قصف أربيل: عنوان جديد للتوتر الإيراني الأميركي

قصف أربيل: عنوان جديد للتوتر الإيراني الأميركي

17 فبراير 2021
قوة كردية في موقع سقوط صاروخ قرب مطار أربيل أمس الأول (يونس كيليس/الأناضول)
+ الخط -

في سيناريو شبيه باستهداف المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية، تعرّض مطار أربيل وقاعدة حرير، التي تؤوي جنوداً أميركيين، في إقليم كردستان العراق، إلى هجوم بصواريخ كاتيوشا، مساء أول من أمس الإثنين، أدى إلى سقوط قتيل أجنبي، وإصابة 9 آخرين، بينهم أميركيون متعاقدون في تطوير قاعدة حرير. وقد يمثل هذا التطور عنواناً جديداً للتصعيد بين الولايات المتحدة وإيران، التي سارعت إلى رفض اتهامها بالوقوف خلف الهجوم، الذي تبنّته جماعة غير معروفة تطلق على نفسها اسم "سرايا أولياء الدم"، في إشارة إلى زعيم "فيلق القدس" قاسم سليماني والقيادي في "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، اللذين قتلتهما أميركا.

وهذا هو ثاني هجوم من نوعه يستهدف مطار أربيل منذ سبتمبر/أيلول الماضي، حين تعرّض إلى 6 صواريخ من دون وقوع خسائر بشرية، واتهمت سلطات الإقليم آنذاك فصائل في "الحشد الشعبي" بشن الهجوم. وهجوم مساء الإثنين، هو الأول الذي يستهدف مرافق غربية عسكرية أو دبلوماسية في العراق منذ نحو شهرين، إذ يعود الأخير إلى منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، حين انفجرت صواريخ قرب السفارة الأميركية في بغداد. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هدّدت الولايات المتحدة بأنها ستغلق سفارتها في بغداد في حال استمرّت الهجمات الصاروخية، ما دفع المليشيات إلى الموافقة على هدنة دائمة.

نائب عراقي: المؤشرات ترجح تورط كتائب حزب الله في الهجوم

وتعليقاً على الهجوم، كتب رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، في تغريدة، أمس الثلاثاء، أن "العمل الإرهابي الذي استهدف إقليم كردستان يهدف إلى خلق الفوضى وخلط الأوراق". وأضاف الكاظمي، الذي أعلن عن تشكيل لجنة تحقيق مشتركة بين بغداد وأربيل، أن "هذا العمل الإرهابي يأتي (بالتزامن) مع الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة لتهدئة الأوضاع في المنطقة، وإبعاد البلد عن الصراعات، وأن لا يكون العراق حديقة خلفية لها". من جهته، هدد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في بيان، "بمحاسبة المسؤولين" عن العملية، وهو ما يشي بتكرار الهجمات التي شنتها طائرات أميركية، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ضد مليشيات في "الحشد الشعبي" اتهمتها بالوقوف وراء استهداف السفارة الأميركية في بغداد. وأضاف بلينكن أنه تواصل مع رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور البارزاني، لتأكيد "الدعم" الأميركي "الكامل" لإجراء تحقيق في الهجوم. ودان البارزاني، من جهته، الهجوم "بأشدّ العبارات"، فيما جاء في تغريدة للرئيس العراقي برهم صالح أن "استهداف أربيل الذي أوقع ضحايا، يُمثل تصعيداً خطيراً وعملاً إرهابياً اجرامياً".

وأسفر الهجوم على المطار وقاعدة حرير، الذي تم تنفيذه بـ14 صاروخ كاتيوشا، عن قتيل من جنسية أجنبية، يرجح أنها "فيليبينية"، فضلاً عن جرح 9، بينهم جندي أميركي. وبحسب بيان وزارة الداخلية في إقليم كردستان، فإنه تم العثور على سيارة من طراز "كيا"، على الطريق بين بلدة الكوير، التابعة لمحافظة نينوى، وأربيل، تم استخدامها في إطلاق الصواريخ، من دون أن توضح مزيداً من التفاصيل، كون المنطقة المحددة تمتد لأكثر من 70 كيلومتراً. لكن مصادر كردية أمنية في أربيل أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن الهجوم نفذ من داخل حدود إقليم كردستان، ومن مناطق سيطرة البشمركة، وهو ما يمثل تحدياً أمنياً كبيراً للإقليم، إذ يشير إلى اختراق المليشيات له، أو تجنيدهم شبكات تعمل لصالحهم هناك.

وتبنت مليشيا غير معروفة تدعى "سرايا أولياء الدم"، الهجوم، متوعدة بهجمات لاحقة. وقالت في بيان، تناقلته وكالات أنباء عراقية محلية، "اقتربنا من قاعدة الاحتلال (حرير) في أربيل لمسافة 7 كيلومترات، وتمكنا من توجيه ضربة قاصمة قوامها 24 صاروخاً، أصابت أهدافها بدقة، بعد أن فشلت منظومة CRAM وقذائف الاحتلال في اعتراضها، ما أدى إلى أضرار جسيمة بآليات ومخازن وطائرات الاحتلال، وسقوط العديد من الإصابات في صفوف عناصرهم المحتلة". وأضافت "لن يكون الاحتلال الأميركي بمأمن من ضرباتنا في أي شبر من الوطن، حتى في كردستان، التي نعدكم بعمليات نوعية أخرى فيها". ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤولين أمنيين قولهم إن اسم هذه المجموعة مجرد "واجهة" لفصائل مسلّحة معروفة موالية لإيران تريد انسحاب القوات الأجنبية من العراق.

وعمّ الصمت مختلف أتباع إيران في العراق. وحاولت وسائل إعلام تابعة لفصائل مسلحة، و"اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية" المدعوم من طهران، تجنّب متابعة أنباء الهجوم، والاكتفاء بالإشارة إلى حدوثه. كما لم يتطرق رئيس تحالف "الفتح" (الجناح السياسي لفصائل الحشد الشعبي) هادي العامري، خلال كلمة ألقاها في حفل في بغداد، إلى هجوم أربيل بشكل مباشر، مكتفيا بالقول إن "الوجود الأميركي في المنطقة لن يخيف الشعوب العربية".

وفي طهران، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، في تصريح صحافي، إن "المحاولات المشكوك في أمرها لنسب الحادث إلى إيران مرفوضة ومندد بها"، مؤكداً أن "إيران تعتبر استقرار العراق وأمنه أمراً محورياً للمنطقة والجيران، وترفض أي إجراءات لزعزعة الهدوء والأمن في هذا البلد". واعتبر أن هذه الهجمات "مشبوهة"، داعياً الحكومة العراقية إلى ملاحقة ومحاسبة العناصر المتورطة فيها و"إصدار الأوامر اللازمة" بهذا الشأن.

وحذرت الأمم المتحدة، أمس الثلاثاء، من خروج الوضع عن السيطرة في العراق. وشجبت ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، في تغريدة، "مثل هذه الأعمال الشنيعة والمتهورة" التي "تشكل تهديدات خطيرة للاستقرار". ودعت إلى "ضبط النفس والتعاون الوثيق بين بغداد وأربيل لتقديم الجناة إلى العدالة". ودانت مصر والأردن والإمارات والسعودية وتركيا ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي، الهجوم. وكتب وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، في تغريدة، أن "الهجوم على قوات التحالف والمدنيين في أربيل عمل شائن وغير مقبول. لن يغفر العراقيون للفصائل المسلحة التي تعرّض استقرار العراق للخطر".
في المقابل، قالت مصادر سياسية من إقليم كردستان، لـ"العربي الجديد"، إن "جميع الدلائل تشير إلى أن الجهة المنفذة لهذا الهجوم الإرهابي هي من الجماعات المسلّحة الموالية لإيران. وعلى الرغم من إعلان مليشيا سرايا أولياء الدم تبني الهجوم، إلا أن المتهمة الأساسية هي مليشيا كتائب حزب الله".

علي الحسيني: الاتهامات للحشد الشعبي لخلق ذريعة لاستهدافه

وأعلن مسؤول في حكومة الكاظمي، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "الرد الأميركي محتمل على الهجوم، لكن لا أحد حتى الآن يعرف حجمه أو متى". من جهته، قال نائب في لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي إن قيادات سياسية تواصلت مع صالح والكاظمي، من أجل احتواء الموقف. وأضاف، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن المؤشرات ترجح تورط كتائب حزب الله في الهجوم، واستخدمت اسم تشكيل جديد، وهو أولياء الدم للتغطية أو المناورة"، من دون أن يستبعد "حصول الكتائب على المساعدة من أطراف كردية مناوئة لأربيل، مثل حزب العمال الكردستاني، الذي ينشط في مناطق شمال أربيل وشرقي دهوك". واعتبر أن الحديث عن رد عسكري أميركي "مجرد تكهنات في الوقت الحالي".

مقابل ذلك، قال المتحدث باسم "الحشد الشعبي" في محور الشمال، علي الحسيني، لـ"العربي الجديد"، إن "الصواريخ انطلقت من مناطق خارج سيطرة الحشد الشعبي". واعتبر أن "الاتهامات ضد الحشد الشعبي جاهزة من قبل إقليم كردستان وبعض الأطراف السياسية، وهذه الاتهامات تأتي من أجل خلق ذريعة لاستهداف الحشد أو قيادته من قبل الولايات المتحدة". وأضاف "ننتظر إكمال التحقيقات، وأي جهة يثبت تورطها في عملية قصف أربيل سيكون لها حساب وعقاب مهما كانت. ولا نستبعد وجود أطراف داخلية أو خارجية تقف خلف عملية القصف، بهدف خلط الأوراق وإثارة الفتنة وزعزعة الأمن والاستقرار، وحتى تكون هناك ذريعة لضرب الحشد الشعبي وقادته".

لكن القيادي في الحزب "الديمقراطي الكردستاني" الحاكم في أربيل، عماد باجلان، قال لـ"العربي الجديد"، إن "عملية قصف أربيل، انطلقت من مناطق سيطرة الحكومة الاتحادية في نينوى. والهجوم له رسائل أمنية وسياسية كثيرة، أغلبها للجانب الأميركي، تفيد بأننا قادرون على الوصول إليكم في أربيل، وأخرى سياسية لحكومة كردستان بأننا قادرون على زعزعة أمنكم أيضاً". واعتبر أن عملية القصف "لن تمر مثل سابقاتها. كما أن الجانب الأميركي سيكون له موقف حيال ما حصل في أربيل، خصوصاً بعد تسجيل إصابات بين الأميركيين. فربما يكون هناك رد سريع على الجهات المتورطة في هذه الأعمال، خصوصاً أنها معروفة ومتابعة من قبل واشنطن". وتابع أن "الجهات التي تقف خلف عمليات القصف في أربيل، هي نفسها من تقف خلف عمليات قصف المنطقة الخضراء".

أما الباحث السياسي في إقليم كردستان هيوا عثمان، فاعتبر أن القصف "رسالة إيرانية واضحة إلى الإقليم والولايات المتحدة". وأوضح، في تعليق على "فيسبوك"، أن "ما رأيناه في أربيل ومطارها هو رسالة إيرانية واضحة إلى الإقليم والولايات المتحدة. نوع الصواريخ، والمنصة التي أطلقت منها، واسم الجماعة التي تبنت الهجوم ولغة البيان جميعها تقول لنا: صنع في إيران". من جهته، قال الخبير الأمني والعسكري العراقي سعد الحديثي، لـ"العربي الجديد"، إن الهجوم على أربيل فتح مرحلة جديدة من التصعيد، إذ تم التخطيط والتنفيذ من مناطق نفوذ المليشيات المسلحة الموالية لإيران.

المساهمون