سورية... إدارة الاحتلال الروسي

سورية... إدارة الاحتلال الروسي

18 يونيو 2021
يراهن الكرملين على نشوء حالة تتعايش مع احتلاله لسورية (Getty)
+ الخط -

على مستوى المصالح بين الطرفين الأميركي والروسي يبدو أن مصطلح "إدارة الأزمات" أقرب توصيف لنتائج قمة الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، في جنيف الأربعاء الماضي.
ويشمل ذلك ملفات على تماس بالحلفاء الأوروبيين، في أوكرانيا وبيلاروسيا والبلطيق، مثلما يبدو أن الملف السوري مستمر في نزيفه، والذهاب به إلى تركيز على الجوانب الإنسانية، مثل ممرات مساعدات وتحسين أوضاع مناطق، أكثر من حلول جذرية. صحيح أن الجانب الأميركي كان مقتضباً، بتحديد "مصالح الشعب الأميركي" في العلاقة مع روسيا، ومن بينها الهجمات السيبرانية ومنع التدخل في الانتخابات، وغيرها من قضايا أحيلت للجان متخصصة بين الجانبين، إلا أن بوتين كشف عن وجه حقيقي لاختلال مفهوم الحريات والديمقراطية عند منظومة حكمه.
في ما خص سورية، من الواضح أن الكرملين يستخدمها كورقة قوة للإيحاء أن بلده "قطب عالمي" على الطريقة السوفييتية القديمة، بغض النظر عما إذا كان تدخل بتفويض أميركي، كما يُقال. ويسعى الكرملين، وسط غياب عربي واضح، إلى تحويل سورية، ومستقبل شعبها، إلى مجرد قضايا ممرات "إنسانية" وإعادة إعمار. وترسيخ الاستبداد في سورية لا ينم عن سذاجة سؤال بوتين عن "البديل" لبشار الأسد، وكأن مهمة إنتاج بدائل ديمقراطية منوطة بما يتوصل إليه من "صفقة" مع الغرب، وليس شأناً يخص الشعب السوري.
يكشف استعراض بوتين، في المؤتمر الصحافي المطول، لسؤال الديمقراطية وحقوق الإنسان عن عمق الطبيعة الانتهازية لنظام يتحول إلى احتلال، يساهم في قمع وقتل وتشريد شعب كامل. فعند الرجل تبدو الديمقراطية هي المشكلة، في استحضاره حادثة اقتحام الكونغرس الأميركي، وتظاهرات "حركة حياة السود مهمة". وعليه من البديهي أن يمعن بوتين في دفاعه عن أنظمة، يقودها مثل بشار الأسد والرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.
في المحصلة فإن طريقة تفكير بوتين لا تبشر باقتراب نهاية مأساة دعم نظام دمر بلاده وشرد شعبه، ويصر على ترسيخ القسمة الجغرافية والمجتمعية، واختراع نظام "مركزي طائفي" بشكل غير مسبوق، في علانية توزيع مهام المحافظة على "سورية المفيدة"، وفق عقيدة غروزني الروسية. وفي الترجمة العملية فإن اختيار "إدارة الأزمة"، في ظل غياب عمل سوري معارض، واضح في فعاليته واستقلاله عن حسابات الخارج، في مواجهة حالة استعصاء الاحتلالين الروسي والإيراني، يعني أن المسألة ستخضع لمقايضات حول "ممرات إنسانية"، تأخذ البلد، مع غيره في الإقليم، نحو كوارث أكبر مستقبلاً، بدل الالتزام بعملية إنهاء منظومة حكم مأزوم، وفق القرار 2254 و"بيان جنيف". 
ويراهن الكرملين على نشوء حالة دولية، بما فيها عربية، سلبية وغير فاعلة، تتعايش مع احتلاله لسورية، كما مرر، خلال السنوات الماضية، احتلال شبه جزيرة القرم. ومن المؤسف، وسط وضوح اشتداد التنافس الإيراني-الروسي على منظومة حكم دمشق، أن تشكل الحالة العربية غطاء يشرعن مآلات الكارثة السورية، بكل انعكاساتها المفككة والمطيفة لمجتمعها على مجتمعات الجوار والمصالح العربية عموماً.
وليس غريباً اختيار الأنظمة العربية، سياسة أقرب للتحالف مع المستبدين، بأوهام المراهنة على تقليم موسكو لأظافر طهران في سورية، ما سيعني مرة أخرى نشوء حالة عالمية تقول، كما العادة في استقالة العرب من مصالحهم، إنه "إذا كان العرب أنفسهم لا يأبهون بالكارثة السورية فلم يتدخل الغرب؟".