تونس في حالة انتظار: عد عكسي لـ27 فبراير

تونس في حالة انتظار: عد عكسي لـ27 فبراير

24 فبراير 2021
لعبة الشارع دقيقة وذات حدين (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تستمر معركة كسر العظم بين رئيس الجمهورية التونسي، قيس سعيّد، وخصومه، وفي مقدمتهم راشد الغنوشي بصفتيه رئيس البرلمان ورئيس حركة "النهضة". لكن هذه المعركة لم تخرج حتى الآن عن إطارها السلمي والسياسي، ولم تنقلب إلى مواجهة مفتوحة تستعمل فيها كل وسائل الصراع. فالتكتيك الذي اختاره رئيس الجمهورية، هو إعطاء ظهره لمخالفيه بمن فيهم رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان. لا يتحدث معهما ولا يجيب على رسائلهما. بابه مغلق وبرنامجه اليومي مختلف. وبذلك تمّ تجميد مؤسسات الدولة، وفتح المجال لمزيد من أسباب إضعافها وإرباكها. وإلى أن يأتي ما يخالف ذلك، تونس في حالة انتظار.

في رد فعل مفاجئ، كتب نوفل سعيّد، شقيق الرئيس، على صفحته بموقع "فيسبوك" الخميس الماضي، المنشور التالي، مرفقاً بصورة قيس سعيّد: "قولوا عنّي ما تشاؤون... قولوا عنّي كلّ ما تريدون... قولوا عنّي ذلك هو المجنون... قولوا عنّي خالف نواميس الفنون... قولوا عنّي جاء قبل الوقت أو بعده بقرون... المهم... لن تغمض لكم بعد اليوم جفون... ولن تضحكوا أكثر على الذقون". تدوينة فاجأت الجميع، سواء في أسلوبها أو في دلالاتها، وجعلت البعض يصفونها بكونها "رسالة تهديد"، وهو ما دفع بكاتبها نحو توضيح موقفه سريعاً، بالقول إنّ "تدويناتي تلزمني وحدي ولا تلزم أي جهة أخرى، سواء كانت رسمية أو غير رسمية". لكن على الرغم من ذلك، فقد أكدت تلك الفقرة الصغيرة أنّ رئيس الجمهورية غاضب، وأنه مصرّ على التمسّك بموقفه الرافض لأي شكل من أشكال التنازل.

يشعر الأوروبيون بقلق تجاه الأزمة السياسية الحاصلة حالياً

على الرغم من تأكيده على أنّ الأزمة السياسية القائمة حالياً هي "تونسية تونسية"، إلا أنّ ذلك لم يمنع سفير الاتحاد الأوروبي في تونس، ماركوس كورنارو، من القول إنّ البلد "لا يحتمل مزيداً من الأزمات، ويستوجب عقلية مسؤولة من الجميع، والأمر سيكون خطيراً، إذا ما تمّ اللجوء إلى الشارع والاحتكام إليه".

يكتسب هذا التصريح أهمية كبرى، فهو يتضمن رسالة واضحة من قبل أهم شريك لتونس وهو الاتحاد الأوروبي، مفادها أنّ ما يجري في تونس لا علاقة له بالعقلانية المطلوبة في مثل هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد. وكأنه ضمنياً يذكّر المسؤولين بأنّ الاتحاد لا يمكنه أن يواصل دعمه لتونس إذا استمرت حالة الفوضى السياسية. لهذا، أشار السفير إلى أنّ تونس التي تعتبر "الشريك المميز"، تحظى سنوياً بدعم مالي قدره 300 مليون يورو "وهو الأعلى بين دول الجوار". لهذا السبب، يشعر الأوروبيون بقلق تجاه الأزمة السياسية الحاصلة حالياً، والتي لم يفهموا أسبابها الحقيقية والمقنعة.

ما جاء على لسان الأمين العام لـ"الاتحاد العام للشغل"، نور الدين الطبوبي، أخيراً، فيه دلالة واضحة على أنّ الرئيس قيس سعيّد مصرّ على قلب الطاولة على المشيشي، وإخراجه نهائياً من المشهد. لقد أكد الطبوبي بوضوح أنّ رئيس الدولة يريد إسقاط الحكومة برمتها، وليس فقط إقالة الوزراء الأربعة الذين اتهمهم بـ"الفساد" أو "تضارب المصالح". هذا يعني أنّ المعركة الدائرة ليست دستورية بقدر ما هي سياسية بامتياز. فأنصار سعيّد يفترضون أنه بإسقاط الحكومة سيكونون أقدر على تغيير المشهد السياسي، وعلى عزل حركة "النهضة" أو تحجيم دورها، في انتظار تنظيم الانتخابات البرلمانية المقبلة.

يعتقد قادة "النهضة" أنّ حركتهم هي المستهدفة مما يجري. وما دوّنه القيادي في الحركة، رفيق عبد السلام، أول من أمس الإثنين، على صفحته بموقع "فيسبوك"، دليل على ذلك، حين كتب: "كلما كثرت عثراتهم واشتدت مآزقهم، سيلجأون إلى صناعة أفلام خيال، بإخراج سيئ وتمثيل هواة. فبعد كذبة الطرد المسموم وحالة العماء... انتظروا الجزء الثاني من صناعة الكذب المفضوح تحت عنوان الجهاز السري هذه المرة". وعلى الرغم من أنّ رفيق عبد السلام يعتبر من الجناح المتشدد في علاقة "النهضة" برئيس الجمهورية، إذ لا يكاد يمرّ أسبوع إلا ويجدد الهجوم المباشر على قيس سعيّد، إلا أنه يعكس جزءاً عريضاً من مزاج النهضويين الذين ضاقوا ذرعاً بالرئيس، وأصبحوا لا يترددون في مهاجمته ومطالبة قيادتهم بعدم التنازل له، وتضييق الخناق عليه؛ سياسياً وميدانياً.

المعركة الدائرة ليست دستورية بقدر ما هي سياسية بامتياز

حتى مبادرة الحوار الوطني التي دعا إليها "الاتحاد العام التونسي للشغل"، تمّ الاستغناء عنها حالياً، بسبب عدم استعداد الأطراف المعنية لتحمّل مسؤولية إنجاحها. صرح نور الدين الطبوبي أنّ رئيس الجمهورية لم يعد متحمساً للدفاع عن هذه المبادرة، خوفاً من فشلها. أي أنّ الحوار بين المسؤولين والمنظمات الوطنية تحول إلى معضلة في بلد يفترض فيه أنه ديمقراطي أو متجه نحو ترسيخ نظام ديمقراطي صلب ودائم.

على الرغم من هذه الهشاشة البارزة للعيان، هناك دعوات متعددة في تونس للاحتكام إلى الشارع. فحركة "النهضة" مصرّة على تنظيم مسيرتها التي أعلنت عنها، والتي يفترض أن تتم يوم السبت المقبل في 27 فبراير/شباط الحالي. من جهتها، دعت زعيمة "الحزب الدستوري الحر"، عبير موسي، أنصارها إلى التظاهر في اليوم نفسه، في مدينة سوسة، بحجة الدفاع عن الدولة ومؤسساتها ضدّ من تسميهم "الإخوان". أمّا من يعتبرون أنفسهم أنصار قيس سعيّد، فقد صدرت عن بعضهم دعوة للنزول إلى الشارع بحجة "عدم ترك الرئيس وحده"، حسب منشورات على موقع "فيسبوك". وهي دعوة لم يتبنها رئيس الدولة، ولم يشجع عليها.

لعبة الشارع دقيقة وذات حدين، على الرغم من أنّ النزول إليه حق من الحقوق التي توفرها الأنظمة الديمقراطية. لكن الخطر يبقى قائماً، وهو ما يثير حالياً قلق المواطنين، وكذلك قلق المراقبين الأجانب، بمن فيهم سفير الاتحاد الأوروبي الذي اعتبر أنّ الأمر "سيكون خطيراً في حال تم اللجوء إلى الشارع والاحتكام إليه".