استمع إلى الملخص
- تعرضت الشرطة لانتقادات بسبب تصريحاتها حول عدم وجود دوافع أيديولوجية للجاني، مما أثار الجدل في المجتمع السويدي وزاد من الانقسام بين السويديين والمهاجرين.
- تواجه الحكومة السويدية ورئيسها أولف كريسترسون انتقادات بسبب تعامله مع قضايا الهجرة والتطرف، وسط مطالبات بتوضيح دوافع الهجوم.
بعد أسبوع على جريمة إطلاق النار الجماعي في مدرسة ريسبيرغسكا بمنطقة أوريبرو السويدية، التي تضم الكثيرين من ذوي الأصول الأجنبية، تتواصل الانتقادات ضد تصرف الشرطة مع دوافع مرتكب الجريمة ريكارد أندرسون (35 عاما) الذي انتحر بعد الواقعة.
وأثار مولد ثماني ضحايا خارج السويد، من إجمالي عشر، موجة من الشائعات والتكهنات حول ما إذا كان البلد شهد جريمة عنصرية - إرهابية، شبيهة بمذبحة أوتويا النرويجية، التي ارتكبها اليميني المتطرف أندرس بريفيك صيف 2011. ويخشى كثيرون أن تكون الجريمة بدوافع عنصرية، أو بسبب "إرهاب التفوق العرقي الأبيض"، مثلما كان عليه الأمر مع النرويجي بريفيك.
ومع أن السويديين نظموا، أمس الثلاثاء، دقيقة حداد توقفت خلالها السيارات والحافلات وسط المدن، ونكس العلم حداداً على الضحايا، فإن دوافع أندرسون بقيت دون توضيح من الشرطة وحكومة يمين الوسط، برئاسة أولف كريسترسون.
ويستمر البحث عن أجوبة بين السويديين، وتيارات سياسية من يسار ويسار الوسط، حيث يلقون بمسؤولية كبيرة على عاتق "تسميم" أجواء الخطاب السياسي في البلد بشأن الأقليات المهاجرة، بسبب عنف العصابات المتنافسة على أسواق الممنوعات، والتي تخلف سنوياً عشرات القتلى والجرحى، جراء عمليات إطلاق رصاص وتفجيرات.
استقطاب في السويد ومسؤوليات سياسية
من جانبها، لم تخفف الشرطة السويدية من وطأة السجال والإشاعات حين قالت عقب الجريمة إن "كل شيء يشير إلى أن الجاني تصرف دون دوافع أيديولوجية"، الأمر الذي أثار انتقادات سريعة في النقاش السويدي. وبات معروفاً أن الجاني امتلك رخصة حيازة أسلحة، وكان بحوزته أثناء الهجوم ثلاثة من أربعة أسلحة مرخصة. وأثار ذلك، والبيان قبل أسبوع، المزيد من الصدمة في مجتمع يعيش صدمات العنف منذ اغتيال رئيس حكومته الأسبق أولف بالمه في فبراير/شباط 1986، ووزيرة الخارجية آنا ليند في 2003، وبعض الاستهدافات بحق سياسيين آخرين ومجتمعات الأقليات المهاجرة.
وإبقاء المستوى الأمني والسياسي المعلومات عن دوافع الهجوم بعيدة عن الجمهور ترك الناس في حيرة. ولاحظت الصحف المحلية بحث الناس بنفسها عن الدوافع. واعتبر المحرر القانوني في صحيفة أفتونبلاديت أن بيان الشرطة قبل أسبوع هو "طريقة غريبة للتعبير عما حدث، وخاصة قولها إنها لا تعرف شيئاً عن الدوافع وراء الفعل، ما يعني أنهم لن يتمكنوا من معرفة دوافع القاتل السياسية".
ويحذر البعض من أن ترك المجتمع للشائعات والتخمينات بات يخلق أجواء "نحن" و"هم"، نظرا إلى انتقال سياسة السويد من مجتمع مرحب باللاجئين والمهاجرين بمسمى "مواطنون جدد" إلى الإيحاء بأن استقبال عشرات الآلاف من اللاجئين في 2015 يتسبب في كل مشاكل البلد. فالخطاب اليميني المتطرف عند "ديمقراطيو السويد" ليس وحده المنتقد في الشارع، بل الانفتاح السياسي على الحزب من قبل رئيس الحكومة كريسترسون، وتجاوبه مع مطالب متشددة من زعيم الحزب جيمي أوكوسون.
وسط ذلك تبرز مقارنات بين أن يكون مرتكب المذبحة مسلماً أو "سويدياً أبيض"، كما عبرت بعض الصحف وساسة اليسار في تسمية أندرسون. وربطاً بالدوافع أشارت بعض الصحف إلى اختيار المهاجم مدرسة ريسبيرغسكا تحديدا، برغم وجود مدرسة سويدية مقابلها، أي إنه كان يتعمد قتل من هم من أصول أجنبية، وبعضهم كبار سن أرادوا التحصيل العلمي.
القاتل يصرخ في ضحاياه: ارحلوا عن أوروبا
تتزايد الانتقادات للتصرف الأمني- السياسي مع دوافع مرتكب الجريمة أندرسون، مع الكشف عن أنه حين أخرج أسلحته من حقيبة غيتار وأطلق النار كان يصرخ على الضحايا "ارحلوا عن أوروبا". ويعتقد اليسار السويدي بأن الهجوم لا يمكن فصله عن هجمات سابقة ضد مدارس يرتادها من هم من أصول غير سويدية. وكتبت في السياق المحررة السياسية لصحيفة "أربيتيت" (العمل) لوتا إيلونا هيرينين: "قد لا نصل أبدا إلى إجماع بشأن دوافع ريكارد أندرسون. هذه هي الحال عادة عندما يكون الجاني فردا من عائلتنا، رجلا أبيض ذا تربية عادية".
وذكّرت هيرينين بمسؤولية السياسة والأمن عما يجري على الإنترنت "حيث يبقى هؤلاء اليمينيون المتطرفون مستيقظين كل لياليهم على منتدياتهم التي تشجع وتحرض على الكراهية والعنف". وبعد أن عددت الهجمات السابقة على مدارس يرتادها مهاجرون في إيسلوف (2021 جنوب غرب البلد) وترولهتان (جنوب غرب 2015) وكريستيانستاد (جنوب 2022)، قارنت بين الطريقة التي ينظر بها إلى مجرمي العصابات ذوي الخلفية الأجنبية وعصابات العنف المتطرف.
جدير بالذكر أن جماعة النازية الجديدة "جبهة مقاومة الشمال"، التي تشمل مجموعة دول الشمال (السويد وفنلندا والنرويج وأيسلندا والدنمارك)، وتمجد مذبحة جزيرة أوتويا النرويجية وغيرها من هجمات، تدعو علنا للتدرب على السلاح لمواجهة المهاجرين. وهي على صلة وثيقة بجماعات نازية وفاشية في دول أوروبية أخرى.
وأثار شريط سجله أحد الطلاب أثناء الهجوم وأظهر مرتكبها أندرسون يصرخ بضرورة رحيلهم (الأجانب) عن أوروبا جدلا. حيث سبق أن تطرقت إليه القناة الرابعة السويدية TV4 مساء الأربعاء الماضي، لكن بصورة سريعة، ودون العودة إليه أو مناقشة محتواه بوصفه دافعا يمينيا متطرفا للهجوم. وتوجه الانتقادات إلى رئيس الحكومة كريسترسون باعتباره يعزز "تخصيب التطرف اليميني".
وكان الرجل قد ظهر على القناة الرابعة قبل أيام قليلة من الهجوم للقول من بين أمور أخرى إن "الجريمة تعتمد بصورة أساسية على الهجرة الكبيرة في السويد". واضطر كريسترسون مع الاتهامات الموجهة له بخلق بيئة استقطاب خطيرة إلى توجيه كلمة متلفزة الأحد الماضي رافضا تقسيم السويد إلى "نحن وهم، أو من ولد في الخارج ولم يولد هنا، ولا يمين أو يسار، بل سويد واحدة، وبدون نشر الخوف من المهاجرين".
واضطرت الشرطة السويدية، مساء أمس الثلاثاء، إلى القول إنها وجدت أدلة على أن "الهجوم كان مخططا له"، بحسب ما جاء على لسان رئيس الشرطة الإقليمية نيكولاس هالغرين. لكن ذلك ليس كافيا برأي الأحزاب السويدية التي تطالب بتوضيح الدوافع. وشدد القيادي في الحزب الاجتماعي الديمقراطي المعارض، دانييل سوهنين، على أنه "ربما كان القاتل مجنونا ووحيدا، لكنه عاش في سياق سياسي محدد، حيث لدينا حاليا أغلبية حكومية في البرلمان السويدي تلقي باللوم في جميع المشاكل على المهاجرين".