"الغبقة" و"القرنقعوه"... رمضان قطر كما الأقدمون

"الغبقة" و"القرنقعوه"... رمضان قطر كما الأقدمون

26 ابريل 2022
يحافظ القطريون حتى اليوم على العادات الشعبية في رمضان (العربي الجديد)
+ الخط -

ارتبط شهر رمضان بعادات وتقاليد خاصة لا تتكرر في شهر آخر، وتختلف بين بلد وآخر. ويحرص القطريون تحديداً على إحياء العادات الخاصة بشهر الصوم والتي تتشارك بعضها مع بلدان كثيرة، ومنها تبادل طعام الإفطار بين الجيران لجعل المائدة الرمضانية تزخر بأنواع مختلفة من الأصناف والأطباق، ما يزيد الترابط الاجتماعي والتقارب بين الأسر والأفراد.
وتتصدر "الغبقة" التي تعتبر وليمة ليلية، العادات الشعبية التي يحافظ عليها أهل قطر حتى اليوم، كما يحيون ليلة "القرنقعوه" التي تصادف في منتصف رمضان، لكن بريقها يخف عاماً بعد عام، ويكاد يقتصر إحياؤها على المهتمين بالشأن الثقافي.

يقول الباحث في التراث الشعبي صالح غريب لـ"العربي الجديد"، إن "العادات والتقاليد الرمضانية حاضرة في قطر، رغم  التغير الاجتماعي الذي أحدثته العولمة، وتشابه هذه العادات في دول الخليج العربي. وحافظت التقاليد الشعبية القطرية على شخصيتها من دون تغيير، وبقيت تمارس كما كان يفعل الأقدمون، منها الفطور الجماعي مع الأسرة طوال أيام شهر رمضان، ووليمة الغبقة التي تجمع الأسرة والأصدقاء على مائدة ليلية يبدأ وقتها بعد صلاة التراويح التي يحرص أهل قطر رجالاً ونساءً على أدائها في المساجد".

ويوضح أن "وليمة الغبقة تشمل أنواعاً من الأسماك خاصة المشوية، والمحمر وهو عبارة عن أرز مطبوخ بخلاصة التمر، ووجبة الثريد الذي تمزج الخبز المفتت واللحم والمرق، وأيضاً أنواع حلويات بينها اللقيمات والعصيدة، وهناك بالطبع التمر والشاي والقهوة".
ولا تقتصر إقامة "الغبقة" في قطر على مجالس العائلات والأصدقاء والأقارب في البيوت، إذ انتقلت إلى الفنادق والخيام الرمضانية، كما تدعو مؤسسات موظفيها لتناول هذه الوليمة التي تشكل فرصة لتعزيز العلاقات بين المديرين والموظفين.

عادات باقية
وعن مدى الحفاظ على العادات الرمضانية في قطر، يستحضر الكاتب والروائي جمال فايز في حديثه لـ"العربي الجديد"، ذكريات فترة طفولته خلال منتصف السبعينيات من القرن الماضي، حين لم تكن تتوفر قنوات التلفزيون الفضائية والهواتف الخلوية ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وتجذب اهتمام المجتمع والأفراد، ما كان يعطي وقتاً للمّ أفراد الأسرة طوال ساعات. 
ويقول: "شهدت تلك الفترة عادات وتقاليد باتت غائبة اليوم تقريباً. وأذكر أن والدتي كانت تحضر خبز الرقاق بالطريقة التقليدية من دون استخدام أدوات كهربائية، والهريس عبر ضرب الحبوب وقطع اللحم داخل قدر، وأنها كانت تطلب منا أحياناً مساعدتها في هذه المهمات. ومن العادات التي كادت أن تختفي وتحضر في شكل نسبي في بعض المناطق، تبادل المائدة الرمضانية بين الجيران. فقبل الإفطار بنحو نصف ساعة كنا نأخذ الصحون المليئة بالمأكولات إلى الجيران، وكانت غالباً صحون ثريد أو هريس وغيرهما. وفي المقابل تزودنا السيدة في بيت الجيران بطبخة أعدتها، وبالتالي عندما تجلس الأسرة حول المائدة التي كانت تفرش على الأرض، قبل ظهور الطاولات والكراسي والسكاكين والملاعق، تكون عامرة بالأطعمة التي أعدت في المنزل إلى جانب تلك التي جلبت من بيت الجيران".

الصورة
"مدفع الإفطار" تقليد ومتعة (العربي الجديد)
"مدفع الإفطار" تقليد ومتعة (العربي الجديد)

ويشير فايز إلى أن "عدد الساعات التي يقضيها الأبوان مع الأبناء والأحفاد يزداد خلال رمضان، لكن ليس بالقدر نفسه أيام زمان. ومع اقتراب منتصف رمضان، تبدأ التجهيزات للاحتفال بليلة القرنقعوه التي كنا نخرج فيها صغاراً ذكوراً وإناثاً لإنشاد الأهازيج. وجميل أن هذه العادة ما زالت موجودة في قطر والخليج، وكذلك احتفاء وسائل الإعلام القطرية بالمناسبة التي تعتبر من الأشياء الجميلة التي تحسب للمجتمع القطري، إلى جانب الاستعداد المبكر لعيد الفطر في الأيام الأخيرة من رمضان، علماً أن المكان الأكثر شهرة الذي يقصده الناس هو سوق واقف. وكان العيد يمتد أياماً".
وقد أعدّت مؤسسات قطرية عدّة هذا العام برامج خاصة للاحتفال بهذه المناسبة، بهدف إدخال البهجة إلى نفوس الأطفال بعد توقّف قسري عن إحيائها، فعاد الصغار لترديد أهازيج خاصة بهذه المناسبة الرمضانية الشعبية التراثية، منها "قرنقعوه قرقاعوه... عطونا الله يعطيكم... بيت مكة يودّيكم... يا مكة يا المعمورة... يا أمّ السلاسل والذهب يا نورة". وبعد الجولة التي انتهت عند العشاء، عاد هؤلاء إلى منازلهم وقد امتلأت الأكياس التي يحملونها في أعناقهم، بأنواع من المكسّرات والسكاكر التي جهّزها الأهالي خصّيصاً للمناسبة.
ومن الاحتفالات الشعبية الرمضانية الشهيرة إلى جانب ليلة "القرنقعوه"، وداع رمضان رغم أنه كان يقتصر على أشخاص يحيونه مثل الفنان فيصل التميمي في نهاية شهر الصيام، إضافة إلى "المسحر" الذي اختفى في شكله التقليدي، واقتصر تجسيده على مؤسسات تستحضره وتجعله يجوب الأماكن حاملاً طبلته ليوقظ الناس من أجل تناول السحور، وبينها المؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا" ومؤسسة سوق واقف. أما "مدفع الإفطار" فتخصص مواقع لإطلاقه، ويعد من أقدم الفعاليات التي يقبل عليها القطريون والمقيمون الذين يصطحبون أطفالهم لمشاهدة عملية الإطلاق التي ينفذها عسكريون إيذاناً بحلول موعد الإفطار.

رغم رياح العولمة
وعن تأثير العولمة على العادات الرمضانية لأهل قطر، يقول فايز: "رغم هبوب رياح العولمة لا تزال المجتمعات تتمسك ببعض عاداتها، ونحن لا نستطيع في كل الأحوال تجاهل التقدم الكبير الذي حققته البشرية في المواصلات والاتصالات التي أفرزت فضائيات وهواتف نقالة وغيرها، ولا يجب أن نرفض العولمة، بل نستثمرها في شكل جيد ونوظفها لمصلحتنا، علماً أن تأثيرها ليس سلبياً بالكامل وليس إيجابياً أيضاً. واليوم تشغل القنوات الفضائية اهتمام الإنسان العربي وبالطبع القطري، في ظل وجود أكثر من 1200 قناة تتنافس في تقديم المحتوى".

الصورة
عادات رمضان نهج حياة في قطر (العربي الجديد)
عادات رمضان نهج حياة في قطر (العربي الجديد)

وحول طريقة إرساء العادات في نفوس الأبناء، يرى فايز أن "المسؤولين يجب أن يفكروا في المستقبل، داعياً إلى الحفاظ على مكتسبات العادات الجميلة في المستقبل"، ويطالب بإقرار منهج مادة دراسية تتناول العلاقات الاجتماعية، "فمنهج وزارة التربية والتعليم يقدم مواد علمية في اللغة العربية والرياضيات والعلوم وغيرها التي تفيد في تعزيز القدرات الوظيفية في المستقبل، لكن المطلوب وضع مادة تعليمية تتناول منهج الحياة، وتختلف من مرحلة تعليمية إلى أخرى، وتشمل العادات والتقاليد والمسؤوليات الأخرى التي تقع على عاتق الأسرة". 
يضيف: "حين أراد أحد أصدقائي العراقيين إكمال دراساته العليا في الولايات المتحدة لنيل شهادة بروفيسور وجد ضمن الحصص مادة تتناول السلوك المجتمعي فطلب حذفها لكن إدارة الجامعة رفضت لأن المادة ضمن النظام التعليمي التي يحتاجها الدارس في حياته. من هنا لا بدّ من إضافة مقرر دراسي يدعو إلى غرس هذه العادات وتعليم الأبناء الأمور التي يحتاجونها في حياتهم الأسرية، وتدريبهم عليها، ما يجعلنا نجمع أمرين حسنين، أولهما الإفادة من الجانب الإيجابي للعولمة والحفاظ على عادات وتقاليد المجتمع القطري". 

ويقول غريب إن تأصيل العادات والتقاليد الجميلة في نفوس الجيل يحميهم من خطر تغيير الهوية الوطنية، والمواطن القطري ملتزم بهويته، ويحرص على ارتداء الملابس الوطنية حتى في الفعاليات الدولية الكبرى، ووزارة الثقافة تساهم عبر إدارة التراث والهوية في تعزيز هوية أفراد المجتمع عبر برامج متنوعة، إلى جانب المؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا" ومؤسسة سوق واقف والمتاحف وجهات أخرى تنفذ رؤية قطر الوطنية لعام 2030.

المساهمون