أب سوري يتخلى عن طفلتيه لعدم قدرته على تأمين الطعام لهما

أب سوري يتخلى عن طفلتيه لعدم قدرته على تأمين الطعام لهما

30 يونيو 2021
تتصدّر سورية دول العالم الأكثر فقراً (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

بعد أخبار الانتحار المتكررة بمناطق سيطرة نظام بشار الأسد، بسبب الفقر وانسداد الأفق أمام السوريين، سجّلت مستشفى "المواساة" بالعاصمة السورية دمشق، حالة جديدة وموجعة، إذ تخلّى أب عن طفلتيه، أول من أمس الإثنين، بعدما تركهما على مقاعد المستشفى وهرب، تاركاً إلى جانبهما رسالة تقول "أرجو منكما بابا أن تسامحاني"، ويوصي من يقرأ رسالته بأنّ الطفلتين بحاجة إلى ماء وطعام، فهما لم تأكلا منذ مدة طويلة.

أب يتخلى عن طفلتيه- سورية (فيسبوك)
رسالة الأب (فيسبوك)

بعد رؤية الطفلتين والرسالة، نشر الطبيب العامل بالمستشفى سعيد جاويش القصة على صفحته على "فيسبوك"، من دون الإشارة إلى هوية الطفلتين ووالدهما.

وقال جاويش إنه لم يفهم من رسالة الأب سوى "أنّ الطفلتين بحاجة إلى طعام وماء ولم تتناولا شيئاً منذ فترة طويلة على ما يبدو، ويرجو منهما أن تسامحاه"، واصفاً المنظر بـ"المفجع".

ولاقى منشور الطبيب السوري تفاعلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تواصل "فاعلو "خير" مع الطبيب من "كل أنحاء العالم، أميركا وأوروبا والخليج"، كما قال، لكنه لم يقبل المساعدة واعتذر من المتواصلين، لتُنقل الطفلتان إلى قسم شرطة المزة القريب من المستشفى، ومن ثم إلى مستشفى "الرازي" للرعاية.

وأشار جاويش إلى أنّ عدداً كبيراً من الذين تواصلوا معه تعهّدوا بتأمين عمل للأب في حال قرّر العودة وعدم التخلي عن طفلتيه، كما أنّ كثيرين عرضوا "تربية الطفلتين وتعليمهما"، ناسباً الحلول الحالية إلى "فضل وسائل التواصل الاجتماعي، التي يمكن أن تلعب دوراً إيجابياً"، مضيفاً "كانت عندي الجرأة لأكون أول من ينشر الموضوع، وكانت النتائج إيجابية وستنعكس على مستقبل الطفلتين".

وتقول المربية سراب صابر، من دمشق، لـ"العربي الجديد"، إنّ حالات معظم الأطفال الذين كانوا يأتون إلى المدرسة حيث تعمل، لا تقل سوءاً عن حال الطفلتين اللتين تخلى أبوهما عنهما، "فالفقر واشتهاء الخبز، هو السمة العامة لتلاميذ المدراس الحكومية، فضلاً عن قدم الملابس ومستلزمات التعليم"، واصفة الوضع بأنه "خانق لشدّة الحاجة".

وتشير صابر إلى أنّ "تراجع الخدمات حتى بالمدارس، من انقطاع الماء والكهرباء، يزيد المعاناة سوءاً"، مضيفة "الحمد لله أغلقت المدراس قبل موجة الحرّ وانقطاع الكهرباء بدمشق 20 ساعة يومياً".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وعن حالات تخلي الأبوين عن أولادهم جرّاء الفقر والحاجة، تسرد المربية السورية العاملة أيضاً بجمعة خيرية قائلةً: "واجهنا عشرات الحالات خلال السنوات الأخيرة، من أب يحبس أطفاله بزملكا بريف دمشق، والتي أوصلناها للإعلام، إلى حالات عديدة عن ترك الأهل لأطفالهم، سواء أمام المساجد أو بالساحات العامة وترك رسائل بجوارهم. لعلّ طفلة منطقة القصاع، وسط دمشق، العام الماضي، كانت الأكثر إيلاماً، حيث ترك أب طفلة رضيعة أمام جامع الثقفي وهي بحاجة لإرضاع وحاضنة".

وعن الإجراءات بحق الآباء، تشير المربية السورية إلى أنّ "لكل وضع حلولاً معينة، فبعض الحالات لم يكن ممكناً الوصول إلى الأهل فيها، ولكن الرضيعة بمنطقة القصاع تمّت محاكمة أبيها بعد تسليم الطفلة للأم".

ويعاني السوريون من فقر مدقع، إذ لا يزيد متوسط دخل الأسرة عن 50 ألف ليرة (الدولار = 3200 ليرة)، في حين تصل نفقات المعيشة الشهرية، بحسب مركز "قاسيون" في دمشق، إلى نحو مليون وأربعين ألف ليرة، على أساس سلّة استهلاكية من 8 حاجات أساسية.

وتتصدّر سورية دول العالم الأكثر فقراً، بعدما وصلت نسبة الفقر الرسمية إلى 85.5%، وعلى أرض الواقع هي أكثر من 90%، بحسب مصادر من دمشق.

وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (فاو)، قد حذّر من ارتفاع عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سورية، إذا لم تتوفر "مساعدة عاجلة".

وقال البرنامج، في تقرير له، إنّ 9.3 ملايين شخص في سورية يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ومن دون مساعدة عاجلة. وأضاف أنه من الممكن أن ينزلق أكثر من 2.2 مليون شخص إلى حافة الجوع والفقر.

ويقول لؤي شباط، وهو من منطقة دمر بدمشق، لـ"العربي الجديد": "نرى حالات تسوّل وبحث أطفال وحتى سيدات بحاويات القمامة عن الطعام، لكن حالات التخلّي المطلق عن الأولاد قلّما كانت تحدث. ولكن منذ عام، سمعنا عن عشرات حالات التخلي عن الأولاد وتركهم بالشوارع".

ويضيف شباط: "لم تعد الحاجة تقتصر على الأسر الكبيرة، بل حتى الأسرة المكوّنة من ثلاثة أفراد، تعيش الفقر"، معتبراً أنّ "نشر الطبيب جاويش بشأن حالة الطفلتين على وسائل التواصل أنقذهما. ولكن ماذا عن الحالات التي تمرّ من دون نشر ومعرفة أصحاب الخير؟".

المساهمون