"فكرة بإبرة" على سطح منزل صفاء في غزة

"فكرة بإبرة" على سطح منزل صفاء في غزة

25 مايو 2022
بشغف تنتج صفاء دماها وغيرها من الأشغال اليدوية (محمد الحجار)
+ الخط -

على سطح منزلها وسط شارع الجلاء في مدينة غزة، تمكّنت صفاء أبو عطايا البالغة من العمر 30 عاماً من تحسين واقعها الاجتماعي، وتحقيق استقلالية مادية من خلال تأسيس مشروع لصناعة الدمى وأشغال يدوية تصلح للتعليم أو كهدايا.
وصفاء تحمل شهادة جامعية في التعليم الأساسي من كلية التربية، وهو التخصّص الذي يتابعه كثيرون في حين أنّ عدد الوظائف المتاحة في المدارس الحكومية والخاصة وغيرها لا تستوعب سوى أعداد قليلة من خرّيجيه سنوياً وبحسب عقود سنوية قابلة للتجديد. لكنّ صفاء تؤكد أنّها درست التخصص "عن قناعة" إذ هي معنية بتعليم الأطفال في المراحل الأساسية، لكنّها توجّهت إلى مشروع يستخدم أدوات بسيطة ويجمع ما بين التعليم والتصميم والابتكار.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وكانت صفاء قد عملت، بعد تخرّجها من الجامعة، في مجال تخصصها لمدّة ثلاثة أعوام فقط، لكنّها لم تشعر بالاستقرار، لا سيّما في ظلّ غياب الضمان وعدم توفّر وظيفة رسمية ثابتة، وبالتالي فكّرت بمشروع مستقلّ. فراحت تصنع الدمى بأسلوب أميغورومي الفني الياباني الذي يقضي بحياكتها على شكل حيوانات وأناس وحشوها، إلى جانب أشغال يدوية أخرى.
في البداية، راحت صفاء تعتمد على أدوات بسيطة تشتريها بمبالغ مالية ضئيلة لصنع هدايا للعائلة والأصدقاء، قبل أن تتوسّع في الحيّ. وبعد ذلك، تشجّعت أكثر وانطلقت في مشروعها الذي خصّصت له غرفة فوق السطح صارت تمثّل عالمها الخاص اليوم.

الصورة
صفاء أبو عطايا ومشروع فكرة بإبرة في غزة 3 (محمد الحجار)
دمى أميغورومي تبقى الأحبّ إلى قلب صفاء (محمد الحجار)

التطريز فنّ الفلسطينيين
وتحكي صفاء أنّ عالم التطريز يستهويها كثيراً. وتشرح لـ"العربي الجديد" أنّ "التطريز بالنسبة إلينا كفلسطينيين فنّ قديم يمثّل الهوية فلسطينية"، لافتة إلى أنّها تعلّمته كما الخياطة وتصميم الأزياء في خلال "تعليمي في المرحلة الإعدادية من خلال دورات". تضيف: "أمّا فنّ أميغورومي أو الدمى اليابانية، فهو هواية طوّرتها من خلال موقع يوتيوب ومواقع أجنبية أخرى، إذ تعلّمتها بأدقّ التفاصيل".
وفي إطار مشروعها، تنتج صفاء أدوات تعليمية آمنة وسليمة للأطفال. وتستفيد كذلك من إعادة تدوير بعض ما يتوفّر في المنزل من ورق وأقمشة وغير ذلك في صناعة منتجاتها المتنوعة. وإلى جانب تلك الأدوات التعليمية، تصنّع صفاء أطر مرايا ومطرّزات برازيلية، عل سبيل المثال، لكنّ دمى أميغورومي تبقى الأحبّ إلى قلبها.
ولا تخفي صفاء أنّها من خلال مشروعها تمجح في تفريغ الضغوطات النفسية، بإيجابية، موضحة أنّها تصنع الدمى اليابانية التي تعبّر عن مشاعرها وأفكارها. وعن اللون الأصفر الذي يسيطر على 70 في المائة من منتجاتها من تلك الدمى، تقول إنّه لونها المفضّل وهو "ينشر البهجة" بالنسبة إليها.

الصورة
صفاء أبو عطايا ومشروع فكرة بإبرة في غزة 4 (محمد الحجار)
صفاء أبو عطايا ومشروع فكرة بإبرة في غزة 4 (محمد الحجار)

وتتابع صفاء أنّها تهدف من خلال مشروع "فكرة بـ إبرة" (تكتبه بهذه الصيغة) إلى "صنع منتجات مميّزة لا يتوفّر مثيل لها في الأسواق المحلية"، مؤكدة "أحاول دائماً ترك بصمة لي في الدمى التي أصنعها والتصاميم التي أنفّذها". وتكمل أنّه "بالإضافة إلى ذلك، أنا أحبّ ما أصنع. ويلحظ زبائني ذلك إذ يردّدون: نجد الحبّ في ما تصنعينه".
وإلى جانب ما تنتجه صفاء على مدى العام ليتناسب مع كلّ الظروف، فإنّها تلبّي الطلبات التي تردها على صفحات مشروعها الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، "في المواسم والأعياد، من قبيل شهر رمضان. فأصنع شخصيات فنانيس الرمضانية (الكرتونية الشهيرة)، بالإضافة إلى فوانيس وغيرها".

الصورة
صفاء أبو عطايا ومشروع فكرة بإبرة في غزة 2 (محمد الحجار)
نجحت صفاء في تحقيق استقلالية مادية من خلال مشروعها (محمد الحجار)

تحديات وعراقيل
لكنّ الأمر لا يخلو من العراقيل والتحديات، لا سيّما ما يتعلّق بالتكاليف. وتحكي صفاء عن ارتفاع بدلات حجز ركن مثلاً في معرض تسويقي، بالتالي عدم المشاركة بمعارض تحظى بإقبال كبير. كذلك، في مشغلها فوق سطح المنزل، ينقطع التيار الكهربائي في بعض الأحيان لمدّة تتخطّى عدد الساعات المعتادة، ويؤثّر هذا بالتالي على العملية الإنتاجية في بعض الأحيان. من جهة أخرى، وبسبب إغلاق المعابر وتشديد الحصار من قبل الاحتلال الإسرائيلي، تعاني صفاء من شحّ في بعض المواد الخام التي تحتاج إليها في عملها.

قضايا وناس
التحديثات الحية

لا ترى صفاء أنّ عملها يتوقّف هنا، فهي تطمح إلى تحويل مشغلها فوق السطح، في يوم ما، إلى أكاديمية لتعليم النساء الأشغال اليدوية وكيفية صنع منتجات فلسطينية ونشرها في الأسواق المحلية والدولية والمشاركة في معارض عالمية. وهي كما غزيات كثيرات يحملنَ شهادات جامعية، حاولت الابتكار وإنشاء مشروع خاص، هرباً من البطالة وفرص العمل المؤقتة.

المساهمون