المعارضة السورية وجبهة الفوعة: معركة الحساسيات الطائفية

المعارضة السورية وجبهة الفوعة: معركة الحساسيات الطائفية

26 فبراير 2015
تُعدّ الفوعة وكفريا منطقتين مواليتين في محيط معارض (الأناضول)
+ الخط -

بدأت فصائل المعارضة السورية المسلحة، صباح أمس الأربعاء، المرحلة الثانية من السيطرة على مدينة الفوعة القريبة من مدينة إدلب، وذلك ردّاً على مجازر ارتكبتها قوات النظام السوري في ريف حلب الشمالي، قضى فيها عشرات المدنيين ذبحاً.

ويقول المتحدث الرسمي باسم "الجبهة الإسلامية"، النقيب إسلام علوش، لـ "العربي الجديد"، إنّ "المعارضة تستهدف في المرحلة الثانية تحرير مزارع بروما، لأنها السبيل للسيطرة على بلدة كفريا"، مشيراً إلى "سيطرة الثوار على ست نقاط قرب كفريا على الطريق الواصل بين مدينة معرة مصرين ومدينة إدلب، بعد قتل العشرات من قوات النظام".

وتأتي هذه المعركة، وفق علوش، "ردّاً على مجازر قوات النظام السوري في بلدة رتيان بريف حلب الشمالي"، لافتاً إلى "استهداف المليشيات منذ الصباح، بوابل من صواريخ فيل، وعمر، في مزارع بروما".

اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تطلق معركة تحرير "الفوعة" في إدلب

وفي سياق متصل، تمكّنت قوات المعارضة وفق شبكة "سورية مباشر"، من السيطرة على مدرسة السياقة، قرب بلدة كفريا في ريف إدلب بعد استهدافها بسيارة مفخخة يقودها أحد عناصر تنظيم "جند الأقصى". ويؤكّد ناشطون محليون لـ "العربي الجديد"، أنّ كتائب المعارضة سيطرت على ستّ نقاط تابعة لقوات النظام، بالقرب من بلدة كفريا، بالإضافة إلى تمكّنها من السيطرة على مدرسة لتعليم القيادة ومحاصرتها لمعمل الزيت بالقرب من كفريا.

وكان "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، قد أفاد بـ"سماع دوي انفجار في منطقة كفريا، التي يقطنها مواطنون من الطائفة الشيعية، ناجم عن تفجير مقاتل لنفسه بعربة مفخخة عند نقطة تمركز لقوات النظام"، مشيراً إلى "معلومات أولية عن خسائر بشرية في صفوف قوات النظام والمسلحين الموالين لها، بالتزامن مع قصف من قبل الفصائل الإسلامية والفصائل المقاتلة على مناطق في بلدة كفريا ومدينة الفوعة".

من جهته، يصف نائب قائد هيئة الأركان السابق في "الجيش السوري الحر" هيثم عفيسي، معركة السيطرة على بلدتي الفوعة وكفريا، الشيعيتين المواليتين للنظام السوري، بأنّها "معركة استنزاف"، لافتاً في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "إرادة الثوار والمجاهدين ستنتقم لأهلنا الذين قضوا في ريف حلب الشمالي، كما ستكون هذه الضربة موجعة للنظام وإيران ومن يقف إلى جانبهم في العالم، ومن يتآمر دولياً على ثورتنا المباركة".

ويقول عفيسي إنّ "النظام والمجتمع الدولي وإيران لن يسمحوا بهذه السيطرة، مهما كلّفهم ذلك"، معرباً عن اعتقاده بأنّ "هذه الأعمال تخدم النظام، بشدّ أزره من قبل إيران، نظراً لولاء البلدتين لإيران، أكثر من النظام". وفي موازاة إشارته إلى "نقص محتمل في قوات النظام، من حيث العتاد والسلاح والرجال"، لا يستبعد أن تكون المواجهات "رسالة لتضخّ إيران وروسيا سلاحاً جديداً وأكثر فعالية، لأنهم لن يسمحوا بمقتل الآلاف من الموالين لهم بهذه السهولة"، منوّهاً إلى أن "هذه المعارك يجب أن تكون من البداية وليس الآن".

وأطلقت فصائل المعارضة السورية، قبل نحو أسبوعين، معركة السيطرة على مدينة الفوعة، ونجحت في تحرير بعض النقاط في دير الزغب الاستراتيجية، الواقعة جنوب غربي المدينة، وتشكل طريق إمداد بينها ومدينة إدلب الخاضعة لسيطرة قوات النظام، بعد قتل وجرح العشرات.

وتعد الفوعة وكفريا المنطقتين الشيعيتين الوحيدتين في محافظة إدلب، وتقعان إلى الشمال الشرقي من مدينة إدلب بنحو 10 كيلومترات، وتبعد إحداهما عن الأخرى نحو ثلاثة كيلومترات، علماً أنّهما محاطتان بمناطق خاضعة لسيطرة المعارضة ويربطهما طريق بمحافظة إدلب، يُعتبر خط إمدادهما الوحيد. ويشهد هذا الطريق المعارك الآن. وفيما يبلغ عدد سكان كفريا نحو 15 ألف نسمة، يبلغ سكان الفوعة نحو 35 ألفاً. وتلاصق مدينة الفوعة من الجنوب مدينة بنش التي انخرطت في الثورة السورية منذ بدايتها، وشهدت تشكّل التنظيمات السلفية فيها (أحرار الشام، وجبهة النصرة) فيما تجاور مدينة كفريا مدينة معرة مصرين الخاضعة لسيطرة المعارضة أيضاً.

وساهمت الفوعة وكفريا في مدّ النظام بالمتطوعين في الجيش النظامي واللجان الشعبية "الشبيحة"، والذين يشكلون غالبية "شبيحة" مدينة إدلب. كما يشكل سكانهما الخزان البشري لعناصر "الشبيحة" في منطقة السيدة زينب بريف دمشق. ويستخدم النظام مدينة الفوعة، كمركز لقصف القرى المحيطة بها، بعدما حوّلها إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، وانتقلت معظم عائلات المقاتلين من نساء وأطفال إلى مدينة إدلب الخاضعة لسيطرة النظام، في وقت تمّ فيه تزويد المدينة بمنصّات لإطلاق الصواريخ وكتيبة دبابات، علماً أنّ عدداً كبيراً من عناصر حزب الله والحرس الثوري الإيراني يتواجدون فيها.

اقرأ أيضاً: المعارضة تستهدف "حواضن النظام" في الفوعة وكفريا بريف ادلب

وعمل النظام منذ بداية الثورة على تجييش الحالة الطائفية بين سكان الفوعة وكفريا ومحيطهما، فانسحب مؤسّساتياً وأمنياً من بنش منتصف العام 2011، بوصفها أول مدينة تستقل عن النظام، وراح يروّج عبر وسائل إعلامه أنباء عن وجود نحو ألف مسلح في بنش، وحرض عناصر من الأمن بداية، ومن "الشبيحة" لاحقاً، ممن ينتمون إلى المنطقتين، على خطف مواطنين من بنش أثناء توجّههم إلى إدلب أو دمشق، وطلب فدية مقابل الإفراج عنهم، ليبدأ مسلسل الخطف المتبادل بين البلدتين ومحيطهما، بموازاة انتشار موضة المعتقلات الخاصة بين الطرفين. وبات لكل شخص تسعيرة، ما لم يحصل تبادل مختطفين، علماً أن تسعيرة المخطوف في عام 2012 تراوحت بين 50 إلى 200 ألف ليرة سورية، بحسب أهميته.

وفي عام 2012، تمّ تشكيل لجنة مصالحة في بنش من أجل وضع حد للتجييش الطائفي، الذي بدأ يتفاقم حينها، ووضع أهالي بنش لائحة كبيرة بطول 16 متراً في منتصف الطريق بين بنش والفوعة، مذيّلة بعبارة "أهل الفوعة أهلنا"، لكنّ تحريض النظام للمليشيات التابعة له في الفوعة وكفريا، واتخاذ التنظيمات السلفية (أحرار الشام، جبهة النصرة) من بنش التي لا وجود للنظام فيها مركزاً لانطلاقها، أفشل كل الجهود ودفع باتجاه تفاقم المشكلة التي تحولت إلى نزاع مسلح.

وكان ذلك بمثابة حجّة لدى النظام، الذي حوّل المدينة إلى ثكنة عسكرية تقصف المناطق المحيطة، ما ساهم بنقمة كل المحيط الخاضع لسيطرة المعارضة على هاتين البلدتين، بخلاف القرى الدرزيّة في المحافظة، والتي لم تشارك في الثورة لكنها أبقت على علاقات طيبة مع محيطها المعارض بسبب رفضها للتسلح وعدم مساهمتها في قتل عناصر من المعارضة.
وكانت مجموعة من أهالي مدينة الفوعة المعارضين للنظام، يأتون إلى مدينة بنش في بداية الثورة ويشاركون في المظاهرات التي تطالب بإسقاط النظام، ولكنهم توقفوا بعد اشتداد الحالة الطائفية في المنطقة، كما انضم ضابط منشق من مدينة الفوعة برتبة رائد إلى صفوف الجيش الحر وقُتل على يد قوات النظام في معركة السيطرة على مدينة حارم.

وأثناء اقتحام النظام لبنش عام 2012، شارك العديد من أهالي الفوعة في الاقتحام، كما تعاملوا مع الموضوع على أنّه "انتصار" كبير للنظام، وشاركوا خلال اقتحام النظام لمدينة تفتناز، وراحوا ينكلون بأهاليها بطرق انتقامية، الأمر الذي زاد من النقمة عليهم في القرى المعارضة المحيطة.

وبعد سيطرة قوات المعارضة قبل نحو شهرين على معسكرَي وادي الضيف والحامدية في ريف إدلب الجنوبي، لم يتبق لقوات النظام سوى مدينتي أريحا وجسر الشغور، والفوعة وكفريا ومنطقة المسطومة ومعسكر القرميد، ومدينة إدلب.

المساهمون