"الجيل المفقود" من أطفال الحرب السورية

"الجيل المفقود" من أطفال الحرب السورية

09 يونيو 2021
فتيات سوريات في مخيم بشمال لبنان (جوزف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

تتوالى الدراسات التي تؤكد خطورة التأثيرات السلبية للحروب على السكان. في لبنان يواجه أطفال عائلات اللاجئين السوريين مشاكل لا حصر لها تتفاقم يومياً بسبب ظروف حياتهم غير الطبيعية، وباتت تهدد مستقبلهم في مجالات عدة.

"الجيل المفقود" بهذه العبارة يصف مدير برنامج طب النزاعات في الجامعة الأميركية في بيروت والأستاذ المحاضر في جامعة لندن الدكتور غسان أبو ستة الجيل السوري الذي ولد أثناء الحرب الأهلية في بلده، أو الذي عاش معظم طفولته في اللجوء، "فهذا الجيل يفتقد أبرز الشروط الأساسية على مستوى التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية وغيرها". 

يشرح الدكتور أبو ستة أن "الحرب ليست حادثة أو فترة زمنية آنية، بل بيئة حيوية لكل أنواع الضغوط الجسدية والبيولوجية والاجتماعية التي يعيشها سكان مناطقها، والتي تمتد آثارها فترات زمنية طويلة، ما يهدد مختلف جوانب الحياة الإنسانية". ويعطي أمثلة عن تعرض أطفال الحروب إلى إصابات مباشرة تنتج من القصف والدمار، وإصابات أخرى غير مباشرة بسبب الظروف السكنية السيئة، والانقطاع عن التعليم، وسوء التغذية، "ما يؤثر سلباً على حاضرهم ومستقبلهم". 

تظهر دراسة جديدة أعدّها الدكتور أبو ستة والباحث في الجامعة الأميركية في بيروت، مروان حجار، ونشرتها أخيراً مجلة "جورنال أوف غلوبال هيلث" تأثير جائحة كورونا على اللاجئين السوريين في لبنان. وتورد أن "نسبة 70 في المائة من أطفالهم لا يتابعون تعليمهم من المنزل بسبب عدم توافر الأجهزة وخدمات الإنترنت، وأن نسبة 79 في المائة من معيلي هؤلاء الأطفال فقدوا أعمالهم ومصادر رزقهم، بينما انخفضت رواتب نسبة 68 في المائة ممن احتفظوا بأعمالهم". 

وتبيّن الدراسة التي شملت 129 عائلة من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في لبنان خلال أزمة فيروس كورونا، أن "نسبة 55 في المائة فقط من العائلات تلبي احتياجاتها الأساسية جزئياً، في حين لا تستطيع أي عائلة تأمينها كلها". ولاحظت أيضاً أن "الضغوط النفسية والقلق تشكل الحالات الأكثر انتشاراً عند الأطفال والبالغين من هؤلاء اللاجئين السوريين، وأن نسبة 30 في المائة لم تتلقَ أي دعم من المنظمات الإنسانية".

ويلفت أبو ستة الى أن تركيز لبنان على نظام التعليم عن بعد خلال جائحة كورونا كشف خطورة "الفقر الرقمي" في مستويات تدريس الأطفال. فبعدما اعتبرت خدمة الإنترنت والأجهزة الالكترونية من الرفاهيات، تسبب عدم توافرها خلال الأزمة في انقطاع أطفال عن التعليم لفترة زمنية طويلة تعدت العام، ما يهدّد مستقبلهم وقد يؤدي إلى تركهم التعليم ومواجهتهم مشكلات مختلفة تهدد حياتهم. 

وأظهرت دراسة أخرى أجريت على 179 من أطفال اللاجئين السوريين في لبنان الذين أصيبوا بجروح، وأعدّها الدكتور أبو ستة بالتعاون مع الباحثين سمر الحاج وأيان بايك وأحمد العنيسي وأليكس زينغ من الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة كولومبيا البريطانية في كندا، ونشرتها المجلة العلمية "جورنال أوف بيرن كير أند ريسيرش"، ارتفاع نسبة إصابات الحروق  بتأثير ظروف السكن السيئة وغير المثالية. وسجلت نسبة 53.6 في المائة من إصابات الحروق لدى أطفال لا يتجاوزون الأربع سنوات، ونتجت من التعرض إلى سوائل بدرجات الغلي، في حين أصيبت فتيات كثيرات بحروق لدى تحضيرهن الطعام. وعانت الفئة العمرية التي تتراوح أعمارها بين 15 و19 سنة من حروق تسببت بها حوادث خلال العمل. 

الصورة
أطفال سوريون لاجئون في لبنان (أديب تشودهاري/ Getty)
صغار في أحد مخيمات منطقة البقاع (أديب تشودهاري/ Getty)

أما عن سوء التغذية والقصور في النمو أي التقزم الناجم عن سوء التغذية، فأظهرت نتائج دراسة أعدّها أبو ستة والباحثون كريم مكاوي ومروان حجار ودنيا حطيبة، أن معدّله عالٍ لدى اللاجئين السوريين في لبنان، وأعلى حتى من المعدّل عند أطفال اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري بالأردن. واعتبروه مؤشراً خطراً "لأن مضاعفات القصور في النمو لا عودة عنها، وتؤثر على حاضر الأطفال ومستقبلهم، إذ يصبحون أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضعط الدم وأمراض القلب والسكري". وقد شملت الدراسة 142 طفلاً سورياً لاجئين في لبنان لا تتعدى أعمارهم الـ18 سنة. وبلغت نسبة القصور في النمو 9.2 في المائة بلا فوارق بين الإناث والذكور. ولاحظت أن معظم الذين يعانون من هذه المشكلة كانوا أصيبوا بحروق في سن مبكرة. 

يقول الدكتور أبو ستة إنه تعاون مع جمعية "إنارة" التي تهتم بإصابات الحروق عند الأطفال للوصول الى عائلات اللاجئين السوريين، وجمع المعطيات. ويؤكد أن نتائج الدراسات تكشف خطورة المؤشرات الصحية والاجتماعية التي يعانيها اللاجئون السوريون في لبنان، وتثبت المفاهيم الأساسية في طب النزاعات حول بيئة الحروب وتأثيرها في إعادة إنتاج الإصابات وديناميتها بطرق مباشرة وغير مباشرة لدى سكان مناطق الحروب، ما يطلق صرخة للتحذير من ضرورة التدخل العاجل لإنقاذ "الجيل المفقود" على مستويات الصحة والتعليم، فالتداعيات ليست آنية فقط، بل تهدد الأشخاص والمجتمع على مدى الحياة". 

يُذكر أن جمعية "إنارة" توفر رعاية طبية تساهم في تغيير حياة الأطفال في مناطق النزاع الذين يعانون من إصابات بالغة أو أمراض، ويعجزون عن الحصول على العلاج المناسب بسبب الحرب. وهي بالتالي تعالج الثغرات التي تمنع تلقي الأطفال العلاج الذي تقدمه المؤسسات الأخرى والمنظمات غير الربحية، وتقدم مساعدات مالية عند الحاجة.

المساهمون