استمع إلى الملخص
- يعبر الأطفال وأولياء الأمور عن قلقهم من الوضع الحالي، حيث يواجه الأهالي صعوبة في نقل أبنائهم إلى مدارس بديلة بسبب عدم توفر شواغر وإغلاق المدارس الخاصة.
- يطالب الأهالي بإيجاد حلول عاجلة لإعادة فتح المدارس وإيجاد بدائل لإيواء النازحين، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نحو 2.4 مليون طفل سوري خارج مقاعد الدراسة.
ليس التعليم أولوية في مناطق شمال شرقي سورية الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية"، فالدوام في مدارس كثيرة معطّل منذ سنوات، وبعضها تحوّلت إلى مراكز لإيواء النازحين، أو استُخدمت لأغراض أخرى غير التعليم، ما حرم أطفالاً كثيرين هذا الحق الأساسي، وبالتالي يهدد بضياع جيل كامل في المنطقة التي تعاني أيضاً من واقع سيئ على مستويات معيشية وبيئية.
واللافت أن أطفالاً كثيرين يتطلعون إلى العودة إلى مدارسهم، خصوصاً أن بعض زملائهم يواصلون تعليمهم في مدارس خاصة. تقول الطفلة تريفا حسن لـ"العربي الجديد": "أنظر كل صباح إلى زميلاتي وزملائي في طريقهم إلى المدرسة، وأترقب أن أرافقهم يوماً. إنهم محظوظون لأن مدارسهم لم تُغلق بخلاف مدرستي التي يسكن فيها نازحون، ولا تتوافر مدرسة بديلة لي ولطلاب آخرين، ما يجعلنا بلا تعليم".
تبلغ تريفا 10 سنوات، ولا تدرك تماماً ما يحدث من حولها، بينما يشعر والداها بخوف كبير على مستقبلها. تقول الوالدة نايا لـ"العربي الجديد": "حاولنا نقلها إلى مدرسة أخرى، لكن جهودنا كانت من دون جدوى، لأننا لم نحصل على موافقة من هيئة التربية التي بررت قرارها بعدم توافر شواغر أو مقاعد دراسية بسبب الأعداد الكبيرة للطلاب".
ولا يقتصر سوء الواقع التعليمي على عدم وجود مدارس، بل يمتد إلى قرارات تراكمية انتهجتها "الإدارة الذاتية" خلال السنوات الماضية بالتزامن مع قلة عدد المدارس. يقول المدرس جميل الإبراهيم المتحدر من مدينة القامشلي لـ"العربي الجديد": "هناك إهمال للقطاع التربوي والتعليمي منذ بداية الأزمة، ولم تُحترم حرمة المدارس التي استخدمت لأغراض عسكرية، ولا يزال بعضها في المدن والأرياف والبلدات والنواحي مشغولاً حتى الآن من جهات عسكرية، وتُمارس فيه أعمال عسكرية وأمنية".
يتابع الإبراهيم: "لم تلتفت الإدارة الذاتية قَطّ إلى أوضاع التلاميذ، واستمرت في اتباع السياسة نفسها من دون تغيير، وكذلك ضيّقت على المدارس الخاصة التي كانت بمثابة بديل متاح، وأصدرت قرارات متكررة بإغلاقها. طبعاً استُثنيت المدارس الخاصة التابعة للكنائس وللإدارة الذاتية نفسها، بينما أغلقت معظم المدارس الحكومية التي تُدرّس المنهاج الرسمي، ولا تزال هذه السياسة قائمة، والمدارس القليلة التي كانت لا تزال تُدرّس المناهج الحكومية الرسمية، تحولت إلى مراكز إيواء أُسكِن فيها نازحون ومهجّرون من مناطق ريف حلب وعفرين ورأس العين، رغم وجود بدائل لنقلهم إلى منازل أو مخيمات أو مراكز إيواء بعيدة عن مقار القطاع التعليمي".
وتعكس الأرقام الكبيرة للأطفال المتسربين حجم الأزمة، إذ تقدّر منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أن نحو 2,4 مليون طفل سوري تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة خارج مقاعد الدراسة، ما يعادل نحو نصف عدد الأطفال في سن الدراسة البالغ 5,5 ملايين في عموم سورية.
ويقول رزان إبراهيم (35 سنة)، من مدينة القامشلي لـ"العربي الجديد": "أعمل مع زوجتي في مهن متعبة، وأؤدي شخصياً دواماً إضافياً خارج عملي كمهندس زراعي، بينما تعمل زوجتي مدرّسة، لكنها بسبب توقف المدارس تعطي دروساً خصوصية. نفعل كل ذلك في سبيل تعليم ولدينا فيصل ومحمد بطريقة جيدة لضمان مستقبلهما، لكن إغلاق المدارس أو استخدامها مراكز إيواء حرم الطفلين من الذهاب إلى المدرسة، وهما في المرحلة الابتدائية، تحديداً في الصفين الرابع والسادس".
ويوضح إبراهيم: "هذا الأمر يشكّل هاجساً كبيراً بالنسبة إليّ وإلى زوجتي، إذ لا نملك القدرة على إرسال طفلينا إلى المدارس الخاصة التابعة للكنيسة، كونها مكتظّة بالطلاب، ولم تعد تضم شواغر، ولا تقبل إلا من هم مقرّبون من السلطات. حاولنا إرسال طفلينا إلى مدارس خاصة تابعة لأهالي، لكن الإدارة أغلقتها أيضاً، فلم نهد نملك سوى خيار إرسالهما إلى المدارس الرسمية القليلة المتبقية في مركز مدينة القامشلي، لكننا فوجئنا أخيراً بإغلاق مدرسة طفلينا بحجة إسكان نازحين".
ويناشد إبراهيم السلطات المعنية وهيئة التربية في "الإدارة الذاتية" إفساح المجال أمام متابعة الأطفال لدراستهم، وإيجاد حلول أخرى لإيواء النازحين، ويقول: "نرحب بأهلنا النازحين، لكن هناك أماكن أخرى لإسكانهم غير المدارس التي تحتضن العملية التربوية. مثلًا هناك مدارس تابعة للإدارة الذاتية تضم عدداً قليلاً من الطلاب، ويمكن دمج مدرستين، لأن طلاباً قليلين يدرسون مناهج الإدارة الذاتية، ويمكن إسكان النازحين في مراكز إيواء أخرى، أو إنشاء مخيمات مخصصة لهم بعيداً عن المدارس كي يتمكن التلاميذ من مواصلة التعلم".
بدوره، يقول جاسم المحمد، المتحدر من ريف مدينة الطبقة لـ"العربي الجديد": "هناك استياء واسع لدى أهالي المنطقة من ضياع العام الدراسي الحالي على أطفال كثيرين نتيجة التعامل غير المناسب مع المدارس، وتحويل بعضها إلى مراكز إيواء للنازحين، ما يحرم الطلاب حقهم الأساسي في التعلم".
يتابع: "هذا استهتار بمستقبل الأطفال، خصوصاً في ظل غياب أي حلول جذرية لأزمة التعليم التي تمر بها المنطقة حالياً. لا تزال مدارس عدة مشغولة بالنازحين من عفرين، رغم أنهم يستطيعون العودة إلى مناطقهم، واستمرار هذا الوضع يتطلب تدخلاً عاجلاً من الحكومة السورية، إذ يجب أن يلتحق الأطفال بمقاعد الدراسة في أقرب وقت. طفلي في الصف السادس، وهو منقطع عن التعليم لأن مدرسته يشغلها نازحون".