أحياء حمص المدمّرة... تعب العمر كله أمسى خراباً

15 ابريل 2025
أكوام الأنقاض شاهدة على الخراب في حمص، 19 سبتمبر 2016 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعرضت مدينة حمص لدمار واسع خلال الحرب، مما أدى إلى تشريد السكان وتضرر البنى التحتية والمباني السكنية، مع صعوبة إعادة البناء بسبب الأعباء المالية.
- تشير التقديرات إلى تدمير 13 من أصل 36 حياً بالكامل، مما أثر على حوالي 180 ألف مسكن، وتعمل السلطات مع منظمات دولية على خطط إعادة الإعمار رغم التحديات الاقتصادية.
- يعبر السكان العائدون عن صدمتهم من حجم الدمار، لكن الأمل في إعادة إعمار المدينة واستعادة الاستقرار لا يزال قائماً.

تعرضت أحياء كثيرة في مدينة حمص وسط سورية لأضرار بالغة خلال سنوات الحرب. وشملت هذه الأضرار البنى التحتية ومبانيَ يملكها مدنيون تحوّلت إلى أكوام ركام لا يستطيعون وحدهم التعامل معها، وإزالتها من أجل إعادة الإعمار أو الترميم كي يتوفر مأوى لهم حتى بأدنى المواصفات، علماً أن كثيرين منهم كانوا يقيمون في مخيمات أو مراكز إيواء في شمال سورية.
يقول الستيني محمد محسن الذي دمّر القصف منزله في حي السبيل بحمص، لـ"العربي الجديد": "رأيت أنقاض منزلي، ولا أرغب في العودة في الوقت الحالي، ولا أنظر بتفاؤل إلى الأيام المقبلة. حتى إذا أزيل الركام بالكامل فلن أستطيع العودة، إذ لا أملك القدرة على بناء منزل جديد أو حتى غرفتين للإقامة فيهما. تحوّل تعب العمر كله إلى خراب".
يتابع: "فقدت ابني الكبير في بداية الثورة، وكلمات المواساة بلا نفع في ظل الظروف الراهنة. قد أجد بيتاً أستأجره في الفترة المقبلة، لكن بقائي أفضل في المخيم شمالي سورية من تحمّل قهر مشاهدة بيتي المنهار".
وأما أحمد العبد العزيز (44 سنة) الذي عاد من الأردن إلى حمص أخيراً، فـ"لا حياة في المدينة" كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "تشهد أكوام الأنقاض على خراب تتطلب إزالته سنوات من العمل". ويعتقد أحمد بأن بعض السكان يملكون القدرة على إعادة بناء منازلهم، لكن الأعباء كبيرة جداً، ولن يستطيع الجميع البناء.

13 من أصل 36 حياً دمّرت بالكامل في حمص بمساحة 4500 هكتار

وفيما تصبح حمص، خصوصاً حي الوعر، في الليل مدينة أشباح مع انقطاع الكهرباء التي تتوفر في العادة لمدة ساعة واحدة كل خمس ساعات، يقول أحمد: "ليست الأضرار في بيتي كبيرة، لكنني أقيم حالياً في بيت العائلة كحل مؤقت في انتظار معرفة ما ستحمله الأيام القادمة، وإذا كانت ستنفذ أعمال لإعادة البناء. دُمِّرت أحياء بالكامل في حمص والناس متعبة، وكثيرون لن يستطيعوا ترميم منازلهم".
ويوضح مسؤول في المكتب الصحافي لمحافظة حمص، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "إجمالي كمية أنقاض المباني والشوارع المدمّرة تقدّر بنحو 1.5 مليون طن، علماً أن الطن الواحد يعادل نحو 2.5 متر مكعب، ما يجعل إجمالي كمية الأنقاض نحو 3.7 ملايين متر مكعب. ووضعت هذه التقديرات لجان حددت الأضرار بين عامي 2014 و2016". 
وشهدت مدينة حمص دماراً كبيراً جداً كانت نسبته 90% في بعض الأحياء، علماً أن 13 من أصل 36 حياً دمّرت بالكامل، بمساحة تقدر بنحو 4500 هكتار، وبمعدل 40 مسكناً في الهكتار الواحد. ويقدر عدد المساكن المتضررة في هذه الأحياء بنحو 180 ألفاً، منها 35 ألفاً بالكامل.

لا يملك كثيرون من سكان حمص القدرة على بناء منازل جديدة، 16 ديسمبر 2024 (عارف وتاد/ فرانس برس)
لا يملك غالبية سكان حمص بناء منازل جديدة، 16 ديسمبر 2024 (عارف وتاد/فرانس برس)

ويقول المسؤول: "ندرك أن إعادة إعمار كل ما دُمِّر تحتاج إلى وقت وبرامج عمل، وقد بدأنا بها فعلاً وبوضع تصورات لخطة إعادة البناء، ونعمل حالياً على مسارين متوازيين، الأول وضع خطط ورؤى ودراسات لإعادة إعمار المناطق المدمرة من خلال ورش عمل ومسابقات ستُجرى في الفترة القادمة بهدف إيجاد هوية بصرية موحدة، ووضع رؤى متكاملة لعملية إعادة الإعمار. أما المسار الثاني فيشمل تأهيل البنى التحتية في ظل العودة الملحوظة لأهالي حمص بعد التحرير، وتشجيعهم على المشاركة في إعادة الإعمار وترميم ما تهدم".
ويؤكد المسؤول أن المحافظة تسعى بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة إلى وضع مزيد من البرامج في حمص، وتنفيذ مشاريع خدماتية لإعادة جزء من البنى التحتية إلى الأحياء المدمرة.
بدورها تتحدث إيمان علي التي كانت نازحة في الشمال السوري وعادت قبل فترة إلى مدينة حمص بعدما غادرتها عام 2012، لـ"العربي الجديد"، عن أن "الدمار لا يُوصف في حي بابا عمرو القريب من جامعة حمص. كان الوضع أفضل في آخر مرة وُجدت فيها في الجامعة بداية عام 2012. كانت دبابات جيش نظام الأسد تتمركز من جهة دوار جورة العرائس قرب كلية الطب، وكنا نسمع خلال المحاضرات حينها في الجامعة طلقات متفرقة وأحياناً قصف الحي، لكنني صُدمت من حجم الدمار الذي رأيته. أعان الله سكان الحي المسحوق".

ويقول المتطوع في الدفاع المدني السوري رائد العبيد، عن الدمار في مدينة حمص لـ"العربي الجديد": "مرّ علينا شهر رمضان في مدينتي حمص بعد سنوات من التهجير والخلاص من نظام الأسد المجرم، وقد عدت بغصة كبيرة لأن بيتي مدمّر ويصعب أن أسكن فيه. كنت أتمنى العودة لكن في وضع مختلف كي أستطيع الاجتماع مع أهلي وعائلتي على مائدة الإفطار، لكن عصابات الأسد وحلفاءها دمّروا مدننا وبلداتنا ومنازلنا".
يتابع: "نسف نظام الأسد وعصاباته أحلام السوريين في المسكن والأمان، ورغم ذلك يبقى الأمل بإمكان إعمار كل ما دُمّر وخُرّب في المستقبل". 
يشار إلى أن الأحياء الأشد تضرراً في مدينة حمص، هي بابا عمرو، الخالدية، جورة الشياح، القصور، البياضة، دير بعلبة، جب الجندلي، كرم شمشم، بينما حجم الدمار أقل في باقي الأحياء.

المساهمون