"نوح"... سيارة كلاسيكية فلسطينية في القرن الـ21

"نوح"... سيارة كلاسيكية فلسطينية في القرن الـ21

27 فبراير 2021
نزهة في السيارة (العربي الجديد)
+ الخط -

 

لم تعد رؤية سيارة كلاسيكية كتلك التي كانت في أربعينيات القرن الماضي تسير في شوارع مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، وبلدة قبلان إلى الجنوب من المدينة، أمراً مستغرباً، بعدما ذاع صيت السيارة المسماة "نوح"، التي صنعها الفلسطيني رياض الصابر (40 عاماً)، وبات يقصدها الكثيرون لقيادتها والتقاط صور تذكارية معها. عشق رياض للسيارات، خصوصاً القديمة منها، دفعه خلال الأشهر الماضية، وتحديداً في الفترة التي فرضت فيها قيود على الحركة من قبل الحكومة الفلسطينية للحد من انتشار فيروس كورونا، إلى صنع سيارة كلاسيكية بمواصفات عصرية، أطلق عليها اسم "نوح"، تحاكي تماماً في تصميمها وشكلها تلك التي كانت رائجة في ما مضى. رسم الشكل الذي في مخيلته وعلق الصورة على جدار في ورشته ليبدأ التنفيذ.

استغرق العمل أربعة أشهر على الأقل. كانت البداية مع رسم السيارة على جدار في ورشته المخصصة لتصليح السيارات والواقعة أسفل منزله في بلدة قبلان، ثم صنع هيكلها الخارجي بنفسه، وأضاف إليها الأجزاء تباعاً. أجزاء صنع بعضها وأخرى حصل عليها من مركبات قديمة، مستغلاً عمله لسنوات في بيع قطع غيار السيارات.

يقول رياض لـ"العربي الجديد": "أعمل أصلاً في تجارة السيارات، ولدي ورشة لتصليح السيارات في بلدتي قبلان. استفدت مما لدي من ألواح الصاج (من أفضل أنواع الحديد) وبقايا السيارات القديمة في صناعة هيكل السيارة الخارجي، وعانيت بسبب عدم وجود ماكينات لقص وثني وتطويع الألواح الحديدية، فاستعنت بما أملك من آلات يدوية لفعل ذلك". على الرغم من ذلك، تمكن من صناعة السيارة. 

الصورة
سيارة نوح 2 (العربي الجديد)

وفي ما يتعلق بأجزاء السيارة الرئيسية، كالمحرك والفرامل، فقد حصل عليها من أماكن مختلفة، وأدخل عليها تعديلات لتتناسب وإمكانيات سيارة تقليدية. والسيارة التي صنعها مستطيلة ويزيد طولها على ثلاثة أمتار، ولها بابان فقط، وتتسع لراكبين. كما أنّ مصابيح الإنارة الموضوعة في مقدمتها خارجة عن الهيكل المعدني، وكذلك فرشها من الطراز التقليدي واللون الخمري ولا سقف لها. وهذا العمل الفني أهداه رياض لنجله الصغير "نوح"، فأطلق اسمه على السيارة، كما فعل قبل نحو عامين عندما صنع سيارة دفع رباعي "جيب" أسماها "آدم" على اسم ابنه الكبير.

الصورة
سيارة نوح 3 (العربي الجديد)

اليوم تسير المركبتان "آدم" و"نوح" في شوارع بلدة قبلان، ويمكن لمن شاء أن يقودهما ويلتقط فيهما الصور التذكارية، خصوصاً "نوح" التي يحبذ الشبان المقبلون على الزواج قيادتها يوم حفل زفافهم، كونها سيارة جميلة ومميزة بالمقارنة مع غيرها من السيارات. يقول رياض لـ"العربي الجديد": "لا مانع لدي من أن تتقدم سيارة نوح حفلات الأعراس، ليزف فيها العرسان مجاناً، فهذه السيارة الأنسب في هكذا مناسبة سعيدة". أما الخطوة التالية لرياض بعد صنعه للسيارتين، فهي السعي إلى تسجيلهما لدى الجهات الرسمية الفلسطينية، ليتمكن من السير فيهما بين مدن وبلدات الضفة الغربية من دون أية عوائق.

الصورة
سيارة نوح 4 (العربي الجديد)

ما صنعه رياض ليس حدثاً عادياً لدى بعض الهواة والعاملين في هذا القطاع والخبراء. يوضح مدير عام "الشركة المتحدة لتجارة السيارات" سامح المصري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن هذه المبادرة "تعد تفكيراً خارج الصندوق، وأنها عمل يحترم". يضيف: "لم أرَ السيارة التي صنعها، لكن هناك فرقاً كبيراً بين الهواة والمهنيين. فالكثير من الناس يحاولون صناعة سيارة، أو بالأحرى جمع من كل روض زهرة، ثم يقولون إنهم صنعوا سيارة، لكن المعادلة ليست كذلك أبداً".

الصورة
سيارة نوح 5 (العربي الجديد)

ويسأل المصري عمّا إذا كانت السيارة التي أنتجها رياض قد خضعت إلى فحوصات الأمان، وإذا ما كانت تتوفر فيها معايير السلامة من فرامل ووسائد الهواء وأنظمة التعليق (مسؤولة عن الثبات والتوازن في هيكل السيارة وغرفة القيادة على الطرقات والمنعطفات) وغيرها، ومدى متانة الهيكل، لافتاً إلى أن القائمة تطول. 

ولا يرى المصري أنه من المناسب اعتبار هذه السيارة بمثابة حدث، لأن تسيير مركبة على الطريق يحتاج إلى فرق من المهندسين ذوي خبرات طويلة في هذا المجال، وتراخيص لكل جزء من المركبة، واختبارات لمنح التراخيص والسماح لها بالسير على الطريق. "ندعم كل مبادر. لكن في المحصلة، هذه أسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة قبل إصدار أحكام نهائية". مع ذلك، تبقى لرياض طموحات وأحلام كثيرة يسعى إلى تحقيقها على الرغم من كل الظروف الصعبة.

المساهمون