سورية: أوهام إنقاذ عربي

سورية: أوهام إنقاذ عربي

07 مايو 2021
ربط الأسد ثورة السوريين ضدّه بـ"المؤامرة الكونية" (كرم المصري/فرانس برس)
+ الخط -

في أحد لقاءات رأس النظام السوري، بشار الأسد، في قصر المهاجرين بدمشق، مع "مجموعة الشباب العربي"، نقل عنه قوله في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، إن "العرب سيأتون إلى دمشق معتذرين". مقولة جرى تلحينها وأداء تفاصيلها على شاشات وصفحات إعلام حقبتي غازي كنعان ورستم غزالي في بيروت، وفي دمشق نفسها.  

وفي تفاصيلها، مع الحديث عن "المؤامرة الكونية"، أن ثورة السوريين، التي كان الأسد نفى أصلاً احتمال حصولها في مقابلة مع "وول ستريت جورنال" في يناير/كانون الثاني من العام ذاته، لم تخرج إلا بسبب "الوهابية"، و"حلم الإمبراطورية العثمانية"، و"المواقف العروبية، وقول لا لأميركا"، لا بسبب الفساد والاستبداد وغياب الحرّيات. وغير بعيد عن خطاب المؤامرة، غُيّب نائب الرئيس فاروق الشرع، لمصلحة خطاب "مسؤول الدبلوماسية" الراحل وليد المعلم: "سنعطي العالم دروساً في الديمقراطية"، بعد دستور العام 2012.  

وعلى الرغم من عنتريات تصريحات وتسريبات قصر المهاجرين، آنذاك، لم تنقطع الوفود الخليجية والتركية (حتى العام 2012)، لتحاول بالدبلوماسية، والاستثمار المالي وبالنصائح، فتح أفق مختلف عن الرصاص المنهمر على المتظاهرين، من حوران إلى بانياس. بيد أن الأسد اختار عنوان صحيفة "الوطن"، عن أن "سورية لا تحتاج نصائح".  

سورية التي تهرول إليها بعض الأنظمة، التي وصفها الأسد في العام 2006 بـ"أشباه رجال"، أحالها النظام الأمني، وحليفاه الروسي والإيراني، إلى بلد مهلهل، مستباح باحتلالات متعددة، ومقسّمٍ إلى مناطق نفوذ، ولا يغادره طيران الاحتلال الإسرائيلي. وعلى أنقاض مدن وشعب مهجّر، يأتي وهمٌ عربي آخر عن "احتواء" الأسد، لإبعاده عن النفوذ الإيراني. 

هي سياسة جُرّبت قبل وبعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في العام 2005، والنتيجة صفرية. فطهران، الباحثة عبر أذرعها عن تحقيق مصالحها القومية الضيّقة، لا تتخلى ببساطة عن استثمارها الدامي، لا في دمشق ولا في عواصم غيرها، هذا عدا عن استثمارات موسكو وفق "عقيدة غروزني"، بل هي تجبر النظام الرسمي العربي على الرضوخ للأمر الواقع.  

كان أمام العرب فرص كثيرة للجم ضياع دمشق، كغيرها من العواصم، وذلك نقاش آخر يحتاج قبله إلى إعادة النظر في حالة عربية مفعولٍ بها، نتيجة الإصرار على قراءة حقوق البشر كمعول هدم لـ"الدولة"، حيث يُخلط عن قصد النظام بالدولة.   

وفي العموم، فإن نظام دمشق، المتجه إلى مسرحية انتخابية هزلية في "ديمقراطية جمهورية الوراثة"، يستحيل على أي جهد عربي إعادة تسويقه، لا بين السوريين ولا على المستوى الجنائي الدولي، مهما بدا تحقيق العدالة مؤجلاً. عدا عن استحالة عودة السوريين إلى ما كانوا عليه حتى العام 2010. 

فثمة ثابت سوري مترسخ منذ العام 1979 بالتصاق النظام بإيران. والحق يُقال إنه لم يكن في خيال حافظ الأسد تحول "قلب العروبة النابض" إلى مربعات أمنية، يديرها "فيلق القدس" و"فيالق موسكو"، وتوابعهما متعددو الجنسيات. ولم يكن في خيال سوريي "الاستقلال" أن يجري احتفال "عيد الجلاء" في قاعدة محتل آخر، كروسيا، وأن تصير سيادة البلاد إلى مناطق نفوذ بين الروس والأميركيين والأتراك، وغيرهم، وأن يصير مبعوثو طهران وموسكو أصحاب "القرار العروبي الوطني"، وأن تفضل تل أبيب، تصريحاً وتلميحاً، استمرار حكم آل الأسد والديكتاتورية، وهذا التشظي الذي صنعته عقلية "الأسد أو نحرق البلد". 

في سورية، بعد العام 1973، حكايات يعرفها شعبها عن نظامهم الوظيفي في علاقاته الخليجية. في إعلام "الصمود والتصدي"، لم يكن الخليجيون سوى "الرجعية العربية". وعلى الرغم من ذلك، ظلّت أعين مافيا الحكم دائماً على محافظ الخليج المالية. في بروتوكولات الزيارات الرسمية، كان لزاماً وضع زيارة إلى أطلال "القنيطرة المدمرة"، وظلّ المال الخليجي يتدفق على هذه الأطلال باسم "الصمود" وإعادة إعمار القنيطرة، التي مُنع أهلها من العودة إليها حتى يومنا. 

اليوم، أمام نظام دمشق أطلال ممتدة من الشمال إلى الجنوب. وبقدر ما فعلت آلة التدمير "الوطنية"، ولاحقاً بمعاونة "عاصفة السوخوي" الروسية (التي تغنى بها إعلام "محور الممانعة")، ستتوسع بكائيات "الحرص على الشعب السوري"، ومواجهة "مشاريع الإمبريالية". 

ويبقى الثابت كما كان سابقاً، مضافاً إليه أن "سورية الأسد" تحول نظامها إلى منسّق للاحتلالات، ووظيفته في حواضر سورية "التحكم بأسعار المواد الغذائية"، لا أكثر ولا أقل. ولا أحد يعلم ما إذا كان "المال الخليجي" سيقع مرة أخرى فريسة تجميل منجزات طهران، بعدما صنع التطهير الديمغرافي سورية أخرى، غير التي عرفوها سابقاً.

المساهمون