أطفال تونس... متظاهرون يريدون العيش

أطفال تونس... متظاهرون يريدون العيش

15 فبراير 2021
مبكراً في ساحات التظاهر (الشاذلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

 

تميّزت التحركات التي شهدتها مختلف محافظات تونس بمشاركة الشبان والأطفال التي تأتي كتجربة أولى لهم في الاحتجاج بالساحات العامة. مِن بين هؤلاء من لم يتعدّ 14 عاماً، ومَن يبلغ حالياً 18 عاماً فهو كان في خلال ثورة 2011 طفلاً صغيراً ولم يواكب الحراك ضدّ نظام زين العابدين بن علي، لكنّهم اليوم ينتفضون في الشوارع ويهتفون ضدّ السياسيين وضدّ الأحزاب، وثمّة منهم مَن يخرّب الممتلكات العامة والخاصة. وتُطرح التساؤلات حول هويّة قادة الاحتجاجات ومطالبهم.

علاء، فتى تونسي يبلغ من العمر 13 عاماً، من حيّ شاكر في مقرين، إحدى الضواحي الجنوبية لمدينة تونس، والتي تُعَدّ فقيرة ومهمّشة، علماً أنّ واقع أبنائها لا يختلف عن واقع سواهم في مناطق أخرى. يخبر "العربي الجديد"، بأنّ أطفال الحيّ كانوا يجتمعون ليلاً بعد التنسيق في ما بينهم للتعبير عن غضبهم. يضيف "نحن نريد العيش"، ملخّصاً بهذه العبارة واقع عشرات الناشئة في حيّه. ويشير علاء، الذي انقطع عن التعليم وتوجّه إلى التدريب المهني في مجال الميكانيك، إلى أنّه "كثيرة هي الأسر التي تعرف أوضاعاً اجتماعية دقيقة، وأرباب منازل كثيرون لا يعملون وسط غياب لأبسط المرافق الحيوية. بالتالي تئنّ الأحياء تحت الفقر". ويؤيّد علاء في رأيه هذا رفيقُه عزيز البالغ من العمر 14 عاماً، والذي يشكو من عدم توفّر مرافق أساسية في الحيّ، ولا حتى مساحات لممارسة الرياضة. ويقول: "كان لدينا ملعب خاص بكرة اليد لكنّه أزيل، بالتالي لم يعد يتوفّر أيّ مكان يستطيع الأطفال والشبان ارتياده".

أمّا محمد، وهو عامل نظافة في إحدى البلديات، فيؤكد لـ"العربي الجديد"، أنّه يساند تحركات الشبان والأطفال، إذ إنّ "وضع البلاد لا يسرّ والحكومة لا تهتم بالفئات الفقيرة". ويقول إنّ "ما أقوم به لا يكفي لتأمين احتياجات أسرتي، الأمر الذي اضطرني إلى جمع القوارير نهاراً". ويشرح محمد أنّه يجمع القوارير "لتأمين علاج ابني المريض الذي يعيش بكلية واحدة". يضيف أنّه "بسبب تركيز المستشفيات العمومية على مواجهة كورونا، عمدت إلى تأجيل علاج الأطفال، بالتالي يتوجّب عليّ مداواة ابني في القطاع الخاص. لكنّني عاجز عن ذلك، إذ إنّني في كلّ مرة لا أنجح في جمع كلفة العلاج".

وفي تصريح إعلامي أدلى به المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية خالد الحيوني، كانت إشارة إلى أنّ الفئات العمرية المشاركة في احتجاجات تونس هي بمعظمها من القصّر، إذ لا تتعدّى سنيّ المحتجين 15 عاماً إلى جانب من تراوح أعمارهم ما بين 20 و25 عاماً. من جهته، أفاد المتحدث الرسمي باسم المحكمة الابتدائية في سوسة جابر الغنيمي، بأنّ النيابة العمومية هناك أذنت بإصدار أحكام بالسجن تراوح ما بين سنة وسنتَين في حقّ عدد من الأشخاص الذين شاركوا في الاحتجاجات الليلية، موضحاً في تصريح إعلامي، أنّ قاضية الأطفال بالمحكمة الابتدائية في سوسة (1) أذنت بإصدار بطاقات إيداع بإصلاحية سيدي الهاني في حقّ 20 قاصراً من الذين شاركوا في أحداث الشغب الليلية.

وفي السياق، أكد مساعد وكيل الجمهورية في المحكمة الابتدائية في القصرين، شوقي بوعزي، الاحتفاظ بـ72 شخصاً، معظمهم ممّن تراوح أعمارهم ما بين 15 عاماً و17، وأنّ بطاقات بالسجن صدرت في حقّ 34 شخصاً، وأحيل سبعة قاصرين إلى إصلاحية سيدي بوزيد فيما أطلق سراح البقية كونهم تلاميذ.

وفي محافظة صفاقس، أحيل 12 قاصراً على قاضي الأطفال وقاضي تحقيق الأطفال، بحسب الناطق الرسمي باسم محاكم صفاقس مراد التركي، في حين أنّ ثمانية من القصّر المشاركين في الاحتجاجات في محافظة المنستير أحيلوا إلى قاضي الأطفال لاتخاذ التدابير اللازمة في حقهم. وأوضحت المتحدثة الرسمية باسم محاكم المنستير والمهدية، روضة بالريمة، أنّ التوقيفات التي شملت القصّر هي للضرورة القصوى ولتلافي ارتكاب جرائم أخرى، أو لتوفّر قرائن تستوجب التوقيف.

في السياق، يقول المتخصص والباحث في علم اجتماع الجريمة سامي نصر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة جانباً تلقائياً في احتجاجات الأطفال والمراهقين، وذلك من خلال عدوى الاحتجاجات. فالأطفال يقلّد بعضهم بعضاً، كما هي الحال عادة في تحركات التلاميذ في المدارس. كذلك، ما يحصل هو نتيجة ضغط. ففي غياب المساحات التي تهمّ هؤلاء، من قبيل دور ثقافية ومؤسسات تربوية وإغلاق المصايف ومراكز الكشافة وغيرها، شعر هؤلاء بضغط كبير دفعهم إلى التحرّك". يضيف نصر أنّ "الحجر المنزلي مسّ التونسي في العمق وضرب حياته الطبيعية، فجعل النمط الجديد لدى كل شخص شحنة مكبوتة قابلة للانفجار في أيّ لحظة، خصوصاً لدى الأطفال". ويشرح نصر أنّ "هذه الشحنة موجودة لدى الأطفال أكثر من الكبار، لأنّ الأخيرين يفرّغونها في العمل وفي مشاغل الحياة، في حين أنّ أبناء الجيل اليوم الذين تُنقل إليهم ضغوط أهلهم يعبّرون عنها بالاحتجاجات". ويؤكد نصر أنّ "المشاركين في الاحتجاحات هم أطفال الثورة لكنّهم يلاحظون فشل مرحلة ما بعد الثورة، فيتحرّكون وكأنّهم يقولون للسياسيين: حيثما فشلتم أنتم سننجح نحن".

أطفال في تظاهرة في تونس (العربي الجديد)

هذا هو الجانب التلقائي في تحرّكات الأطفال، لكنّ نصر يتحدّث عن "جانب آخر تغذّيه أطراف ليست سياسية لأنّها أضعف من أن تحرّك الشارع. وتشمل تلك الأطراف مافيا المخدرات والعصابات بمختلفها وكلّ من يملك أجندات ومصالح لبثّ الفوضى. وتلك الأطراف هي الوحيدة القادرة على تحريك الشارع، والدليل استخدام هؤلاء المحتجين شماريخ (مفرقعات) باهضة الثمن وضبط الأمن عجلات مطاطية بأعداد كبيرة جداً... فمن أين لهم ذلك؟ أمّا عملية التنظيم والتحرك في التوقيت نفسه والتوجّه إلى أماكن مستهدفة بحد ذاتها، كلها دليل على أنّ ثمّة من ينسّق بعض التحرّكات". ويشدد نصر على أنّه "لا بدّ من تناول ما يحصل في تونس كرسالة مشفّرة للسياسيين والمجتمع المدني والخبراء والإعلاميين والحكومة والبرلمان والمجالس البلدية ولكلّ من لديه شرعية انتخابية فيما تكشّف أنّ لا شرعية له. لا بدّ من أن يفهم هؤلاء الرسائل".

ويرى نصر أنّه "لم يعد للأسرة التونسية مكانتها، فلا هيبة ولا نفوذ على الأطفال. في السابق، كان للأسرة الممتدة دورها. لو غاب الأب أو الأم، فهناك العمّ والخال والجد والجدة. أمّا اليوم، فثمّة عزلة، وكأنّ الأطفال في عالم آخر ولا سلطة لوالدَيهم أو لأيّ مربٍّ عليهم. لا قدرة على التأثير عليهم، ما يعني حالة من الانفلات التام عند كثيرين. بالتالي، ما الذي ننتظره منهم في حين أنّ الكبت في داخلهم؟".

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

بالنسبة إلى المحلل السياسي قاسم الغربي، فإنّ "الفئات المشاركة في الاحتجاجات تحيلنا إلى فهم ما يحصل. ونحن نجد أطفالاً ما بين 14و15 عاماً، وشباناً لم يتخطّوا 20 عاماً في الغالب، بالتالي ثمّة طرق عدّة لتفسير تحرّكاتهم بعيداً عن نظرية المؤامرة والمعطى السياسي". يضيف الغربي لـ"العربي الجديد"، أنّ "ثمّة أزمة في الحكومة وفي الرئاسات الثلاث، وهو ما يعني لهؤلاء أنّ الدولة في حالة تراخ وأنّه في إمكانهم الاحتجاج والتحرّك. لكنّ الأهم العوامل الاجتماعية المتوفّرة، فالوضع غير مريح وما نعيشه يشجّع على ظهور مثل هذه التحرّكات ولو أنّها خارجة عن القانون". ويشدّد الغربي على ضرورة "الإنصات للفئات المحتجة" بغضّ النظر عن "التشكيك في تحرّكات هؤلاء"، وذلك إلى جانب "المعالجة الأمنية للعنف الحاصل من خلال استهداف الممتلكات العامة والخاصة". ويرى الغربي أنّه "لا يمكن للصمت الحكومي أن يستمرّ لأنّه يكشف عن أزمة حقيقية في التعاطي مع التحركات"، لافتاً إلى أنّ "ثمّة جانباً إيجابياً في التحركات لأنّها فوضوية، وهو ما يعني هدوءها قريباً".

المساهمون