أجواء عيد الفطر في الجزائر... أباً عن جدّ

01 ابريل 2025   |  آخر تحديث: 07:56 (توقيت القدس)
طقوس مميّزة في عيد الفطر بالجزائر، 2 مايو 2022 (مصعب الرويبي/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعكس عيد الفطر في الجزائر تراثًا ثقافيًا غنيًا، حيث يتم التحضير له بتنظيف المنازل وشراء ملابس جديدة وإعداد الحلويات التقليدية، مما يعكس التمسك بالعادات رغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

- يُعزز العيد الروابط الاجتماعية والعائلية من خلال زيارات الأهل والجيران وتبادل التهاني والحلويات، وتُمارس عادات مثل "حق الملح"، رغم تلاشي بعضها مع الزمن.

- تلعب المساجد دورًا محوريًا في الاحتفالات، حيث تُنظف وتُزين لصلاة العيد، ويشارك الأطفال بملابس جديدة، مما يعزز التلاحم الاجتماعي وينقل الذكريات بين الأجيال.

يعكس الاحتفال بعيد الفطر الموروث الثقافي الشعبي في الجزائر، ومحاولة الإبقاء على عادات تناقلتها الأسر أباً عن جدّ، وهو من المناسبات الدينية التي تحمل طابعاً خاصاً في قلوب الجزائريين 

حرص الجزائريون على التحضير لاستقبال عيد الفطر في الأيام الأخيرة من شهر رمضان ضمن تقاليد وطقُوس مُميزة. وظهر ذلك في الأسواق والمحلات التي تبيع الملابس والحلويات، وأيضاً في تجهيز المساجد لصلاة العيد، كما نشطت جهود الجمعيات الأهلية في الجزائر لدعم العائلات الفقيرة عبر منح أطفالها ملابس العيد لإدخال البهجة والسرور إلى قلوبهم.
وأبرز ما يفعله الجزائريون في عيد الفطر زيارة الأهل والتغافر مع الجيران، وهم ينتقلون بعد انتهاء صلاة العيد لمعايدة أهاليهم، كما ينفذون أنشطة أخرى لزيارة المرضى في المستشفيات، إضافة إلى أنّ الحدائق والمنتزهات تفتح أبوابها في يوم العيد، فتفضّل العائلات الذهاب إليها كي يستطيع أطفالها الاستمتاع بالألعاب.
تُطلق في الجزائر تسمية "العيد الصغير" على عيد الفطر، في حين أن "العيد الكبير" هو الأضحى، ما يعكس خصوصية العيدين، وتعرف البيوت الجزائرية قبل العيد حالة من الحركة والنشاط، وتنفذ عملية كبيرة لتنظيف الغرف وتزيينها، ويستغل البعض المناسبة لطلاء المنزل من أجل إضفاء لمسات تجديد خاصة بالمناسبة. 
وإلى جانب تنظيف البيوت وتزيينها بأبهى الأفرشة، تظل عملية اقتناء طقم جديد لغرفة استقبال الضيوف الهاجس الأكبر لدى النساء، بحسب ما تخبر شافية بن حمودة (51 عاماً) "العربي الجديد"، وتقول: "الجديد حبُّو والقديم لا تفرّط فيه، مثل شعبي جزائري يُقال عند البحث عن تجديد شيء في البيت في مناسبة العيد، إذ تشتري النساء أغطية أو أفرشة أو ستائر جديدة كي تُضفي لمسة تجديد على الفضاء العائلي، واستعداداً لاستقبال الضيوف والترحيب بهم بأجمل مظهر خلال المناسبة السعيدة".
تُضيف: "اقتنيتُ طقماً جديداً لأواني صينية العيد من فناجين وإبريق وغيرها من اللوازم التي أعدّ بها مائدة صباح العيد. قديماً كان العيد عنواناً للفرح في الأيام الأخيرة من رمضان، ويتجلى ذلك من خلال الاستعدادات الحثيثة لتحضير الحلويات التقليدية التي تجمع النساء خصوصاً من الجيران، ثم يجري اقتسام العمل بينهنّ في جوّ يسوده الفرح، وأيضاً البدء في شِراء ملابس الأطفال وتخضيب الحنّاء"، وتتحسّر شافية على خفوت هذه العادات وتلاشيها لأسباب اجتماعية واقتصادية أيضاً، أهمها التفكّك الذي عرفته العائلة المُمتدّة من الجدّ والجدّة، إلى عائلة تتشكّل من الزوجين والأولاد فحسب.

وتحضر النساء مكونات الحلويات التقليدية قبل أسبوعين أو ثلاثة، لكن بعضهنّ يلجأن إلى شراء التوابل الجاهزة، لتفادي عناء تحضيرها بالطرق التقليدية. وهذا التوجه يرجع إلى ضغوط الظروف اليومية، فالمرأة العاملة تنتظر أي فرصة للراحة، رغم أن التحضيرات التي اعتادت عليها الجدات في الماضي كانت ذات طعم خاص وتعطي للشهر الفضيل تميّزاً عن بقية الأشهر، كما أن الأجيال الجديدة باتت أقل حماسة للقيام بهذه العادات بسبب التطورات الاجتماعية.
ومن أهم الحلويات المُدرجة في العادات الجزائرية خلال أيام العيد حلوى الطابع التي تجهّز من مكونات بسيطة تتضمن الطحين والزبدة وتقدم بأشكال هندسية مختلفة، كما يحتلّ "مقروط المقلاة" أو "مقرود الكوشة" المرتبة الثانية في قائمة الحلويات التي تعدها النساء في البيوت، وذلك باستخدام الدقيق وعجينة التمر التي تُغمر بالعسل، إضافة إلى "البقلاوة" التي تعدّ عروس العيد في الجزائر رغم أن كلفتها باهظة.
وفي العادة يهدف شراء ملابس خاصة للأطفال إلى إضفاء البهجة في قلوبهم، لكن الأسر اصطدمت حالياً بارتفاع الأسعار، خصوصاً في الأيام الأخيرة من شهر رمضان. ويذكر النوري بلعمراني (42 عاماً) من منطقة عزابة بولاية ميلة، أنّه يحنّ إلى أجواء العيد في الزمن الجميل حين كان يغنّي برفقة أصدقائه أغنية "غدوا العيد التحفيفة والقش جديد"، أي أن استقبال العيد يكون بحلق الرأس وارتداء اللباس الجديد الأنيق. وهذه الأغنية باتت مُجرّد ذكرى إذ لم يعد الأطفال يرددونها، كما تجاوزوا حالة الانبهار باللباس الجديد"، ويقول: "كنت أدق مع رفاقي أبواب الجيران كي نسلم على أهلها في صباح العيد، وكانت الأسر تجُود علينا ببعض الدنانير والحلوى. اليوم هناك غلاء في أسعار ملابس العيد، لكن طفلي أكرم البالغ 14 عاماً يعتبر أن أكثر ما يفضّله في العيد هو ارتداء الملابس الجديدة، وتلقي العيدية (نقود العيد)".

هناك غلاء في أسعار ملابس العيد حالياً، 21 نوفمبر 2023 (الأناضول)
هناك غلاء في أسعار ملابس العيد حالياً، 21 نوفمبر 2023 (الأناضول)

ومن العادات التي بدأت تختفي تدريجياً في العيد ما يُسمى بـ"حق الملح" الذي يقدم فيه الزوج هدية ثمينة لزوجته بعد صلاة عيد الفطر تعبيراً عن تقديره لتعبها خلال شهر رمضان. واليوم يتجاوز الرجل القطعة الذهبية التي يضعها لها في فنجان القهوة الصباحية إلى هدايا أخرى مثل اللباس أو الأحذية عرفاناً منه لزوجته عن تعبها طوال أيام الصيام. ومن بين عادات صباح العيد أيضاً أنّ تناول الفطور يحصل بعد صلاة العيد وعودة الوالد والأولاد من المسجد، ويجري غالباً إعداد صينية القهوة والحليب والزبدة والحلويات التقليدية، كما لا تزال بعض العائلات تُمارس عادة إشراك الجيران في تذوق حلويات العيد من خلال تبادُل صحون الحلويات كهدايا العيد ما يعكس صورة التضامن والمحبة بينهم.
وللمساجد نصيب كبير عشية العيد وخلاله في الجزائر، إذ يقول حمية محمد (23 عاماً)، الذي يقيم في قرية صغيرة قرب العفرون غرب الجزائر، إنّه عشية العيد "تنجز عملية تنظيف وتجديد للزرابي وتُزيّن، ويتطوع أفراد من لجان الأحياء والجمعيات الخيرية لتنفيذ هذه العملية بعد ليلة القدر المباركة في جو من التضامن والتكافل في مسجد القرية، وفي الغالب يجتمع الرجال بعد أداء صلاة العيد مباشرة في الحي، ويتبادلون التهاني وهم يرتدون أقمصة الصلاة، بينما يغلب على الأجواء فرحة الأطفال بملابسهم الجديدة وهم يجوبون الشوارع بالألعاب والمفرقعات. وتفضّل الكثير من العائلات في صباح العيد وبعد الصلاة مباشرة زيارة المقابر، وهذه العادة باتت تتلاشى أيضاً لكن كثيرين يرون أنها عادة جيدة في هذه الأيام المباركة".

من أجواء العيد، 17 اكتوبر 2017 (بشير رمزي/ الأناضول)
من أجواء العيد، 17 اكتوبر 2017 (بشير رمزي/ الأناضول)

ولا تقتصر الاحتفالات على الأطفال بل تتعداها إلى النساء والرجال، ويرتدي أهل البيت غالباً ألبسة جديدة، خصوصاً النساء اللواتي يتزيّنَّ أيضاً بأطقم من الحلي.
وبعد 30 يوماً من الصيام يتوج العيد بطهي طبق تقليدي في غذاء اليوم الأول من المناسبة، ويكون غالباً "كسكسي باللحم" أو طبق "الرّشتة" الذي ينتشر في ولايات عدة، أو طبق" الشخشوخة" الذي تختصّ به مناطق شرق الجزائر.

ورغم اختفاء بعض العادات لأسباب اجتماعية، منها انتشار العائلة الكبرى، تظل التقاليد التي يتبعها الناس في مناسباتهم الدينية والاجتماعية مصدراً للاحتفال والاعتزاز بحسب ما تقول الباحثة في علم الاجتماع والنفس نوال مكيد لـ"العربي الجديد". تضيف: "رغم أن هذه العادات تطوّرت مع الزمن واختفت بعضها في ظل محاولة إعادة بعثها بمختلف الأشكال، فهي تظلّ تعبر عن الاحترام المتبادل والروابط العائلية المتينة. وهي ليست مجرد طقوس، بل تجسّد قيم تقدير هذه المناسبة والمحبة بين أفراد المجتمع، كما تساهم في تعزيز التلاحم الاجتماعي ونقل الذكريات الجميلة من جيل إلى جيل. إنها تخلق حالة نفسية إيجابية، وترفع المناعة النفسية للفرد، وتساهم في تعزيز شعوره بالسعادة والطمأنينة في حياته اليومية".

المساهمون