أطفال سوريون يعانون من التقزّم

أطفال سوريون يعانون من التقزّم

18 مارس 2021
ربما تعاني بسبب سوء التغذية (محمد عبدالله/ الأناضول)
+ الخط -

كثيرة هي معاناة الأطفال في سورية، ومن بينهم ليمار خلوف (8 أعوام) التي تعاني من التقزّم (قصر القامة). أمر حرمها وما زال عيشَ حياتها كبقية الأطفال. يقول عمّها نجيب الذي يرعاها، لـ "العربي الجديد": "عندما كانت أمها حاملاً بها في الشهر الخامس، كانت راجمات الصواريخ تقصف القرية التي تقيم فيها في ريف منطقة معرة النعمان. ومع اشتداد القصف وحالة الهلع والخوف التي مرت بها، انقطع الحبل السري، ثم عانت الأم من مضاعفات. وحين وُلدت الطفلة، كان حجم جسمها صغيراً ورأسها غير متناسق. وبعد استشارة عدد من الأطباء، أخبرونا أنها مصابة بالتقزم، وتحتاج لنوع خاص من الحقن للعلاج، ولكي تتمكن من كسب بعض الطول".
يضيف: "تعاني ليمار معظم الأحيان من ارتفاع في درجة حرارة جسمها، وتحتاج إلى حقن باستمرار وغيرها من الأدوية المكلفة، علماً أن سعر الحقنة الواحدة يصل إلى نحو 250 دولاراً. وبسبب الوضع المتردّي والنزوح وصعوباته، لم نستطع أن تقدم لها هذا العلاج". يوضح أن كثيرين لا يتقبلون هذا الاختلاف، وخصوصاً الأطفال. "عندما ذهبت إلى المدرسة، وهي في عمر السادسة، كانت تتعرض لمضايقات كثيرة والتنمر من الأطفال. كان البعض يرميها بالأغراض، أو لا يساعدها إذا ما احتاجت إلى شيء ما، كما أن أحداً لم يكن يلعب معها". ويختم حديثه قائلاً: "طالبنا الكثير من المنظمات بالمساعدة، لكن من دون جدوى".
من جهتها، تقول الطبيبة السورية وأستاذة أمراض الغدد الصماء والاستقلاب في كلية الطب البشري في جامعة دمشق، روان تمو، في رسالة الماجستير الخاصة بها، التي حملت عنوان "أسباب قصر القامة عند الأطفال"، بعد متابعتها أحوال 203 أطفال (120 ذكوراً و83 إناثاً، تراوح أعمارهم بين 5 أعوام و15 عاماً)، إن هناك أربعة أسباب رئيسية لقصر القامة، وحلّ عامل تأخر النمو البنيوي في المرتبة الأولى بنسبة 32.5 في المائة من الأسباب، تلاه سوء التغذية بنسبة 24.6 في المائة، وقصر القامة (الوراثي) بنسبة 20.2 في المائة، وقصور الدرق البدئي بنسبة 7.9 في المائة.
في مدينة القامشلي شمال شرقيّ سورية، يعيش عدي علي حسن، الملقب بـ "أبو أمير"، معاناة من نوع آخر. فابنه البكر أمير وابنتاه قصيرو القامة. يقول لـ "العربي الجديد": "كأب، أعيش حالة من العجز واليأس أحياناً، أو أستسلم للأمر الواقع. أواسي نفسي بالقول إن مرض أبنائي قدر ومشيئة إلهية. قصدت الكثير من الأطباء من دون فائدة. يحتاج العلاج للصبر، ولا طاقة لي على ذلك. سيكبر أبنائي وهم هكذا".
يضيف: "كل ما أرجوه أن يتخطوا هذه المحنة، ويكونوا قادرين على الانخراط بالحياة، ويحصلوا على مراتب علمية جيدة، وأن تكون إرادتهم أقوى من جسدهم. وأتمنى أن يكون هناك جهة تتابع بشكل حقيقي حالة هؤلاء الأطفال، وتقدم لنا يد العون طبياً ونفسياً". ويقول: "أمير بلغ 23 عاماً من العمر. لم أعد أخاف عليه كخوفي على شقيقتيه لكونهما أصغر سناً، وقد تعانيان بعد تجاوز مرحلة الطفولة. وهذا كل ما أخشاه مع مرور الأيام".

أما حسن العبدالله، وهو نازح يُقيم في مخيم النصر في بلدة قاح في ريف إدلب الشمالي، فيقول إنه يعجز عن توفير ثمن 12 حقنة شهرياً لابنه عبد الحميد (13 عاماً)، علماً أن فترة علاجه تمتد على عامين. ويقول لـ "العربي الجديد": "أعيش مع عائلتي في هذه الخيمة ولا نملك شيئاً. لا أعرف كيف أطعمهم، فكيف أؤمن له العلاج؟". 
وفي 25 فبراير/ شباط الماضي، أعلن وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة مارك لوكوك، خلال جلسة لمجلس الأمن، أن نحو نصف مليون طفل سوري دون سنّ الخامسة يعانون من التقزم، معرباً عن خوفه من زيادة عدد الأطفال المصابين بهذا المرض.

الصورة
ليمار خلوف (يونيسف)
ليمار خلوف (العربي الجديد)

وفي مناطق شمال وشمال غربيّ سورية، يعاني واحد من ثلاثة أطفال من التقزم، وهو ما يؤثر بنموّهم ولا يمكن علاجه. يضيف أنه نتيجة لتفشي سوء التغذية بشكل كبير، بات الأهالي عاجزين عن كشف علامات سوء التغذية لدى أطفالهم.
وكان منتدى أسعى الإنساني، الذي نظم حملتين خلال عام 2019، قد وثّق 300 حالة تقزم لدى الأطفال في محافظة إدلب. أما علاج قصر القامة، وفقاً لجهات طبية محلية، فهو أمر في غاية الصعوبة نتيجة لارتفاع أسعار الأدوية، وأولويات المنظمات، باعتبار أنّ الأمراض السارية والمعدية تهدّد حياة آلاف الأطفال، ويشكل احتواؤها أولوية.

ويشير مصدر طبي لـ "العربي الجديد" إلى أن هناك برامج محلية بسيطة للحد من التقزم الناجم عن نقص الهرمونات وسوء التغذية في المستشفيات والمراكز الصحية شمال غربيّ سورية. وتجري محاولات لتوفير علاجات فردية للأطفال الذين يعانون من التقزم عبر مانحين ومنظمات.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، إن الضرر الذي يسببه التقزم لنمو الطفل لا يمكن علاجه. كذلك إن نقص التغذية لدى الصغار يكون له عواقب وخيمة على الدخل والتعليم والإنتاجية في المستقبل، ما يعني أنّ مستقبل مئات آلاف الأطفال السوريين مهدد إن لم يكن هناك تحرك حقيقي وتضافر للجهود بهدف علاج التقزم.

 

المساهمون