"قائمة المنقولات" في أروقة المحاكم المصرية

"قائمة المنقولات" في أروقة المحاكم المصرية

13 يونيو 2021
هل استطاعت تأمين كل مستلزمات منزلها؟ (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

طالَ غياب عيدة، التي تعمل في مجال تنظيف المنازل، عن زبائنها في العاصمة المصرية القاهرة، هي التي اعتادت أن تُغادر إحدى قرى محافظة المنوفية في دلتا مصر باكراً لبدء العمل. غابت عيدة وانقطعت سبل الاتصال بها، إلى أن ردّت أخيراً على إحدى زبوناتها: "سآتي لحضرتك غداً صباحاً يا مدام لأنني في حاجة ماسة للأموال".
صباح اليوم التالي، وفي وقت كانت عيدة منهمكة في تنظيف زجاج النوافذ من الداخل والخارج، كانت صاحبة المنزل وابنتها تستمعان إليها باستغراب، خلال حديثها عن زواج ابنتها. تقدّم لخطبة الأخيرة شاب مناسب، على حدّ قول الأم، لافتة إلى أنها ستعيش معه في الطابق العلوي في بيت عائلته في المنوفية. واستفاضت في وصف تفاصيل جهاز العروس (كل ما تحتاجه العروس في حياتها الجديدة بعد الزواج من ملابس وأدوات تجميل ومجوهرات وأدوات مطبخ  وغيرها). تقول عيدة: "أنفقت كل ما لديّ من مال لشراء مستلزمات العروس، حتى أنني اضطررت إلى شراء الأجهزة الكهربائية بالتقسيط من أحد المحال التجارية، الذي وافق على دفع قيمة بسيطة من إجمالي المبلغ المطلوب في مقابل توقيعي على وصولات أمانة بقيمة أكثر من 50 ألف جنيه مصري (نحو 3000 دولار أميركي)". تضيف أنّها اشترت ثلاث غسالات (غسالة عادية وأخرى أوتوماتيك، وغسالة إضافية لحماتها)، وغسالة صحون، وثلاجة كبيرة، ومكنسة كهربائية، وموقداً كهربائياً بفرن كبير، وثلاث مراوح سقف، وخلّاطاً وغير ذلك.
وعن سبب شراء كل هذه الأجهزة، تقول إنّ "سلفة ابنتي اشترت كل هذه الأجهزة، ولا يمكن لابنتي أن تتزوج من دون شرائها أو يتركها العريس. هو يطالبها بكل شيء لأنه وقّع على قائمة المنقولات". ويعدّ هذا أحد أنواع الزيجات في مصر، إذ لا يدفع العريس مهراً لعروسه، بل يشترك العروسان في شراء كل مستلزمات البيت من أثاث وغير ذلك، باستثناء مستلزمات المطبخ والأجهزة الكهربائية، التي يتوجب على العروس تأمينها معظم الأحيان. ويوقع الطرفان على اتفاق مكتوب يسمى "قائمة منقولات" يدوّن فيها والد العروس كل محتويات البيت لتكون من حق الزوجة في حال وقع الطلاق.

عرس في الشارع (محمد الشامي/ الأناضول)
عرس في الشارع (محمد الشامي/ الأناضول)

ويُعرّف القانون المصري قائمة المنقولات الزوجية بأنها "إقرار صادر من الزوج إلى الزوجة في ورقة مذيلة بتوقيع الزوج بأنه تسلم منقولات الزوجية – قائمة أعيان – الواردة في القائمة، وأن استلامه لتلك المنقولات هو على سبيل الاستعمال".
غياب عيدة لفترة طويلة عن زبائنها في القاهرة كان بسبب انشغالها بشراء كل هذه المستلزمات، وبغيرها من التفاصيل التي تتكبدها العروس في القرى والمدن المصرية. لكنها عادت للعمل بضعف طاقتها من أجل جني المزيد من المال لسداد الأقساط المتراكمة عليها، كي لا تقضي أعوامها المقبلة في السجن.
قصة عيدة، السيّدة المصرية البسيطة، التي بالكاد تستطيع تأمين قوت يومها، لا تتكرر فقط في الأقاليم المصرية، بل في كل المحافظات، ليفوق تجهيز العروس قدرة العائلات، على أن يكون حقّها مضموناً في قائمة المنقولات الزوجية. أخيراً، كانت قائمة المنقولات الزوجيّة حديث وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما انتشرت صورة لقائمة دوّن عليها والد عروس عبارة "من يُؤتمن على العرض لا يُسأل عن المال"، في إشارة إلى تخلّيه عن كل ما في منزل الزوجية في حال طلاق ابنته.

المرأة
التحديثات الحية

صحيح أنّ الكثير من العائلات المصرية لا تتبع هذه الطريقة التقليدية في الزواج، ولا تكتب قوائم منقولات، لكنّ السائد هو كتابتها، الأمر الذي أثار جدلاً. فقائمة منقولات ابنة عيدة قد لا يكون مصيرها كمصير قوائم ملايين النساء المطلقات، واللواتي ما زالت قضاياهن معلقة في محاكم الأسرة، بسبب النزاع على هذه المنقولات. ففي أحيان كثيرة، يتعمد الزوج إتلاف وتبديد هذه المنقولات انتقاماً من الزوجة، في حال وصلت الخلافات بينهما إلى المحاكم.
وتنظر محاكم الأسرة في مصر في الكثير من القضايا المتعلقة بخلافات بين الزوجين على قائمة المنقولات. وكثيراً ما انتشرت صور لمنقولات زوجة مكومة على رصيف محكمة أسرة، لتسليمها للزوجة أمام هيئة المحكمة بناءً على حكم قضائي صادر لصالحها.
ويُقدّر عدد المطلقات في مصر، طبقاً للأرقام الرسمية، بأكثر من 5.6 ملايين على يد مأذون، الأمر الذي أدى إلى تشريد نحو 7 ملايين طفل، بالإضافة إلى 250 ألف حالة خلع. وتشير الإحصائيات الصادرة عن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، إلى أن عدد أطفال الشقاق وصل إلى 15 مليون طفل تقريباً، يعيشون بين أسر مفككة مصيرها مرهون بحكم قضائي يصدر عن محكمة الأسرة. وتنظر محاكم الأسرة في مصر سنوياً في نحو مليون و500 ألف دعوى، باعتبارها المحكمة التي تختص دون غيرها بالنظر في جميع مسائل الأحوال الشخصية طبقاً لأحكام قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بحسب القانون رقم 1 لسنة 2000، بحسب إحصائية رسمية صادرة عن وزارة العدل المصرية عام 2018.

وتُشير دراسة صادرة عن مؤسّسة قضايا المرأة المصرية (تعمل على تقديم الدعم والمساندة القانونية للمرأة المصرية)، عام 2018، بعنوان "التكلفة الاقتصادية لقضايا الأحوال الشخصية في القاهرة الكبرى"، إلى أن قضايا "تبديد الذهب والمنقولات" تعدّ ضمن أكثر القضايا المعروضة أمام محاكم الأسرة في مصر، والتي تنفق فيها المرأة الكثير لتأمين بدل أتعاب المحامين وإثبات حقوقها، وتستغرق ما بين شهر إلى ستة أشهر للحكم فيها. وتطرّق القانون المصري بشكل مباشر إلى جريمة تبديد منقولات الزوجية والتي تتمثّل في قيام الزوج بسلب المنقولات التي في حوزته والمسلمة إليه من قبل الزوجة على سبيل الأمانة، على نحو تفقد فيه الزوجة استردادها أو يضعف الأمل في استردادها، ويتضمن ذلك الفعل بالضرورة فعل الاختلاس، وهو مباشرة الزوج سلطاته على تلك المنقولات، واستعمالها استعمال المالك، بما يكشف بصورة قاطعة عن تغير نيته في الحيازة (امتلاكها)، أي تغير حيازته إلى حيازة مالك. أما عن عقوبة حبس الزوج في قضية تبديد المنقولات الزوجية، فلا تزيد عن ثلاث سنوات بناءً على المادة 18 من قانون العقوبات المصري. 

المساهمون