أرقام رسمية... 9 من كل 10 جرائم بلا متهم في بريطانيا

24 يناير 2025
معدلات التعامل مع الجرائم متدنية في بريطانيا، 8 يناير 2025 (ليون نيال/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تكشف البيانات الرسمية في بريطانيا عن فشل الشرطة في حل معظم الجرائم في المناطق ذات معدلات الجريمة المرتفعة، حيث لم تُحل سوى 11% من قضايا العنف والجرائم الجنسية، مما يؤدي إلى فقدان الثقة بين الضحايا.
- يروي الضحايا قصصاً تعكس الإهمال من قبل الشرطة، مثل حالة ويليام الذي لم تتخذ الشرطة أي إجراء بشأن اعتدائه، مما يثير تساؤلات حول توازن أولويات الشرطة.
- تعترف السلطات بوجود تفاوت في أداء الشرطة، حيث دعا رئيس الشرطة إلى إصلاح شامل، وتعهدت وزيرة الداخلية بمعالجة "يانصيب الرمز البريدي" في العدالة.

يُظهر تحليل البيانات البريطانية الرسمية أن أقل من قضية واحدة من كل عشر قضايا حُلَّت في أكثر من 600 حي تعاني من معدلات مرتفعة من الجرائم، خصوصاً في بريطانيا

تكشف الأرقام الرسمية واقعاً صادماً حول بؤر الجريمة الساخنة في بريطانيا، حيث فشلت الشرطة في إنهاء ما يقرب من تسع من كل عشر جرائم خلال العام الماضي، وتُشير البيانات الحكومية إلى أن 89% من هذه الجرائم وقعت في إنكلترا وويلز، وانتهت من دون تحديد هوية المشتبه فيهم أو توجيه اتهامات، في ظل إخفاقات تفاقمت بفعل تخفيض الميزانية. ما دفع العديد من الضحايا إلى الانسحاب من التحقيقات لفقدانهم الثقة بقدرة النظام القضائي على تحقيق العدالة.
وبحسب تقرير لصحيفة ذا غارديان، نُشر في 13 يناير/ كانون الثاني، وصفت وزيرة الحماية والعنف ضد النساء والفتيات، جيس فيليبس، هذه الإحصاءات بأنها "غير مقبولة"، مؤكدة أن النظام "يخذل المزيد والمزيد من الضحايا. فقط 11% من قضايا العنف والجرائم الجنسية تم حلها خلال العام الماضي، مقارنة بـ22% قبل سبع سنوات، في تراجع يثير القلق".
وينعكس هذا الواقع المقلق على قصص ضحايا شعروا بالإهمال من قبل الشرطة، ومنهم الأربعيني ويليام، والذي تحدّث إلى "العربي الجديد" عن تجربته الشخصية التي عزّزت قناعته بأن الشرطة تتغاضى عن العديد من الجرائم.

يقيم ويليام في لندن، وخلال العام الماضي، كان يحتفل مع زملائه في العمل بمناسبة خاصة في أحد المطاعم. يقول: "كنت جالساً إلى الطاولة حين لاحظت مجموعة من الشباب يراقبونني، ويتبادلون تلميحات ساخرة، وكلمات تحمل تنمراً. لم أعرهم اهتماماً في البداية، لكنهم استمروا إلى أن فقدت صبري، ورددت على أحدهم معتقداً أن الأمر انتهى، لكنني كنت مخطئاً. بعد لحظات، اقترب مني صاحب المطعم ليبلغني أن الشباب يرغبون في الحديث معه على انفراد في الخارج، وأنهم يريدون تسوية الأمور بشكل وديّ. صدقت كلامه وخرجت إلى الباحة الخلفية للمطعم، لأفاجأ بهم ينتظرونني هناك. تقدم أحدهم ليواجهني بما قلته، فحاولت توضيح الأمور، لكنه لم يمهلني الفرصة. فجأة، انهالت عليّ باللكمات والركلات من كل جانب، وسقطت أرضاً والدماء تغطي وجهي".
خرج زملاء ويليام على عجل ليجدوه ممدداً على الأرض، ومصاباً بجروح في الرأس وكدمات في الوجه، وبينما كان يحاول استجماع قواه، نظر حوله فرأى كاميرات المراقبة مثبتة في المكان، وهو ما أشعره بالارتياح. يتابع: "اتصلت بالشرطة وشرحت لهم ما حدث. طلبوا مني الانتظار حتى يصلوا. انتظرت لفترة، ثم أعدت الاتصال بهم، لكنهم لم يأتوا".

انتقادات كبيرة للشرطة البريطانية. 11 يناير 2025 (أندرو إيتشيسون/Getty)
انتقادات كبيرة للشرطة البريطانية، 11 يناير 2025 (أندرو إيتشيسون/Getty)

عاد ويليام إلى الداخل وطلب من صاحب المطعم الحفاظ على تسجيلات الكاميرات كدليل لتقديمه إلى الشرطة. لكن الصدمة كانت عندما أخبره الرجل أن الكاميرات معطّلة. رغم ذلك، لم يستسلم ويليام، فتوجّه إلى أقرب مركز للشرطة لتقديم بلاغ، وقدم الزملاء شهاداتهم، وانتظر الرد. لكن بعد أيام جاءه الرد: "الملف أُغلق لعدم كفاية الأدلة".
يضيف: "تعرضت لإصابات في الرأس، وكدمات في الوجه، كنت على حافة الخطر، ورغم ذلك لم تفعل الشرطة شيئاً. شعرت بأنني تُركت وحيداً في مواجهة نظام يخذل ضحاياه".
من جهتها، تروي بولا، التي فضّلت استخدام اسمها الأول فقط، تجربتين مختلفتين مع الشرطة، تعكسان تناقضاً صارخاً في استجابتها للقضايا. تقول: "اتصلت بالشرطة ذات مرة لأبلغ عن عنف زوجي تجاهي، لكني شعرت بالندم بعد دقائق، وقررت أن أتراجع. بعدها فوجئت بصوت سيارات الشرطة تحيط بالمنزل، وقد دخلوا من دون تردد، متجاهلين محاولاتي لشرح أنني اتصلت في لحظة غضب. اعتقلوا زوجي فوراً من دون أن يتيحوا لي فرصة للتراجع أو التوضيح".
في موقف آخر، تقول بولا إنها كانت تعيش مع طفلها في منزل بمدينة برمنغهام عندما بدأت مجموعة من المراهقين المشاغبين رجم النوافذ بالحجارة. تتابع: "كنت خائفة، فاتصلت بالشرطة وأبلغتهم بما يحدث. انتظرت طويلاً، لكنهم لم يأتوا. استمر المتنمرون لساعات قبل أن يرحلوا. وصلت الشرطة في المساء، وكتبت تقريرها ثم غادرت من دون أن تتخذ أي إجراء".

تضيف بولا: "شعرت بعد هذين الموقفين بتناقض كبير في تعامل الشرطة مع القضايا. يبدو أنهم يهرعون بسرعة عندما يتعلق الأمر بعنف الزوج تجاه زوجته، لكنهم يتجاهلون الحالات التي يأتي فيها العنف من غرباء. بدأت أتساءل عن مدى توازن أولوياتهم، وعن المعايير التي تحكم استجابتهم".
وتسلط البيانات الحكومية الضوء على فجوات واضحة في أداء الشرطة، إذ أظهرت قوات الشرطة في المناطق الحضرية معدلات أقل بكثير في حل الجرائم مقارنة بنظيراتها في المناطق الأصغر.
في السياق، يقرّ رئيس الشرطة البريطانية، جافين ستيفنز، بوجود "تفاوت كبير" في أداء الشرطة بين المناطق، داعياً إلى إصلاح شامل. في حين تعهدت وزيرة الداخلية، إيفيت كوبر، بمعالجة ما وصفته بـ"يانصيب الرمز البريدي" في العدالة، معلنة عن خطة لإنشاء هيئة متخصصة لتحديث الخدمات، تشمل استخدام الطائرات بدون طيار. ومن المنتظر أن تكشف الحكومة قريباً عن تفاصيل إضافية لهذه الخطة.