"العربي الجديد" يُحاور بطل هجوم النمسا أسامة جودة

"العربي الجديد" يُحاور بطل هجوم النمسا أسامة جودة

05 نوفمبر 2020
خلال تكريمه في السفارة الفلسطينية في النمسا (العربي الجديد)
+ الخط -

بعدما كرّمت الشرطة النمساوية الشاب الفلسطيني المتحدّر من بلدة جباليا شماليّ قطاع غزة، أسامة جودة (23 عاماً)، لإنقاذه حياة ضابط نمساوي خلال الهجوم الإرهابي الذي شهدته النمسا ليل الاثنين الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، والذي أدى إلى سقوط خمسة قتلى، من بينهم منفذ الهجوم، وإصابة 22 آخرين، حاورت "العربي الجديد" أسامة الذي يعيش في النمسا منذ عام 2013.
كان عمر أسامة ثلاث سنوات حين اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000. وحين كبر، شهد الاجتياحات الإسرائيلية لبلدته جباليا، وعانى وأسرته ظروفاً معيشية صعبة، في ظل الحصار الإسرائيلي، إلى أن ترك والده البلاد بحثاً عن حياة أفضل لأبنائه، ليصل إلى النمسا عام 2010. يقول إن شجاعته التي قادته إلى إنقاذ الضابط مستمدة من غزة، هو الذي عايش الحرب الإسرائيلية الأولى عام 2008 ــ 2009 والثانية عام 2012. ويوضح لـ"العربي الجديد": "غزة جعلت منا رجالاً. لم أكن خائفاً خلال إنقاذه، على الرغم من الخطر وإطلاق النار. فقد عشنا تجارب شبيهة، بل إنّ ما عشناه كان أخطر. كانت الطائرات الإسرائيلية تحوم فوق رؤوسنا وتقصف أينما شاءت".

يروي: "لحظة الهجوم الإرهابي، كنتُ أقف بعيداً عن الشرطي خمسة أمتار. شعرت بالصدمة لأنني لم أختبر أمراً مماثلاً منذ جئت إلى النمسا قبل سبع سنوات، لكنني تذكرت الحروب التي عشتها في غزة. طلب مني شرطي العودة إلى الوراء لأن الوضع خطير، لكنني أصررت على البقاء، وتوجهت لإسعاف الشرطي، وسحبته إلى مكان آخر حتى لا يصاب مرة أخرى، وخصوصاً أن ما حدث كان مقلقاً". 
يقول إنه نزع قميصه وربط قدم الشرطي حيث أصيب بطلق ناري لإيقاف النزف، وأخبر الشرطي الآخر بأنه سيرافقه إلى المستشفىى. وحين علمت الشرطة في فيينا بما فعل، عمدت إلى تكريمه صباح اليوم الثاني وأهدته النيشان الذهبي. 

أسامة جودة 1 (العربي الجديد)

كان أسامة قد سافر إلى النمسا بعد حصول والده على الإقامة الدائمة عام 2013، ليحصل بدوره على الإقامة الدائمة بعد عام، علماً أنه يواجه صعوبة في الوقت الحالي للحصول على الجنسية، إذ تشترط الدولة أن يعمل 40 ساعة في الأسبوع، وأن يتقن اللغة الألمانية قبل التقدم بطلب الحصول على الجنسية. 
حاله حال الكثير من اللاجئين، واجه مواقف عنصرية. يذكر أنه عمل فنيّاً كهربائياً في إحدى الشركات النمساوية، إلا أنه تعرض للتمييز والعنصرية لأنه يحمل اسم أسامة، وهو الاسم الذي كان يذكّر الناس بأسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة. ولم يكن صاحب العمل والموظفون يعاملونه بأسلوب جيد، إلى أن فُصل من العمل. يضيف: "نُعتُّ ببعض العبارات العنصرية، مثل يا لاجئ ويا مهاجر، ما جعلني أشعر بضيق. لكنني كنت أجيبهم بأن النمسا بلدي، فإن لم أعجبكم يمكنكم الخروج منها". يتابع: "يدرك الجميع أن غزة منكوبة، وظروفها الاقتصادية والسياسية صعبة جداً، فأحببت أن أنقل صورة جميلة عن العرب والمسلمين، وخصوصاً في ما يتعلق بحياتنا الاجتماعية وتقاليدنا. عشت حياة جميلة في غزة، لكن الحرب الإسرائيلية أثرت علينا". 

أسامة جودة 1 (العربي الجديد)

ما فعله أسامة يندرج تحت مظلة الإنسانية التي تربى عليها داخل أسرته منذ كان في غزة. عندما سافر، عرف تعدد الأديان والأعراق. تقبّل الجميع، وصادق من استطاع، وقد اعتبر النمسا بلده الثاني. يشار إلى أن والده أستاذ جامعي وشاعر يدعى خالد جودة (44 عاماً). لا يخفي الأخير أنه كان يشعر بخوف شديد على ابنه خلال التنقل بين المدن النمساوية. لكن حين عرف بما فعله، شعر بالفخر، مشيراً إلى أن التكريم كان من أهم اللحظات التي عاشتها الأسرة في النمسا. يقول لـ"العربي الجديد": "هذا الموقف قلب حياتنا، فالعشر سنوات في كفّة، وهذا الموقف في كفّة، وقد نجحنا في ترك أثر إيجابي لدى الناس. هذا الموقف بلسم جراحنا. كثيرون حيَّوا أسامة بعد الحادثة، حتى الضباط في الشارع. تغيرت النظرة إلينا كلاجئين ومهاجرين يرغبون في الأمان وأن يعاملوا بإنسانية". 

كذلك، كرّم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أسامة من خلال السفارة الفلسطينية في العاصمة النمساوية فيينا، ومنحه وساماً تقديراً لشجاعته، إذ ساهم في إبراز صورة الفلسطيني الذي يقاتل الإرهاب ويحمي الناس. وأجرت العديد من المحطات الإعلامية النمساوية والدولية مقابلات معه بعد الحادثة، كما يقول الوالد، ما سيُسهم في تحسين صورة اللاجئين في أوروبا.

المساهمون