تونس: ماذا بعد تمرير البرلمان قانون المحكمة الدستورية؟

فصول "المواجهة" مع سعيد: ماذا بعد تمرير البرلمان التونسي قانون المحكمة الدستورية؟

06 مايو 2021
 ينتهي بعد غد السبت الموعد الدستوري للمصادقة على قانون المحكمة الدستورية (الأناضول)
+ الخط -

ينتهي، بعد غد السبت، الموعد الدستوري للمصادقة على قانون المحكمة الدستورية أو الطعن فيه بعد مصادقة البرلمان، الثلاثاء، على القراءة الثانية للتعديلات إثر رده من الرئيس التونسي قيس سعيد، لتنطلق جولة جديدة من المواجهات الدستورية والسياسية مع الحزام البرلماني لرئيس الحكومة هشام المشيشي، لا سيما مع الحديث عن نوايا رفض إصدار القانون والمصادقة عليه من سعيد.

ودخلت تونس مرحلة جديدة من أزمة الحكم بين الرئيس والائتلاف البرلماني الحكومي، تجسدت في عملية ليّ ذراع دستورية وصراع صلاحيات تعيش على وقعه البلاد منذ أشهر.

وانطلقت أطوار الأزمة برفض سعيد التعديل الوزاري لما اعتبرها خروقات دستورية لوجود شبهات فساد بحق البعض لم يقدم أي دليل بخصوصها، فيما يعتبر المشيشي أن التعديل الوزاري من صلاحيته كرئيس الحكومة وسانده في ذلك حزامه البرلماني، ليتم تمرير التعديل بمصادقة البرلمان متجاوزاً تحذيرات رئيس الدولة.

وردّ سعيد بتعطيل مباشرة الوزراء الجدد لمهامهم، منذ 26 يناير/ كانون الثاني الماضي، رافضاً دعوتهم لموكب أداء اليمين وإصدار أمر التعيين الرئاسي، لتتصاعد وتيرة التهديدات بعزل الرئيس بعد إبلاغ المحكمة الدستورية التي ستفتي بذلك وتقطع الطريق أمام انفراده بتأويل الدستور، وسارع البرلمان إلى تعديل قانون المحكمة الدستورية لتسريع إرسائها.

من جانبه، ردّ سعيد القانون المعدل للمحكمة الدستورية بعدما أقرّه البرلمان في 25 مارس/ آذار، معللاً ذلك بتجاوز الآجال التي نص عليها الدستور، وهي السنة الأولى بعد المصادقة في 2014.

وقال سعيد، بصريح العبارة، إنّ "هناك من يريد إرساء محكمة لتصفية الحسابات"، وأعاد النص إلى البرلمان لقراءة ثانية تتطلب أغلبية معززة بثلاثة أخماس يصعب تجميعها في ظل الشتات والخلافات البرلمانية، غير أنّ المفاجأة جاءت بتوافق سياسي واسع جمع قرابة ثلثي البرلمان ضد الرئيس، ليصادق البرلمانيون على النص من جديد بتصويت 141 نائباً (من أصل 217) على القانون بنفس صيغته. 

وأكد النائب عن "حركة الشعب"، ورئيس لجنة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد بالبرلمان، بدر الدين القمودي، في تصريح صحافي، أنّ "رئيس الجمهورية قيس سعيد لن يصادق على مشروع تنقيح القانون الأساسي للمحكمة الدستورية، لأنه خارج الآجال الدستورية وفق الفصل 148 من الدستور، إلى جانب الإخلالات القانونية والشكلية التي تمت في جلسة البرلمان وفق التدابير الاستثنائية". 

وذهب شقيق الرئيس، نوفل سعيد، إلى التأكيد على أنّ مصادقة البرلمان "لا تعني أنّ القانون أصبح دستورياً"، كاتباً، أمس الأربعاء، على صفحته الرسمية في "فيسبوك": "الآجال الدستورية لإحداث المحكمة الدستورية هي آجال آمرة... المحكمة الإدارية حسمت الموضوع منذ 2015.... التصويت الثاني على مشروع قانون لا دستوري لا يُصَيِرُه دستوريا... باستعماله حق الرد، رئيس الجمهورية منح مجلس النواب فرصة إضافية لتدارك اللادستورية... ولم يفعل.. رئيس الجمهورية يبقى أولا وأخيرا هو الساهر على احترام علوية الدستور... الذي أقسم على احترامه... هذا هو منطق دولة القانون... ما زاد على ذلك يدخل في خانة السرديات السياسية...".

وأشعلت تدوينة شقيق الرئيس والتلميح إلى امتناع سعيد عن المصادقة على القانون غضب الائتلاف الحكومي؛ بسبب ما اعتبره من جهة تدخل العائلة في شؤون الدولة، ومن جهة أخرى تواصل تعطيل دواليب الدولة ومضي الرئيس في خرق قواعد الدستور. 

وبيّنت القيادية والنائبة عن حزب "النهضة" زينب البراهمي، أنّ "خيار الرئيس الذهاب إلى صلاحية الرد، وتجاوز آجال الطعن في دستورية القانون أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، هما إقرار ضمني بدستورية النص". 

وقالت البراهمي، في تدوينة على حسابها في "فيسبوك"، إنه "بعدما منح مجلس نواب الشعب فرصة ثانية لرئيس الجمهورية لتدارك تأويله الخاطئ للدستور، تدخلت اليوم مؤسسة لا دستورية في علاقة السلطة التشريعية برئيس الجمهورية وهي مؤسسة الشقيق".

وتابعت أنّ "التدخل السافر، أو الاعتداء المتواصل على الدستور من قبل تلك المؤسسة اللادستورية "مؤسسة الشقيق"، كفيل لوحده للتأكيد على ضرورة إرساء المحكمة الدستورية في أقرب الآجال".

تقارير عربية
التحديثات الحية

ودخل شقيق سعيد في سجال وجدال قانوني عبر رسائل مفتوحة مع المقرر العام للدستور والقيادي بحزب "النهضة"، الحبيب خضر، الذي أكد أنه "في دولة القانون إن لم يختم الرئيس مشروع القانون في الأجل الدستوري (وأقصاه 8 مايو/ أيار الجاري) فإنه يقع في خرق متواصل للدستور".

واستنكر رئيس المكتب السياسي ومساعد رئيس البرلمان، عبد اللطيف العلوي، ما وصفه بـ"التدخل السافر لشقيق الرئيس الذي لا يملك صفة رسمية ولا شبه رسمية ليتدخل في موضوع خلافي، منصّباً نفسه متحدثاً باسم الرئاسة وباسم نوايا الرئيس".

وأكدت أستاذة القانون الدستوري منى كريم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "الاختلاف والخلاف الدستوري خرجا عن طابعهما القانوني إلى طابعهما السياسي، بداية بعدم تضمّن رد الرئيس أي تعديل للقانون أو مقترح لتجويد النص الدستوري بهدف تجاوز الأزمة، وكذلك البرلمان أعاد النص كما هو دون تعديل متجاوزاً قراءة الرئيس وانتقاده لبعض الأحكام المتعلقة بالآجال والإحداث"، مشيرة إلى أنّ التوتر والاحتقان تصاعدا بين الطرفين.

وبيّنت أنّ "كل السيناريوهات ممكنة برفع الرئيس فيتو عدم المصادقة على القانون المعدل، وهو ما تكشفه بعض التصريحات والمؤشرات التي تؤكد أنّ سعيد لن يناقض نفسه، بعدما رد القانون إلى البرلمان لما اعتبرها خروقات دستورية"، متسائلة ما إذا كان سيختمه في نفس صيغته الأولى.

ولفتت كريم إلى أنّ "فصلاً من المواجهة يتجدد بين طرفي الخلاف ويتواصل، خصوصاً في ظل عدم وجود أي تبعات لرفض سعيد المصادقة على القانون، كما فعل مع رفض أداء اليمين الدستورية، ولسابقة بقاء قانون تعديل قانون الانتخابات الذي صادق عليه البرلمان في 2019 معلقاً دون مصادقة ونشر".

وتابعت أنّه "لا وجود لصلاحية دستورية تمنح الرئيس حق الامتناع عن المصادقة، بل هي آلية مكتسبة منحها لنفسه في غياب المحكمة الدستورية"، مشيرة إلى أنّ "الأزمة تدور في حلقة مفرغة ولا حل سوى حوار وطني حول المحكمة الدستورية وسبل إرسائها".

المساهمون