار. أتلهف لمعرفة مصير أخي الذي غيّبه النظام لعشر سنوات، وقد كان في سجن صيدنايا سيئ السمعة، وهو أبشع السجون على الإطلاق، وقد فتحته فصائل المعارضة، وكانت لحظة خروج المعتقلين منه أكبر لحظات الفرح، وأتمنى أن يكون شقيقي بخير، عندها ستكتمل الفرحة بسقوط النظام، وتبدأ مرحلة النضال من أجل الحرية والكرامة".

لم تستطع النازحة المسنة صباح العلوش المقيمة في مخيمات إدلب، إخفاء دموع الفرح. وتقول لـ"العربي الجديد"، بينما توزع الحلوى على جيرانها، إن فرحة التحرر من نظام الأسد هي نتاج حقبة طويلة من الصبر والمعاناة، وعقود من القهر والظلم والدمار.
تضيف: "لا أصدق أنني سأتمكن من العودة إلى حمص مرة أخرى، ولا أصدق أننا تخلصنا من هؤلاء المجرمين الذين قتلوا الأطفال والنساء والشيوخ بلا رحمة. اختلطت مشاعري بين الحزن على من فقدناهم خلال الحرب، سواء كانوا شهداء أو معتقلين، وبين استعادة الفرصة لإعادة بناء الحياة على أسس من العدالة والحرية، والتطلع لمستقبل خال من القمع والاستبداد. فرحة الأهالي مزيج من العواطف والأمل، فالنصر لن يتحقق سوى باستعادة السيطرة، وبعودة الحياة إلى طبيعتها. هذا تجسيد لقوة الشعوب، وقدرتها على مواجهة الظلم، فشكراً من القلب للمجاهدين الذين ضحوا من أجل أن نعيش هذه اللحظات، ومن أجل انتصار الحق على الباطل. لكن هذا ليس نهاية الطريق، بل هو بداية جديدة، ومرحلة أولى من إعادة البناء، والكثير من التحديات السياسية والاجتماعية. لا نريد حاكماً فردياً بعد اليوم، بل نريد خداماً للشعب الذي دفع دماءه ثمناً للحرية".
ويعبر محمد العلي، من مدينة حماة، عن فرحته قائلاً لـ"العربي الجديد": "نعيش لحظة كنا نحلم بها طوال سنوات، ولأول مرة نشعر أن هناك أملاً في مستقبل أفضل. في حماة كما في باقي المدن السورية أفراح لا توصف، والناس يحتفلون في كافة الساحات، والأمهات تبكي فرحاً، والشبان يهتفون بالحرية. لا نشك أن المستقبل سيكون أجمل، وسنعمل معاً لتكون سورية أفضل، وكي تفتح الجامعات والمدارس، ونعيد إعمار ما تهدم من مؤسسات ومن البنية التحتية. لدينا آمال كبيرة، والقادم سيكون أفضل من دون حكم آل الأسد".

المساهمون