أزمة تبرع بالدم في بريطانيا... نقص كبير وثقة مفقودة

12 يونيو 2025
تتبرع بالدم في لندن، 29 يوليو 2024 (كارل كورت/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه بريطانيا أزمة في التبرع بالدم مع انخفاض المتبرعين لأقل من 800 ألف، مما يهدد بتفعيل "الإنذار الأحمر" بسبب نقص الثقة والوعي، خاصة لفصائل الدم النادرة.
- تعمل منظمات مثل "صندوق سرطان الدم الكاريبي الأفريقي" على تعزيز الوعي وكسر الحواجز الثقافية من خلال التواصل مع المجتمعات وخلق مساحات آمنة، مع مبادرات مثل "قطرة دم واحدة".
- تجارب دول كفرنسا وألمانيا وكندا تُظهر أن استقرار إمدادات الدم ممكن عبر حملات توعوية فعالة وإشراك قيادات مجتمعية، مما يمكن بريطانيا من الاستفادة عبر إصلاحات مؤسساتية.

تشهد بريطانيا أزمة كبيرة تتمثل في انخفاض كبير في نسبة التبرع بالدم، والأسباب كثيرة، منها غياب الثقة بين مجتمعات الأقليات والنظام الصحي

تُواجه بريطانيا أزمة غير مسبوقة في التبرع بالدم، دفعت هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) إلى التحذير من احتمال تفعيل "الإنذار الأحمر"، وهو مستوى طوارئ قد يضطر المستشفيات إلى تعليق العمليات غير العاجلة والتركيز فقط على الحالات الحرجة.

وتشير هيئة خدمات الدم وزراعة الأعضاء (NHSBT) إلى أن أقل من 800 ألف شخص، أي نحو 2% فقط من السكان تبرعوا بالدم العام الماضي، في حين تؤكد التقديرات أن هناك حاجة إلى مليون متبرع نشط للحفاظ على الإمدادات، خصوصاً بالنسبة لفصائل الدم النادرة مثل O سالب وRO (فصيلة دم فرعية من فصيلة الدم O الموجبة).

واللافت أنّ الأرقام وحدها لا تعكس حجم الأزمة. فالتحدي الأكبر، كما يقول نشطاء وممثلون عن مؤسسات مجتمعية، يكمن في غياب الثقة بين مجتمعات الأقليات والنظام الصحي التي تُعد من أكثر الفئات حاجة وأهمية في سجل المتبرعين.

تقول المسؤولة في "صندوق سرطان الدم الكاريبي الأفريقي" (ACLT)، ميليسيا هارفي، لـ "العربي الجديد"، إن "أحد أبرز التحديات هو نقص الوعي بالحاجة الماسة إلى دم مطابق، ولا سيما لدى الأشخاص المصابين بفقر الدم المنجلي الذي يؤثر بشكل غير متناسب على الأفراد المتحدرين من أصول أفريقية وكاريبية". تضيف أن "هناك أيضاً حالة من انعدام الثقة في أنظمة الرعاية الصحية لدى بعض الأقليات، وهي ثقة تضررت بفعل عدم المساواة التاريخية والتجارب المعيشية التي لم تُنسَ. علاوة على ذلك، تُساهم المفاهيم الخاطئة حول عملية التبرع ومعايير الأهلية وغياب التمثيل في حملات التبرع الرسمية، في تثبيط المشاركة المجتمعية".

تضيف هارفي: "نعمل على كسر هذه الحواجز من خلال التواصل المباشر مع المجتمعات على مستوى القاعدة الشعبية، ومشاركة القصص الواقعية، وخلق مساحات آمنة ومراعية للثقافات. وتُعد مبادرة قطرة دم واحدة التي نُطلقها بالشراكة مع مركز بريكستون للتبرع بالدم مثالاً رائعاً على ذلك. ففي آخر سبت من كل شهر، نجمع أفراد المجتمع في بيئة مألوفة لتسليط الضوء على أهمية تبرع واحد بقطرة دم واحدة لإنقاذ حياة. الأمر لا يتعلق فقط بالوعي، بل أيضاً بالتمثيل وخلق لحظات لها صدى شخصي وثقافي".

تتابع هارفي: "النجاح الحقيقي في العمل المجتمعي يتحقق حين يكون قائماً على الشراكة الحقيقية والاحترام والمسؤولية المشتركة. يمكن لهيئة الخدمات الصحية الوطنية والمنظمات الأخرى تقديم دعم أفضل من خلال الاستثمار في شراكات طويلة الأمد مع جهات مجتمعية موثوقة، مثل صندوق سرطان الدم الكاريبي الأفريقي، الذي يتمتع بعلاقات راسخة ومصداقية داخل المجتمعات التي يخدمها. ويشمل ذلك توفير الموارد، وتوسيع نطاق مبادراتنا، وضمان أن تعكس الرسائل الرسمية واقع الجمهور المستهدف وتنوعه".

انعدام الثقة يحد من عدد المتبرعين بالدم، لندن، 29 يوليو 2024 (كارل كورت/Getty)
انعدام الثقة يحد من عدد المتبرعين بالدم، لندن، 29 يوليو 2024 (كارل كورت/Getty)

من جهته، يقول متحدث باسم "مؤسسة أنتوني نولان"، التي تُعنى بالتبرع بالخلايا الجذعية، لم يكشف عن اسمه، لـ "العربي الجديد": "من الضروري استقطاب المزيد من الأشخاص من خلفيات عرقية أقلية إلى سجل الخلايا الجذعية، للمساعدة في منح الأشخاص ذوي أنواع الأنسجة النادرة أفضل فرصة للعثور على تطابق. لهذا السبب، نركز حملاتنا على الفئة العمرية ما بين 16 و30 عاماً، ونعمل على توسيع نطاق المتبرعين العالميين المحتملين".

ويوضح أن جهود المؤسسة تشمل العمل في الجامعات ذات التركيبة الطلابية المتنوعة، بالشراكة مع جمعيات الطلاب من أصول أفريقية (AbSocs)، والمنتدى الوطني للجمعيات الهندوسية (NHSF)، والجمعيات الإسلامية (ISocs) وغيرها. يضاف إلى ما سبق التعاون مع المرضى وعائلاتهم في مجتمعات ذات كثافة سكانية عالية من الأقليات، بما في ذلك المساجد والمراكز الإسلامية. ويشير إلى أنّهم ينفذون حملات استباقية في المدارس والكليات والمناطق ذات التمثيل العالي للأشخاص من أصول آسيوية.

يضيف المتحدث: "يساعدنا برنامج الشراكات المجتمعية في فهم العوائق التي تواجه مجتمعات بعينها، وبناء الثقة من خلال تواصل صادق وواقعي. شركاؤنا هم خبراء في البرامج التي يقدمونها، والجمهور الذي يخاطبونه". وتؤكد المؤسسة على أنها تعمل فقط مع المتبرعين بالخلايا الجذعية، ومن ثم لم تتأثر بالنقص الحالي للمتبرعين بالدم.

وعلى النقيض من الأزمة البريطانية، تظهر تجارب أوروبية أن استقرار إمدادات الدم مسألة يمكن التعامل معها رغم التحديات. ففي فرنسا، تُنظم وكالة الدم الوطنية (EFS) حملات منتظمة من دون الحاجة إلى مواعيد مسبقة، تغطي المدن والمناطق الريفية على حد سواء. أما ألمانيا، فتطبق معياراً دقيقاً لقياس كفاءة الحملات، وتستهدف فئة الشباب في المدارس والجامعات من خلال حملات توعوية مبكرة.

وأطلقت كندا عام 2025 مبادرة رائدة عبر مؤسسة "خدمات الدم الكندية"، شملت إشراك قيادات مجتمعية من أصول أفريقية وكاريبية وتعيين موظفين يمثلون التنوع الثقافي وتعديل سياسات الأهلية، وتنفيذ حملات مؤثرة مثل "من ينقذ من" التي لاقت تفاعلاً واسعاً لدى الأقليات.

ويبدو أنّ الأزمة في بريطانيا تكشف عن حاجة مُلحة إلى تغيير مزدوج: إصلاح مؤسساتي يضمن الكفاءة والعدالة في التوزيع، وتواصل مجتمعي يضع الثقة والتمثيل في قلب الحملات الرسمية. كما يمكن أن تمثل التجارب الأوروبية في التنظيم والتجربة الكندية في بناء الشراكات القائمة على الاحترام الثقافي، حلولاً للأزمة.

المساهمون