أطفال أفغانستان... حرمان من الغذاء فأمراض

أطفال أفغانستان... حرمان من الغذاء فأمراض

15 يونيو 2022
تزايد الجوع وسوء التغذية بين الأطفال في أفغانستان مثير للقلق (سيد خودابردي سادات/الأناضول)
+ الخط -

قبل عشرة أشهر، تبدّلت حياة الأفغان مع تبدّل الظروف السياسية في البلاد، لا سيّما هؤلاء الذين كانوا يعملون مع مؤسسات أجنبية صفّت أعمالها على عجل وخرجت من أفغانستان مع تولّي حركة طالبان زمام الأمور.

بعدما سيطرت حركة طالبان على الحكم في أفغانستان في أغسطس/ آب من عام 2021، سُجّل تدهور على صعد كثيرة في البلاد، لا سيّما مع مئات آلاف العاطلين من العمل، ومئات آلاف المواطنين الذين توجّهوا إلى دول مختلفة بحثاً عن الرزق. وبحسب ما أفاد تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإنّ 97 في المائة من الأفغان يواجهون الفقر الذي تنجم عنه مشكلات مختلفة. وفي ظلّ الوضع المعيشي المتردّي في البلاد اليوم، يُعَدّ الأطفال من أكبر الضحايا نظراً إلى تأثّرهم الأكبر بالأزمات، علماً أنّ الأفغان ينجبون كثيراً بحكم الأعراف القبلية.

طيب آغا جان، أبٌ لثمانية أولاد، كان يعمل في السابق سائقاً في مؤسسة أوروبية وكان يتقاضى راتباً قدره 500 دولار أميركي يستطيع من خلاله تدبير أمور أسرته. لكنّ انهيار النظام السابق تسبّب في إغلاق المؤسسة أبوابها، وبالتالي صار عاطلاً من العمل. وما ادّخره من المال، صرفه في خلال الأشهر الأولى التي لحقت سيطرة حركة طالبان، إلى جانب المبلغ الذي دفعته المؤسسة لموظفيها عند الإقفال، والذي يساوي راتب ثلاثة أشهر. وبعد ذلك، حاول تأسيس مشروع تجاري يقوم على شراء الفاكهة من السوق الرئيسي ويبعها للمحلات، غير أنّه خسر فيه بعض المال، فهو لا يعرف كيفية تسيير مشاريع مماثلة.

يقول طيب آغا جان لـ"العربي الجديد": "ما كنت أتوقّع أن يحلّ بنا كل هذا. لقد تغيّرت الأمور فجأة، ومن دون تمهيد انهارت الحكومة وتعطلت الأعمال وبقيتُ بلا مصدر رزق، فيما أولادي كثيرون. هم ثمانية، أصغرهم طفلة تُدعى رويدة وتبلغ من العمر ثمانية أشهر، فهي وُلدت بعد سيطرة طالبان على كابول". يضيف: "أولادي كلهم صغار ويحتاجون إلى رعاية كافية وأنا عاطل من العمل". وبعد فشل المشروع التجاري، راح يقف في كل صباح أمام مطعم وسط كابول، إلى جانب عمّال مياومين كثيرين ينتظرون من يشغّلهم. ولا يخفي أنّه لا يجد فرصة عمل في معظم أيام الأسبوع، "وفي حال توفّرت واحدة يكون العمل شاقاً وفي مقابل 500 أفغانية (نحو 5.6 دولارات أميركية) لا تكفي إلا لشراء الدقيق أو الخبز الجاف".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وأكثر ما يقلق طيب هو "وضع أطفالي الصغار، خصوصاً رويدة التي لا تستطيع أمّها إرضاعها في حال لم تأكل كفاية. أمّا الأولاد الآخرون، ففي بعض الأحيان لا يحصلون حتى على الخبز، من دون ذكر الحليب والبيض وغيرهما من الأغذية التي كانوا يتناولونها قبل انهيار النظام السابق". فهو كان يتقاضى راتباً جيداً حينها وكان قادراً على توفير الغذاء المناسب لهم. أمّا اليوم، فصار الأطفال "يصابون بأمراض مختلفة بسبب عدم حصولهم على التغذية المطلوبة. وعندما أصطحبهم إلى الطبيب، يوصيني بالغذاء الجيّد، وهو غير متاح".

ولا يُعَدّ أولاد محمد محسن أفضل حالاً من أولاد طيب آغا جان. وهؤلاء يعيشون في منطقة خوشحال خان، فيما والدهم يبيع الخبز الأفغاني المعروف بـ"بولاني". واليوم يكسب محمد محسن بشقّ النفس ما بين 200 أفغانية (نحو 2.2 دولار) و300 أفغانية (نحو 3.3 دولارات)، وذلك بعد أن كان يعمل في الشرطة الأفغانية ويتقاضى راتباً قدره 18 ألف أفغانية (نحو 200 دولار) يكفيه نسبياً لتوفير ما تحتاجه أسرته. يُذكر أنّ أولاد محمد محسن أربعة، أصغرهم سناً صبي يُدعى فدا محمد ويبلغ من العمر عاماً ونصف عام.

الصورة
أطفال في كابول في أفغانستان (أحمد سهل أرمان/ فرانس برس)
هؤلاء الصغار جميعاً في حاجة إلى رعاية كافية (أحمد سهل أرمان/ فرانس برس)

ويقول محمد محسن: "أولادي صغار ويحتاجون إلى رعاية كافية وأنا لا أملك شيئاً. زوجتي تعدّ الخبز في البيت وأنا أخرج لبيعه. بالتالي أنشغل أنا بالبيع وزوجتي بإعداد الخبز لكنّ أولادي لا يجدون طعاماً مناسباً لهم". يضيف: "لا أذكر متى طهونا اللحم في البيت للمرّة الأخيرة. وإذا أحضرنا الحليب من السوق، نضيف إليه كمية كبيرة من المياه حتى يكفي الجميع"، مؤكداً أنّ "حياتنا دُمّرَت بشكل كامل، وصرت أعاني من أمراض نفسية". ويتابع محمد محسن أنّ "أولادي يعانون من أمراض مختلفة، ولا أملك المال لاصطحابهم إلى الطبيب. لذا أشتري لهم الفيتامينات من الصيدلية، لكنّ أوزانهم تنقص"، مشيراً إلى أنّ "زوجتي تشتكي من الأمر يومياً، لكنّني أنا لا أستطيع القيام بأيّ شيء".

وفي سياق متصل، أفادت "يونيسف" في الثاني من يونيو/ حزيران الجاري بأنّ تزايد الجوع وسوء التغذية بين الأطفال في أفغانستان أمر مثير للقلق، مضيفة أنّ ثمّة أمهات فقيرات ومحرومات في المستشفيات الأفغانية يرينَ أطفالهنّ وهم يموتون جوعاً. وأوضحت أنّه من الممكن منع جوع الأطفال وسوء التغذية، لافتة إلى أنّ نحو ألفَي خبير من الأمم المتحدة يقدّمون المشورة للنساء الحوامل والأمهات المرضعات، غير أنّ نقص المعدّات يجعل تلك الجهود غير مجدية.

كذلك، بيّنت المنظمة الأممية في تقرير آخر لها أنّ أفغانستان من بين الدول حيث معدّلات التقزم الأعلى على مستوى العالم بين الأطفال دون الخامسة، ونسبة الأفغان الصغار المصابين بالتقزّم تصل إلى 41 في المائة.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وفي هذا الإطار، يقول المتخصص في طبّ الأطفال، عزت الله حامد لـ"العربي الجديد" إنّ "سوء التغذية بين الأطفال يُعَدّ أمّ الأمراض، ويأتي نتيجة عدم حصول الطفل على الغذاء والفيتامينات اللذَين يحتاج إليهما، وبالتالي يتعرّض لضعف المناعة ولأمراض مختلفة. فيُهزَم أمام الأمراض إذ يعجز جسمه عن المقاومة". ويشير إلى أنّ "الأطفال الذين أعاينهم بمعظمهم، أمراضهم ناجمة عن ضعف المناعة التي يتسبّب فيها عن سوء التغذية"، مشدّداً على أنّ "الوضع في بلادنا كارثي. فالطعام لا يصل بشكل كافٍ إلى الأطفال، علماً أنّهم جزء من هذا المجتمع الذي يعاني من أشدّ أنواع الفقر. وفي ما يخصّ الأطفال الرضّع، فمعاناتهم تكمن بأنّ أمهاتهم يعجزنَ عن إرضاعهم لعدم حصولهم على الغذاء المناسب". ويرى أنّه "في حال استمرّ الأمر فإنّ الأطفال سوف يكونون الأشدّ تضرراً من جرّاء ما تواجهه أفغانستان".

المساهمون