كواليس مؤتمر باريس حول ليبيا: خلافات حادة بين المنفي والدبيبة

كواليس مؤتمر باريس حول ليبيا: خلافات حادة بين المنفي والدبيبة

13 نوفمبر 2021
لوّح بيان مؤتمر باريس بمعاقبة معرقلي مسار الانتخابات الليبية (يوان فالات/فرانس برس)
+ الخط -

اختتم مؤتمر باريس حول ليبيا أعماله، أمس الجمعة، من دون أن يضيف جديداً في ملفات الأزمة الليبية، خصوصاً ملفي الانتخابات وخروج المقاتلين الأجانب، باستثناء التلويح بمعاقبة معرقلي مسار الانتخابات، وتأكيد إجرائها يوم 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وأكد البيان الختامي التزام جميع المشاركين في المؤتمر بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر المقبل، ملوحاً بإمكانية محاسبة كل الأفراد والكيانات داخل ليبيا أو خارجها، "الذين قد يعرقلون الانتخابات"، بالإضافة لدعم جهود المفوضية العليا للانتخابات في إجراء الانتخابات يوم 24 ديسمبر.

وعلى الصعيد العسكري والأمني، أشاد البيان بجهود لجنة 5 +5 العسكرية الليبية، وخطتها لإخراج المقاتلين الأجانب، مشدداً على ضرورة خروج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، وكذلك ضرورة إنشاء هيكل عسكري وأمني موحد يخضع للمساءلة وبقيادة مدنية.

خلافات حادة بين المنفي والدبيبة

ورغم التوافق الدولي الذي أظهره البيان الختامي للمؤتمر، فإن مضمون البيان والتصريحات اللاحقة له من قبل مسؤولين مشاركين فيه، عكست خلافات في كواليس المؤتمر. ووفقاً لدبلوماسي ليبي رفيع، فإن دعوة باريس لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيية كل على حده، وكل منهما رافقه وفد خاص، كانت أول مؤشرات الخلاف الذي تصاعد، ليكون التمثيل الليبي مفارقاً لمشهد الوحدة المفترض توفرها في السلطة التنفيذية الحالية، خصوصاً مع حرص الدبيبة على أن تكون وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش ضمن وفده أمام قادة العالم، وهي التي أوقفها المنفي عن العمل قبل أسبوع ومنعها من السفر.

وكشف الدبلوماسي الليبي، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، عن خلافات حادة بين المنفي والدبيبة، قبيل دخولهما قاعة المؤتمر، والتي تمثلت في معارضة المنفي، بشدة، مطالب الدبيبة الخاصة بتأجيل الانتخابات لحين التوافق على التشريعات الانتخابية، وهي المطالب التي تضمنتها كلمة الدبيبة في المؤتمر.

وفي الملف الثاني، وهو ملف خروج المرتزقة والقوات الأجنبية، أكد المصدر الدبلوماسي الليبي أن الاختلاف كبير بين القوى الفاعلة في ليبيا بشأن تحديد آجال مغادرة القوات الأجنبية والمرتزقة، وأن اتفق كلّ المشاركين في المؤتمر على ضرورة مغادرتها لليبيا.

لكن تصريحات مفارقة نسبياً لمضمون البيان أشارت إلى مواقف متحفظة من جانب بعض المشاركين في المؤتمر، كتصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي بعد انتهاء المؤتمر، أشار فيه إلى رغبة "عدد من السياسيين الليبيين في تعديل القرارات التي اتخذت قبل عام في إطار خريطة الطريق للتسوية السلمية"، مشدداً على ضرورة أن تتاح فرصة لجميع القوى السياسية لتسمية مرشحها للمشاركة في الانتخابات، "بما في ذلك مؤيدو نظام القذافي".

مؤتمر باريس مساندة لشرعية قوانين الانتخابات؟

عضو مجلس النواب عبد الهادي الصغير أشاد ببيان المؤتمر، معتبراً إياه "مساندة لشرعية قوانين الانتخابات". وقال متحدثاً لـ"العربي الجديد" إنه "قطع الطريق أمام المعرقلين، ليس في مستوى دعم القوانين الانتخابية، بل أيضاً دعم عمل المفوضية العليا للانتخابات التي تعمل على التضييق عليها أطراف سياسية رافضة الانتخابات"، في إشارة إلى مواقف المجلس الأعلى للدولة الذي عبّر عن رفضه القوانين الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب أكثر من مرة.

بل اعتبر الصغير أن طلب المؤتمر من المفوضية العليا الالتزام بإعلان نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية "في وقت واحد" موافقة ضمنية من المشاركين في المؤتمر على قرار مجلس النواب بشأن إجراء الانتخابات بشكل متتابع، وليس في وقت واحد، وقال إن عبارة "حتى لا يحدث فراغ في السلطة" التي وردت في البيان دليل واضح على قناعة المجتمع الدولي بضرورة بقاء مجلس النواب في السلطة إلى حين ضمان الانتهاء من الانتخابات الرئاسية.

وحول إمكانية أن تخدم القوانين الانتخابية مصالح شخصيات في المشهد، كرئيس مجلس النواب عقيلة صالح وقائد مليشيات شرق ليبيا خليفة حفتر، وتقصي قادة أطراف أخرى، منهم رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، علّق الصغير بالقول "علينا أن نثق في قدرة الليبيين على اختيار من يمثلهم"، نافياً أن يقف قادة كل الدول التي شاركت في باريس لدعم مصالح أشخاص بعينهم وإقصاء آخرين.

في المقابل، يصف عضو المجلس الأعلى للدولة عبد الله القماطي بيان باريس بأنه لا يعكس أكثر من رؤية غربية تسعى بعض الدول المتنفذة في الأزمة الليبية لتحويلها إلى واقع على الأرض. وقال متحدثاً لـ"العربي الجديد": "كيف لهذه الدول إن كانت راغبة فعلاً في رؤية انتخابات ليبية نزيهة أن تغض الطرف عن المادة 12 من قانون انتخاب رئيس الدولة، وتترك مادة أخرى خاصة بمزدوجي الجنسية مفتوحة أمام شخصيات مثل حفتر، على الرغم من رفض عدد كبير من النواب وأعضاء بمجلس الدولة هذه القوانين بالجملة؟".

ويرى القماطي أن إصرار الدول الداعمة بيان باريس على إجراء الانتخابات وفقاً للتشريعات الانتخابية، التي تعمل وفقها مفوضية الانتخابات العليا، "سيزيد من تعقيد الموقف السياسي في ليبيا وربما يجره للأسوأ".

ملاحظات بشأن مستوى التمثيل الدولي في مؤتمر باريس

وقريباً من رؤية القماطي، يعتبر الناشط السياسي الليبي رمضان الشامي أن التمثيل الدولي في المؤتمر لم يكن كما سوقته الآلة الإعلامية، بل يراه "لا يمثل سوى إرادة غربية ترجمها الحضور الأميركي عالي المستوى والأوروبي نسبياً، في ظل غياب أطراف أخرى على صلة مباشرة بالأزمة الليبية"، مشيراً إلى غياب الكثير من القادة عن المؤتمر، وخفض مستوى التمثيل فيه لدى تلك الدول يعني رفضاً ضمنياً لأي مخرجات تصدر عنه. وأضاف "لم يكن سوى تسويقاً لرؤية فرنسية أو رغبة منها في الدخول في مشهد التجاذبات الدولية في الملف الليبي، لكن الجديد هنا أنه جاء بدعم أميركي وأوروبي".

ويصف الشامي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بيان باريس بـ"الضبابي"، موضحاً أنه "لم يكن هناك اتفاق حول الانتخابات وملف المقاتلين الأجانب، فالبيان تمّ سحبه مدة أربع ساعات بعد أن نشرته الخارجية الفرنسية إثر انتهاء المؤتمر، قبل أن يعاد نشره، والعالم كله شهد ذلك"، معتبراً أن سحبه يؤشر إلى حدوث اختلاف كبير في وجهات النظر حتى بعد إعادته.

ويرصد الشامي تلك الاختلافات في "تشديد البيان على ضرورة التقيد بموعد 24 ديسمبر لإجراء الانتخابات، ثم جاءت تصريحات لافروف ودراغي وغيره لتطالب بضرورة توافق الجهات التشريعية في ليبيا على القوانين الانتخابية"، لافتاً إلى أن البيان لم يتعدَّ الحث والدعوة واستخدام عبارات التأييد، ولم يخرج عن المؤتمر أي جديد.

وحول تلويح البيان بفرض عقوبات على معرقلي الانتخابات، قال: "الليبيون تعودوا على هذه التهديدات، فعقيلة صالح مثلاً كان إلى وقت قريب ضمن لائحة العقوبات الأوروبية، وحفتر وضعه كان أكثر صعوبة، وهو يواجه مطالب المثول أمام محكمة أميركية، والدبيبة لا تزال أمواله تحت التحفظ القضائي كونه من رموز نظام القذافي، لكن لم تؤثر تلك الإجراءات في فاعليتهم في المشهد السياسي والأمني"، مرجحاً أن تستمر الخلافات الليبية لتنسف كامل العملية الانتخابية بعد مؤتمر باريس "المنحاز" على حدّ وصفه.

فترة سياسية جديدة؟

موقف الشامي معاكس لرأي أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية عيسى الغزوي، الذي يرى أن مؤتمر باريس كان حازماً تجاه الخلافات الليبية، معتبراً أن دعوة قائدين في المشهد الليبي ليمثلا البلاد في المؤتمر دليل على ذلك التوجه الدولي لحسم الخلافات الليبية في أعلى سلطة الهرم السياسي، معتبراً أن الجميع وقع في فخ فتح القوانين الانتخابية أمام الجميع، وسدها نسبياً أمام شخصيات نافذة في المشهد.

ويوضح الغزوي رأيه لـ"العربي الجديد" بالقول إن "البعض منعته القوانين الانتخابية مثل الدبيبة والمشري، وفي المقابل، سيفرض الواقع على الأرض على شخصيات أخرى، مثل حفتر، عدم الترشح، نظراً للرفض الواسع لوجوده في سدة الحكم، وإمكانية أن يجر وصوله إلى الحكم البلاد إلى حرب جديدة. أما عقيلة صالح، فيعرف الوسط الليبي أن حظوظه منخفضة جداً في الحصول على الأصوات اللازمة".

ويؤكد الغزوي أن بيان باريس، وإن هدفت من خلاله فرنسا للرجوع إلى الملف الليبي طرفاً فاعلاً، إلا أنه يعكس انتظار المشهد الليبي فترة سياسية جديدة بوجوه جديدة، وقال "السؤال الآن يتوجه إلى ما يخطط له الغرب في ليبيا، بدعم أميركي، وما هي مصالح هذه الدول في المشهد السياسي الليبي الجديد".