تونس: من المستفيد من إقحام السفراء في الأزمة السياسية؟

تونس: من المستفيد من إقحام السفراء في الأزمة السياسية؟

04 مارس 2021
ملف العلاقات الدبلوماسية محلّ خلاف بين سعيّد والغنوشي (الأناضول)
+ الخط -

شهدت الأيام الأخيرة في تونس تحركات دبلوماسية متعددة، شملت لقاءات لعدد من السفراء برؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة. وبينما حضرت في اللقاءات الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، أثارت هذه الاجتماعات مجدداً النقاش بشأن ملف العلاقات الدبلوماسية، الذي لطالما شكّل نقطة صراع، خصوصاً بين رئيس الجمهورية قيس سعيّد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي.
والتقى عدد من السفراء الأجانب بسعيّد والغنوشي ورئيس الحكومة هشام المشيشي، بدعوة من هؤلاء، بما يوحي بأنّ هناك أزمة كبيرة بدأت تتوسّع وتخرج عن نطاقها الداخلي. وكتب سفير الاتحاد الأوروبي في تونس، ماركوس كورنارو، منشورا على صفحته بموقع "فيسبوك"، الإثنين الماضي، قال فيه: "خلال الشهر الماضي، تشرفت بلقاء العديد من الفاعلين السياسيين. يظلّ المأزق السياسي والمؤسساتي الذي تمر به البلاد مصدر قلق... أشاطر وجهة النظر التي تفضل الحوار الهادئ والمسؤول لحل الصعوبات".

تؤشر المواقف المعلنة من قبل السفراء إلى درجة الخطر التي وصلت إليها الأوضاع في تونس

والإثنين الماضي أيضاً، أكد السفير الألماني في تونس، بيتر بروغل، عقب لقائه الغنوشي، أنّ "ألمانيا تدعم مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، وتأمل في أن تتجاوز البلاد حالة الانسداد السياسي حتى تتفرّغ مختلف القوى الوطنية والمؤسسات للاضطلاع بأدوارها، وتوجيه طاقاتها لمواجهة التحديات المطروحة". ودعا، بحسب بيان للبرلمان التونسي، إلى أن "يسهم مجلس نواب الشعب في تذليل الصعوبات عبر تطوير النصوص القانونية والتشريعات لتحقيق تعاون أفضل في مختلف المجالات".

وتؤشر المواقف المعلنة من قبل السفراء إلى درجة الخطر التي وصلت إليها الأوضاع في تونس، إذ تعكس تدخلاً، ولو بشكل غير مباشر، في الأوضاع الداخلية التونسية، ولكنها في الوقت نفسه تشير إلى دفع السلطات التونسية لشركائها المهمين، إلى التعبير علناً عن انزعاجهم من المأزق، بالإضافة إلى أنّ إقحام السفراء من الجانب التونسي في خلافات داخلية يدفع إلى الاستغراب والتساؤل عن أهداف ذلك.

وتسابق الرؤساء الثلاثة أخيراً للقاء سفراء الدول الأجنبية في تونس. إذ التقى الغنوشي بالسفير الألماني، ومن قبله بالسفير الأميركي، دونالد بلوم، محاولاً تفسير أسباب الأزمة ووجهة نظره لحلها. بدوره، عقد سعيّد، بقصر قرطاج، قبل أيام، اجتماعاً مع سفراء البلدان الأفريقية، ومن قبلهم مع سفراء دول الاتحاد الأوروبي، يتقدمهم رئيس بعثة الاتحاد في تونس السفير ماركوس كورنارو، في 23 فبراير/شباط الماضي. وتحدّث سعيّد لضيوفه عن "الصعوبات السياسية والأزمة المستفحلة في البلاد، والخلافات المتكررة التي لا تنتهي". وحاول بدوره تفسير أسباب هذه "الخلافات العميقة المتعلقة بانعدام الاستقرار السياسي"، مستخدماً مصطلحات لا تطمئن شركاء تونس على الوضع في البلد، ومتحدثاً عن ملفات شائكة مع الاتحاد الأوروبي من بينها الهجرة غير النظامية.

وفي القصبة (المقر الحكومي)، اجتمع المشيشي في 27 فبراير الماضي، بسفراء مجموعة الدول السبع الصناعية (الولايات المتحدة، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، اليابان، إيطاليا، وكندا) وسفير الاتحاد الأوروبي بتونس، ليقدّم وجهة نظره أيضاً حول الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد.

تدل اللقاءات بوضوح على حالة الانقسام الشديد التي تمر بها السلطات التونسية

وتثير هذه الأجواء مخاوف من أن تكون هناك مشاكل أكبر من المعلن عنها في تصريحات الرؤساء الثلاثة، وأن يكون كل طرف بصدد التمهيد لترتيبات مستقبلية بشأن حلّ الأزمة السياسية في البلاد. كما تدل هذه المواقف واللقاءات بوضوح على حالة الانقسام الشديد التي تمر بها السلطات التونسية، ووصول صراعاتها الداخلية إلى الخارج، فيما يحاول كل منها التسابق لتفسير وجهة نظره لشركاء تونس بشأن الأزمة السياسية. مع العلم أنّ ملف العلاقات الدبلوماسية يمثل أصلاً مصدر خلاف بين سعيّد والغنوشي منذ أشهر.

وكان الأمين العام لـ"الاتحاد العام التونسي للشغل"، نور الدين الطبوبي، أكد في تصريح للإذاعة الوطنية التونسية في 22 فبراير الماضي، أنّ "أصل أزمة رئيس الجمهورية ليست مع المشيشي، وإنما مع الغنوشي، في استقبال السفراء وفي التصرف كرئيس جمهورية". ولطالما ردد سعيّد نفسه أنّ للبلاد رئيسا واحدا، بما يعكس انزعاجه من هذا الأمر.

في السياق، قال المحلل السياسي، عبد المنعم المؤدب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "ملف الدبلوماسية والعلاقات الخارجية لطالما كان محل تنازع بين رؤساء البلاد، بسبب مسألة توزيع الأدوار، وتباين فهم القوانين المنظمة لهذا الأمر بين السلطات". وأضاف: "فإن كان الدستور منح رئيس البلاد حصراً اختصاص قيادة سفينة الدبلوماسية الرسمية، وتمثيل الدولة في المحافل الدولية، على أن يساعده في ذلك وزير الخارجية ورئيس الحكومة، فإنّ النظام الداخلي لمجلس الشعب منح رئيس البرلمان والبرلمانيين اختصاص الدبلوماسية البرلمانية، التي تعدّ أكثر مرونة وتحرراً من الدبلوماسية الرسمية، من خلال تمثيليات برلمانية في البرلمانات الدولية والإقليمية، تساند وتناصر وتتكامل مع رئاسة الدولة".

وأوضح المؤدب أنّ تونس "عرفت بعد الثورة ما سمي بالدبلوماسية الشعبية، التي يحركها رؤساء الأحزاب والمنظمات غير الأهلية، وهي دبلوماسيات غير ملزمة للدولة ومؤسساتها". وأشار إلى أنّ "الملف الخارجي كان منذ بداية العهدة البرلمانية بعد انتخابات 2019، محلّ خلاف بين سعيّد الذي يقود الملف الخارجي وفق رؤيته الخاصة، وبين الغنوشي، زعيم حركة النهضة النشط دبلوماسياً، حتى من قبل توليه رئاسة البرلمان، والذي تمتد علاقاته بعيداً عن الأطر الضيقة التي يحددها سعيّد".

المؤدب: الأداء الدبلوماسي المتذبذب لرئيس الدولة خلّف شغوراً وفراغاً واضحاً

واعتبر المؤدب أنّ "لقاءات رئيس البرلمان مع السفراء، على غرار لقائه الأخير مع السفير الأميركي، تدخل في ما يسمى بلقاءات المجاملة النابعة من صميم أعراف التمثيليات الدبلوماسية في عموم الدول. وكانت هذه اللقاءات خلال العهدة البرلمانية الماضية أمراً عادياً، لاعتبار أنّ الرؤساء الثلاثة كانوا من الحزب والإيديولوجيا نفسها (نداء تونس)، بينما أصبحت اليوم محلّ نزاع واختلاف بين سعيّد والمشيشي والغنوشي بسبب الاختلافات الفكرية بينهم".

ورأى المؤدب أنّ "تكثيف لقاءات المسؤولين الأول في البلاد، مع سفراء كبرى الدول وممثليها، على غرار لقاء سعيد بسفراء الاتحاد الأوروبي، ولقاء السفير الأميركي دونالد بلوم برئيسي الحكومة والبرلمان، يشير إلى أنّ تونس محل اهتمام كبير، ومحط أنظار كبرى الدول، بسبب فرادة التجربة التونسية من جهة، ومن جهة أخرى بسبب الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتردي والخطير الذي بات يهدد هذه التجربة". واعتبر أنّ "الأداء الدبلوماسي المتذبذب لرئيس الدولة، والغموض الذي يكتنف سياسته الخارجية، وشح مشاركاته في الفعاليات وعزوفه عن التنقل خارجياً، إلا من زيارات محدودة من خلال انتقائه مناسبات ومحافل محددة، خلّف شغوراً وفراغاً واضحاً، وهو ما يفسّر مساعي ملء هذا الفراغ، وسدّ الشغور من قبل رئيس البرلمان أو من زعماء أحزاب". وختم بالقول: "لا مكان للفراغ في مثل هذه المجالات... فالطبيعة تأبى الفراغ".

المساهمون