تعثر محاكمة قتلة ريجيني: الضغط السياسي والإنتربول طريقان أمام روما

تعثر محاكمة قتلة ريجيني: الضغط السياسي والإنتربول طريقان أمام إيطاليا

16 أكتوبر 2021
عائلة ريجيني لدى وصولها إلى المحكمة أول من أمس (فيليبو منتفورتي/ فرانس برس)
+ الخط -

قررت المحكمة الجنائية في روما، مساء أمس الأول الخميس، بعد جلسة استغرقت نحو 9 ساعات، إلغاء الدعوى الجنائية الغيابية المقامة من الادعاء العام في روما ضد الضباط المصريين الأربعة المتهمين بخطف وتعذيب وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، بعد تأكّد غياب أي تمثيل للمتهمين بسبب تخوّف مصر من تحريك دعوى مباشرة ضد الدولة أو إصدار قرار قضائي بضبطهم وإحضارهم، أو إدراج أسمائهم في القوائم الدولية. واختفى ريجيني في القاهرة في 25 يناير/ كانون الثاني 2016 قبل العثور على جثته في 3 فبراير/ شباط من العام ذاته. والضباط المتهمون هم اللواء طارق صابر، العقيد آسر كمال، العقيد هشام حلمي، والمقدم مجدي عبد العال شريف. وأصبح صابر مساعد وزير الداخلية للأحوال المدنية، وكان خلال الواقعة يعمل مدير قطاع في جهاز الأمن الوطني، وهو الذي أصدر تعليماته بمتابعة ريجيني بناء على تقرير رفع إليه من أحد مساعديه عن أنشطته البحثية عن النقابات المستقلة في مصر. أما المقدم شريف، فهو الذي أبلغ عنه ضابط أفريقي بأنه سمع منه حديثاً عفوياً أثناء تدريب في كينيا عام 2017، اعترف فيه بتورطه في قتل "الشاب الإيطالي" كما وصف ريجيني. أما العقيد كمال، فكان يعمل رئيساً لمباحث المرافق في القاهرة، وتوجد دلائل على أنه هو الذي أشرف على رسم خطة تعقّب ريجيني.

بدأت تضعف في روما الآمال المعلقة على المسار القضائي

وسعى مدعي عام روما، سيرجيو كولايوكو، خلال الجلسة أول من أمس، بمساعدة أسرة ريجيني والحملة الحقوقية المساندة لهم، وعدد من نواب البرلمان الإيطالي، إلى إقناع المحكمة بإصدار حكم ضد المتهمين في النهاية، وقبل ذلك الاستماع إلى عدد من الشهود الجدد، من بينهم الأكاديمية المصرية مها محفوظ عبد الرحمن، التي كانت المشرفة العلمية على أبحاث ريجيني بالجامعة، والتي وجّهته للسفر إلى مصر لإجراء أبحاثه حول النقابات المستقلة. وقال المدعي العام للمحكمة إن إفادات شهود العيان وغيرها من "عناصر الإثبات المهمة" تدين ضباط الأمن في جريمة القتل. وذكر أن الضباط الأربعة ليسوا على علم بالمحاكمة فحسب بل "تصرّفوا بشكل منهجي ومستمر لإبطاء التحقيق وعرقلته". وأضاف أنه تم استجوابهم جميعاً في 2018 من قبل جهاز الأمن المصري، بعد 5 أشهر من إبلاغ إيطاليا السلطات المصرية بأنهم قيد التحقيق، "ومن غير المحتمل" أن الأمن لم يخبرهم بأنهم مشتبه فيهم رسميون. وعرض كولايوكو 13 نقطة أمام المحكمة، قال إنها توضح كيف حاولت مصر أولاً تقويض التحقيق، ثم رأت أن تحول دون إبلاغ المشتبه فيهم بتوجيه التهم إليهم. وقال إن المحققين المصريين تباطأوا في القضية، متجاهلين 39 من أصل 64 طلباً منفصلاً للحصول على معلومات، لافتاً إلى أن المواد التي جرى تسليمها كانت عديمة الفائدة في الغالب. وتابع أن إيطاليا حاولت خلال نحو 30 مناسبة، عبر قنوات دبلوماسية وحكومية، الحصول على عناوين المشتبه فيهم، إذ أبلغ رئيس الوزراء آنذاك جوزيبي كونتي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن عدم التعاون يؤثر سلباً على العلاقات الثنائية.

وقالت محامية عائلة جوليو ريجيني، أليساندرا باليريني، أمام المحكمة، إنه "بعد خمس سنوات ونصف السنة، نريد محاكمة"، مضيفة أن ما حصل للقتيل تسبّب "بألم هائل". وشدّدت باليريني على أن ثمة "أدلة كافية" بأن المتهمين يعلمون بمجريات المحكمة. لكن محامي الدفاع عن آسر كامل، الذي عيّنته المحكمة، ترانكيلينو سارنو، قال إنه يجب حفظ القضية. وأضاف: "لا يعلم المتهمون شيئاً. لا يعلمون ما تهمتهم، ولا أننا موجودون هنا اليوم، ولا من يدافع عنهم".

وعن الخطوة التالية في القضية، كشفت مصادر دبلوماسية وقانونية مصرية مطلعة لـ"العربي الجديد" أنها ستكون عودة ملف القضية إلى الادعاء الذي سيرفعه إلى قاضي تحريك الدعوى الجنائية، لتثور مجدداً أمامه إشكالية عدم إمكانية إعلام الضباط المتهمين بذواتهم بدعوى الاتهام، ما ينتفي معه علمهم القانوني الأكيد بالقضية. ونظراً لعدم امتلاك ادعاء روما أي معلومات شخصية عن الضباط المتهمين رسمياً، عدا أسماء غير كاملة ووظائف بعضها قديمة، سيتم توجيه طلبات المثول ومذكرة الادعاء إلى النيابة العامة المصرية، وكذلك السفارة المصرية في روما، باعتبارها القائمة على المصالح المصرية في إيطاليا، في ظل عدم وجود اتفاقية تعاون قضائي تنظم مثل هذه الحالة بين البلدين. ورجحت المصادر إرسال ادعاء روما قريباً المطالبة القضائية رقم 68 إلى النيابة العامة المصرية لمساعدتها في إبلاغ المتهمين، إذ سبق أن أعلن المدعي أنه وجّه 67 مطالبة قضائية من دون جدوى بشأن أمور مختلفة، منذ بدء التعاون القضائي المأزوم بين البلدين عقب مقتل ريجيني.

وحول الموقف القانوني للمتهمين حالياً، قالت المصادر إن قرار الاتهام ما زال قائماً، لكن لا توجد حالياً له أي قوة تنفيذية، مشيرة إلى إمكانية إعادة الادعاء الملف للتحقيق ولمزيد من استيضاح المعلومات حول الحادث ذاته أو هوية المتهمين، إذا نجحت بالفعل مساعي الدفع بعدد من الشهود الجدد.

مدعي عام روما: المحققون المصريون تباطأوا في القضية

ووفقاً للمصادر، فأمام روما الآن، إلى جانب المطالبات القضائية، طريقان يُرجّح السير فيهما: الأول خاص بالضغوط السياسية المتعددة التي من الوارد زيادتها بسبب ضعف الآمال المعلقة على المسار القضائي، وكذلك استجابة للضغوط الكبيرة من نواب المعارضة على الحكومة لوقف التعامل الاقتصادي والعسكري مع مصر في حال استمرار تهربها من المسؤولية وإخفاء الحقيقة. أما الثاني، فهو اتخاذ إجراءات أمنية عالمية بطلب إدراج الضباط الأربعة على قوائم الإنتربول، من خلال دعوى منفصلة يرفعها الادعاء ويبت فيها القضاء الإيطالي، الأمر الذي تخشى مصر حدوثه، واستعداداً له أصدرت قانوناً يتيح للمحكمة الدستورية العليا وقف مثل تلك القرارات.

وتتعدد الاتهامات الموجهة إلى الضباط الأربعة لتشمل تشكيل مجموعة لخطف الأشخاص، والمشاركة في التعذيب، والمشاركة في إيقاع إصابات خطيرة بجسد ريجيني بواسطة السوائل الساخنة والأسلحة الحادة والضرب متعدد الصور، والتواطؤ على قتله، علماً بأن الادعاء تراجع سابقاً عن تحريك الدعوى ضد مشتبه فيه خامس هو أمين الشرطة محمود نجم، بسبب نقص في الأدلة. وبحسب القانون الإيطالي يمكن للمتهمين جميعاً مخاطبة الادعاء العام لنفي الوقائع، كما يمكنهم المطالبة بالمثول أمام الادعاء للإدلاء بأقوالهم، لكن مجرد تسلم تلك الإعلانات بأي صورة يعني العلم المحقق بالقضية، وبالتالي عدم إمكانية إلغائها وضرورة استمرار المحاكمة، وهو ما تتحاشى مصر حدوثه.

المساهمون