تصدعات في المعارضة الباكستانية: أي دور للمؤسسة العسكرية؟

تصدعات في المعارضة الباكستانية: أي دور للمؤسسة العسكرية؟

24 مارس 2021
خلال مسيرة للمعارضة في إسلام أباد، يناير الماضي (محمد أوغورلو/الأناضول)
+ الخط -

كان من المفترض أن ينظم "التحالف من أجل الديمقراطية" المعارض في باكستان، الذي يضم 11 حزباً سياسياً ودينياً، مسيرة كبرى واعتصاماً مفتوحاً في العاصمة إسلام أباد في 26 مارس/آذار الحالي، لإسقاط حكومة عمران خان التي تقف معها المؤسسة العسكرية بحزم، كما يُعتقد. غير أنّ ذلك القرار قد تأجّل، وربما يلغى أيضاً، بعد نشوب خلافات بين الأحزاب المشاركة في التحالف، بشأن تقديم استقالات أعضائها من البرلمان المركزي والبرلمانات الإقليمية.

وفي 16 مارس الحالي، عقد القياديون في التحالف اجتماعاً في إسلام أباد، للبتّ في قضية الاستقالات، ومراجعة الإجراءات المتخذة من أجل تنظيم المسيرة، لكن ذلك الاجتماع أثبت ما كانت تتحدث عنه الحكومة وما ترغب فيه، وهو وجود خلافات عميقة بين تلك الأحزاب. وكانت تصريحات الرئيس الباكستاني الأسبق، زعيم حزب "الشعب" الباكستاني، آصف زرداري، بمثابة القشة التي فجرت الخلافات، إذ طلب من مريم نواز شريف، نائبة زعيم حزب "الرابطة الإسلامية" جناح نواز شريف، أن يحضر الأخير الذي يعيش في لندن، إلى باكستان، قبل القيام بأي خطوة عملية لإسقاط الحكومة. وقال زرداري إنّ "على رئيس الوزراء الباكستاني السابق أن يحضر إلى باكستان حتى ندخل جميعاً إلى السجن عند الوقوف لأجل إسقاط الحكومة، ولكن أن يعيش هو في لندن وأن يقود الحراك ضد الحكومة غيره، فهذا أمر غير صائب".

تصريحات زرداري الحادة، كانت الشرخ الأول في التحالف المعارض للحكومة

في المقابل، قالت مريم نواز شريف في الجلسة نفسها، إنّ زرداري عندما يستطيع أن يقدّم ضمانات بألا تمسّ الحكومة شريف بسوء، حينها يمكن أن يفكر الحزب في عودة زعيمه إلى البلاد، مؤكدةً أنه لا يمكن أن يتم تسليم شريف إلى من وصفتهم بـ"القتلة والراغبين في الانتقام". ويواجه نواز شريف قضايا فساد في المحاكم الباكستانية، لكنه عندما ذهب إلى لندن لتلقي العلاج نهاية 2019، اختار العيش هناك، فيما حاولت الحكومة إعادته، لكن جهودها فشلت.

وكانت تصريحات زرداري الحادة، الشرخ الأول في التحالف المعارض للحكومة، تحديداً بين الحزبين الرئيسيين فيه: الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف، وحزب "الشعب". أمّا الشرخ الثاني، والذي تم بسببه تأجيل كل ما خطط له التحالف من المسيرة والاعتصام لإسقاط الحكومة، فهو رفض حزب "الشعب" استقالة نوابه من البرلمان المركزي والبرلمانات الإقليمية، في الوقت الذي كانت فيه باقي الأحزاب مستعدة لهذه الخطوة قبل الحراك الشعبي الموسّع.

وكانت رؤية حزب "الشعب" تفيد بأنّ الاستقالات لا تقدّم قبل المسيرة، بل لا بدّ من تنظيم هذه الفعالية والاعتصام وتجمّع الحشود في العاصمة، لإرغام رئيس الوزراء على تقديم استقالته، في حين تكون استقالات نواب أحزاب التحالف الخطوة الأخيرة. وفي هذا الإطار، قال القيادي في الحزب، قمر الزمان كائره، في تصريح صحافي له أخيراً، إنّ الحزب "لن يتردد ولو للحظة واحدة في تقديم الاستقالات، غير أنّ الخلاف في وجهات النظر بين الأحزاب حول هذه الخطوة هو بشأن التوقيت"، مؤكداً "أننا بهذا الشكل نقوي الحكومة، لأننا إذا قدمنا الاستقالات، ستلجأ حينها لإجراء انتخابات فرعية، والأحزاب السياسية ستكون أمام خيارين؛ إمّا المشاركة في الانتخابات الفرعية، وحينها سيكون التساؤل لماذا قدمت الاستقالات، أو ترك الميدان للحزب الحاكم (حركة الإنصاف)، وعندها ستقوى الحكومة، وستخسر الأحزاب السياسية كثيراً إذا فشلت الجهود الرامية لإسقاط الحكومة".

لكن الإعلامي، أظهر بتي، قال في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "المعضلة الأساسية هي أنّ حزب الشعب الباكستاني، يترأس الحكومة المحلية في إقليم السند الجنوبي، وتقديم الاستقالة، يعني أنّ حكومته ستنهار تلقائياً، وحينها سيكون هناك خياران؛ إما إعلان الحكومة المركزية أن حاكم الإقليم سيدير شؤون السند، وإما إجراء انتخابات فرعية. وفي جميع الحالات، ستأتي حكومة الحزب الحاكم، وحينها يخشى حزب الشعب أن تلجأ الحكومة المركزية إلى فتح ملفات قضائية ضد قياديه، لذا لن يرضى بتقديم الاستقالة من البرلمان المحلي بإقليم السند".

أحدثت المرحلة الثانية من انتخابات مجلس الشيوخ، شرخاً بين الأحزاب المعارضة

انتخابات مجلس الشيوخ بداية الخلافات

كانت المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ، التي أجريت في الثالث من مارس الحالي، قد أعطت قوة زائدة للتحالف المعارض، بعد أن فاز مرشح التحالف يوسف رضا جيلاني، رئيس الوزراء الأسبق، بمقعد مهم من خلال التصويت في البرلمان، مقابل وزير الاقتصاد حفيظ شيخ، مرشح الحزب الحاكم، وهو ما أغضب رئيس الوزراء عمران خان. وقال الأخير، في خطاب له عقب الانتخابات، إنّ بعض نواب حزبه قد تم شراؤهم من قبل تحالف المعارضة بأموال باهظة، موجهاً انتقادات لاذعة للجنة الانتخابات، بعد أن رفضت طلب الحكومة بالتصويت العلني من أجل انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ.

لكن في المرحلة الثانية، التي أجريت في 12 مارس الحالي، من أجل انتخاب رئيس مجلس الشيوخ ونائبه، صوّت عدد من نواب الأحزاب المعارضة لصالح مرشح الحزب الحاكم صادق سنجراني ونائبه ميرزا محمد أفريدي، مقابل مرشح حزب "الشعب" و"التحالف من أجل الديمقراطية" يوسف رضا جيلاني ونائبه مولانا غفور حيدري. وعندها اتهمت المعارضة الحكومة بشراء الأصوات. وبعيداً عن أمر الفشل والنجاح في الحصول على منصب رئيس مجلس الشيوخ ونائبه، أحدثت المرحلة الثانية من انتخابات مجلس الشيوخ، شرخاً بين الأحزاب المعارضة، وتحديداً بين الأحزاب الثلاثة: الشعب، الرابطة الإسلامية، وجمعية علماء الإسلام، كبرى الأحزاب الدينية في البلاد.

المؤسسة العسكرية تؤدي أدواراً متعددة من وراء الكواليس

وإلى الآن تستمر الخلافات بين الحزبين الرئيسيين في التحالف المعارض؛ الرابطة الإسلامية والشعب، بشأن تعيين رئيس للمعارضة في مجلس الشيوخ. ووفق اتفاق بينهما، فإنّ منصب زعيم المعارضة من نصيب حزب "الرابطة" الذي رشح أعظم تارر، لكن حزب الشعب لم يرض بالتصويت لصالحه، ليبقى الخلاف قائماً.

هل للمؤسسة العسكرية دور؟

كل من يراقب السياسة الباكستانية عن كثب، يعرف جيداً أنّ المؤسسة العسكرية تؤدي أدواراً متعددة من وراء الكواليس، ولا شك في أنها تقف إلى جانب الحكومة الحالية، وتحديداً رئيس الوزراء عمران خان، المقرّب منها، وفق ما يعتقد العديد من المراقبين. وتتهم المعارضة المؤسسة العسكرية بأنها كان لها دور في حصول الحزب الحاكم على أصوات كافية لنجاح مرشحه لمنصب رئيس مجلس الشيوخ صادق سنجراني ونائبه أفريدي. ولم تكتف المعارضة بهذا، بل كانت هناك تلميحات من خلال تصريحات قياديين فيها، تؤكد أنّ المؤسسة العسكرية تسعى لإحداث شرخ وتصدع في صفها.

في السياق، قال زعيم التحالف، وهو زعيم "جمعية علماء الإسلام"، المولوي فضل الرحمن، في تصريح له في 20 مارس الحالي، إنّ "هناك من يتآمر على وحدة الصف، فيما هناك مساع لتشتيت المعارضة، ولكن نحاول أن لا يحدث ذلك، وكل تلك المساعي لن تتكلل بالنجاح". وأكد أنّ الحراك من أجل إسقاط الحكومة "لا بدّ وأن يكون من خلال الاحتكام إلى الشارع، وليس داخل البرلمان". مع العلم أن الحراك داخل البرلمان ضدّ الحكومة وليس الاستقالة منه، هو ما يؤيده حزب "الشعب". وسبق أن قال المولوي فضل إنّ على المؤسسة العسكرية أن تثبت أنها محايدة.

العارفون بتاريخ الصراعات بين حزبي "الشعب" و"الرابطة الإسلامية"، لا يستبعدون تفكك التحالف قريباً

ما هو مستقبل التحالف؟

مع أن القادة في التحالف يؤكدون أنّ الأخير قائم، وسيظلّ يعمل من أجل إسقاط حكومة خان، غير أنّ العارفين بتاريخ الصراعات بين حزبي "الشعب" و"الرابطة الإسلامية"، لا يستبعدون تفكك التحالف قريباً، لا سيما وقد بدأ تبادل الاتهامات بينهما بشأن التخلف عن الوعود، بعد تردد حزب "الشعب" في تقديم استقالات نوابه من البرلمان المركزي والبرلمانات الإقليمية. أما عن إسقاط الحكومة، فيرى بعض المراقبين أن ذلك أمر بعيد المنال. وفي السياق، قال الصحافي حميد الله عابد، لـ"العربي الجديد"، إنه "في الماضي، لم تستطع كل تحركات الأحزاب التي يضمها التحالف من أجل الديمقراطية، الحصول على نتيجة ملموسة باتجاه هذا الهدف، وأبرز مثال المسيرة الكبرى التي نظمتها جمعية علماء الإسلام العام الماضي، والتي فشلت. وبالتالي، لا يُتوقع أولاً أن يستمر هذا التحالف لفترة طويلة، كما لا يُتوقع إسقاط الحكومة، خصوصاً أنّ المؤسسة العسكرية لن ترضى بذلك، نظراً لما تشهده المنطقة من تطورات حساسة".