الحكومة الإثيوبية الجديدة: صراعات داخلية وعلاقات خارجية متوترة

الحكومة الإثيوبية الجديدة: صراعات داخلية وعلاقات خارجية متوترة

18 أكتوبر 2021
أبي أحمد أثناء تنصيبه لولاية ثانية في 4 أكتوبر (جمال كونتيس/Getty)
+ الخط -

غداة تنصيب أبي أحمد رئيساً للحكومة الإثيوبية لولاية ثانية، في 4 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، طفت على السطح مجدداً قضايا التنمية والاستقرار الداخلي في إثيوبيا، بعد اندلاع أزمة إقليم تيغراي والتي لم تحسم فصولها بعد، فضلاً عن تحديات وتداعيات توسع دائرة القتال إلى أقاليم جديدة، وانتشار موجة النزاعات المسلحة بين الإثنيات الإثيوبية.

في المقابل، لا تزال قضية سد النهضة تحتل مكانة كبيرة وتمثل الشغل الشاغل بالنسبة لرئيس الحكومة الإثيوبية، مع انعدام آفاق التسوية بين الأطراف المتنازعة على السد. كما برزت إلى السطح أزمات سياسية داخلية وأخرى خارجية، إثر طرد سبعة من موظفي الأمم المتحدة، بعد أنباء عن حصول انتهاكات وجرائم إنسانية في إقليم تيغراي كشفها وفد أممي، في ظلّ تواصل الضغط الأميركي على أديس أبابا من أجل وقف إراقة الدماء، وحل النزاع مع "جبهة تحرير تيغراي" بطرق سلمية.

الولاية الثانية لأبي ستتمحور حول السلام والاستقرار الداخلي
 

ومع استفحال الأزمات الداخلية والمسار القاتم للمفاوضات بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة ثانية حول أزمة سد النهضة، يلف مصير غامض مستقبل الحكومة الإثيوبية. ويتساءل الكثير من المراقبين عن إمكانات أبي أحمد في دورته الثانية في تعديل سياساته الداخلية والخارجية، وتحقيق مصالحة داخلية بين القوميات الإثيوبية، وتأطير العمل الحزبي، بعد عقود عاشت فيها إثيوبيا تحت هيمنة وسطوة الحزب الحاكم الواحد.
وبحسب مراقبين، فإن رئيس الحكومة الإثيوبية يواجه مرحلة تتسم بالمتغيرات السياسية والأمنية والعسكرية في إثيوبيا، ما سيضعه في مواجهة تحديات جسام داخلية وأخرى خارجية. لكن إذا تمكن من ضبط إيقاعات الأزمات الداخلية وحسم الصراعات العسكرية مع تيغراي وفرض مصالحة داخلية بين القوميات الإثيوبية، وحقق اتفاقية تاريخية مع مصر والسودان، فسيتمكن من تحقيق توازن في السياسة الداخلية والخارجية الإثيوبية، سينعكس إيجاباً على استقرار منطقة القرن الأفريقي. أما إذا فشلت سياساته الداخلية فسيشهد الإقليم مزيداً من الأزمات الإنسانية والتردي السياسي والأمني في إثيوبيا.
ويقول مدير معهد الدبلوماسية الشعبية الإثيوبية، ياسين أحمد، في حديث مع "العربي الجديد"، "إن الولاية الثانية لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد تتركز في هذه الفترة حسب برنامج حزبه (الازدهار) على العمل لتحقيق السلام وتعزيز الاقتصاد والاستقرار السياسي الذي ظل ينادي به الحزب. وظهرت بداياته في الخطط والبرامج الحكومية، ومن ضمنها برنامج الولاية الثانية الذي شرع فيه رئيس الوزراء بالفعل في تأليف حكومة وطنية جمعت ثلاث جهات معارضة كبداية لإشراك جميع الشركاء السياسيين في الحكومة، خصوصاً في هذه الفترة الجديدة لإثيوبيا".

تقارير دولية
التحديثات الحية

وعن ملف سد النهضة، يتوقع أحمد أن يَحدث فيه تقدم كبير، نتيجة الطرف السياسي الحالي في إثيوبيا ضمن حكومة منتخبة، إلى جانب الهدف الرئيسي في تحقيق استقرار إقليمي مندرج تحت سياسات واستراتيجيات أبي أحمد، لكن هذا مرهون أيضاً بتوفر إرادة مشتركة من أطراف سد النهضة للوصول إلى حل لإنهاء الأزمات والخلافات حول السد.
أما الصحافي الإثيوبي نور الدين عبده، فيقول في حديثٍ مع "العربي الجديد" إن أبي أحمد "قام بإصلاحات سياسية عدة أثناء فترة رئاسته الحكومة السابقة منذ عام 2018، من بينها إلغاء التحالف الذي حكم إثيوبيا لعقود طويلة، وتأسيس حزب جديد من رحم التحالف، والفوز في الانتخابات المحلية الأخيرة. فهذه الولاية هي الأولى بالنسبة للرجل، وتعتبر ولايته انطلاقة لعهد ما بعد التحالف الذي كانت تقوده جبهة تحرير تيغراي، وستحرص الحكومة خلال الفترة المقبلة على تحقيق توازن بين مساعي السلام وتحقيق تقدم عسكري ميدانياً".
أما عن مستقبل الصراع مع "جبهة تيغراي" وحسم النزاع سلماً أو حرباً، فيرى عبده "أن الجبهة فقدت نفوذها بفقدانها السيطرة وقيادة المشهد السياسي في 2018. كما خرجت من جميع أطر اللعبة السياسية على وقع اندلاع الحرب بينها وبين الحكومة المركزية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020". ويشير إلى أن "جبهة تحرير تيغراي" تريد اليوم العودة إلى المشهد عبر ممارسة الصراع العسكري الذي قد ينتهي بمفاوضات سياسية، فهناك أعداء من جيرانها يسعون لسحقها، وقد تتمكن الحكومة من تحقيق حسم عسكري، لا سيما أن الجبهة تواجه وضعاً اقتصادياً غير مسبوق نظراً لاستهداف شبكاتها الاقتصادية المحلية من قبل الحكومة الإثيوبية". ويعتبر أن "هناك اعتقاداً كاسحاً في إثيوبيا أن جبهة تيغراي لن تستجيب لحل سلمي حقيقي ما لم تدرك أن الوضع العسكري سيفقدها كل شيء".
وإلى جانب الصراعات الداخلية، يواجه رئيس الوزراء الإثيوبي ضغطاً دولياً، خصوصاً من الولايات المتحدة التي تهدد بفرض عقوبات على شخصيات نافذة في النظام الإثيوبي، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب في إقليم تيغراي. كما يتصاعد الضغط الدولي مع بروز اتهامات جديدة متعلقة بحقوق الإنسان في إثيوبيا، آخرها طرد سبعة موظفين في الأمم المتحدة من قبل الحكومة الإثيوبية، بدعوى تقديم إفادات غير دقيقة حول ارتكابها مجازر حرب في إقليم تيغراي، وهو ما يضعها أمام مواجهات مفتوحة دولياً ومحلياً، ويزيد من إخفاقاتها الداخلية ويضع العراقيل أمام ترميم علاقاتها مع الخارج بعد حرب تيغراي عام 2020. وفي هذا الصدد يقول عبده: "أعتقد أن العلاقات مع الأمم المتحدة دخلت في مرحلة حرجة، لا سيما بعد عدم قدرة الطرفين على الاتفاق على آليات التعامل مع الوضع الإنساني في تيغراي والمناطق المجاورة المتأثرة بالصراع".
أما المفاوضات حول أزمة سد النهضة فشهدت تعثراً واضحاً ولم تتمخض عن المفاوضات بين الدول الثلاث منذ سنوات نتائج إيجابية، لكن يعول كثيرون على أن يحقق أبي أحمد في ولايته الثانية اختراقاً ينجز اتفاقاً تاريخياً مع مصر والسودان. ويرى محللون أن مسار ملف سد النهضة لن يتأثر بتشكيل الحكومة الجديدة، وأن الإدارة بالأمر الواقع هي سيدة الموقف، من خلال توجّه إثيوبيا نحو تعبئة السد مع مراعاة الظروف المناخية، وستحاول أن تثبت للقاهرة والخرطوم، أنه ليست ثمة أضرار جانبية للمشروع، تهدد المصالح المائية لمصر والسودان.

يواجه أبي اتهامات أميركية بارتكاب أركان نظامه جرائم حرب

وفي هذا السياق، يقول الباحث السوداني عباس صالح، المقيم في أديس أبابا في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "إدارة سد النهضة ستكون إحدى أهم الأوراق لتعبئة وحشد الداخل، كما ستشكل أيضاً مصدر قلق أمني أيضاً، لا سيما بعد وصول مسار التفاوض إلى طريق مسدود. وسيظل هذا الملف يراوح مكانه لا سيما إذا تحول إلى موضوع أمن قومي لإثيوبيا خلال المرحلة المقبلة؛ فملامح السياسة الخارجية للحكومة وأولوياتها ستتحدد في كيفية إدارة النزاع مع تيغراي، والذي سيحدد بدوره نوع ومستوى العلاقات الإقليمية، كما يرسم أيضاً العلاقات مع المجتمع الدولي خصوصاً الدول الكبرى التي لها مصالح في المنطقة".
أما الصحافية المصرية في موقع "قراءات أفريقية" روضة شريف فترى في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ملف سد النهضة يسير كما تريده الحكومة الإثيوبية، وسيظل كما هو عليه بالنسبة لأديس أبابا. وهي سياسة تتسم بالتعنّت وفرض سياسة الأمر الواقع، وستظل قائمة في المفاوضات مع مصر والسودان، كما ستوظف أديس أبابا هذا الملف في دعم وتوسيع نفوذها في أفريقيا، وتعزيز ثقلها عبر الاتحاد الأفريقي، وتوجيه رسائل دعم وتأييد لبعض القوى المجاورة لتكون داعمة لها في قضية السد". وتشير إلى أن مستقبل النظام السياسي في إثيوبيا يواجه فترة مليئة بالتحديات المصيرية؛ منها الحرب في إقليم تيغراي وأزمة سد النهضة والمشكلة الحدودية مع السودان وغيرها، وأن قضية سد النهضة ونجاح إثيوبيا في فرض إرادتها وشروطها على مصر والسودان وملء السد في موعده، قد أعطت أبي أحمد فرصة كبيرة للفوز بولاية ثانية، على الرغم من تعثره في حل المشاكل الأخرى التي تواجهها البلاد. وهذا يدل على مدى الحشد الشعبي تجاه قضية سد النهضة وتفوقها على القضايا المصيرية الأخرى في إثيوبيا.
وعن طرد المسؤولين التابعين للأمم المتحدة واتهامهم بتحويل المساعدات الإنسانية إلى "جبهة تحرير تيغراي"، كما جاء في بيان وزارة الخارجية الإثيوبية، ترى شريف أن ذلك يؤكد رفض أبي أحمد الشديد لتدخل أي قوى خارجية في أزمة إقليم تيغراي، حتى من جانب إنساني، وهذا سيفاقم من الأزمة الراهنة ومن السياسات التي تتخذها الحكومة الإثيوبية والتي تجعلها في موضع حرج مع المجتمع الدولي.

تقارير عربية
التحديثات الحية