لماذا صَوّت مسلمو الهند لنقيضهم؟

لماذا صَوّت مسلمو الهند لنقيضهم؟

24 مايو 2014
أنصار مودي يحتفلون بالفوز في أحمد أباد (فرانس برس/getty)
+ الخط -

كثيرة هي أوجُه المفاجآت التي تكشّفت عن نتائج الانتخابات الهندية الأخيرة، وقد يكون أبرزها أن جزءاً كبيراً من مسلمي الهند منحوا الثقة لنارندرا مودي، مرشح حزب "بهاراتيا جاناتا" BJP اليميني المتطرف، على الرغم من كل ما قيل عنه وعن تاريخه.

قبل أشهر، كانت إرهاصات هذه الوجهة صادمة لمراجع إسلامية روحية، مقرّبة من حزب "المؤتمر". إذ كيف يمكن لجزء معتَبَر من المجتمع الإسلامي في الهند، أن يصوّت لرئيس حكومة ولاية غوجارات، الذي استهلّ عهده السياسي بالوقوف وراء مجزرة العام 2002، التي طالت المسلمين، في أثناء أحداث عنف دامية في تلك الولاية؟ حينها، أحرق المتطرفون الهندوس، في تلك الأحداث، مسجد بابري الكبير ودمّروه، وكانت الإعدامات تتم على أحد جدران مقر الشرطة في الولاية. بعد ذلك، كيف يقف مودي لكي يستعيد دور رجل الدولة المسؤول عن الجميع في الولاية التي يشكل المسلمون أقلية فيها، ويردد شعار: "لا استرضاء لأحد، والعدالة للجميع"؟

بعد تلك الأحداث، تقيّحت جراح مسلمي الهند، لكن حزب "المؤتمر" الذي يُفترض أنه علماني، وحامي الأقليات، أبقى على المسلمين في الفراغ السياسي. وهؤلاء يمثلون، بحسب التقديرات الرسمية، 13 في المئة من سكان عموم الهند. لكن تقديرات المسلمين أنفسهم تقول إن نسبتهم لا تقل عن 20 في المئة. ولم يتح "المؤتمر"، في سنواته الأخيرة، للساسة المسلمين الدخول إلى البرلمان العام (لوك صابحا) بأكثر من 4 في المئة من أعضائه، وهذه هي النسبة الأقل منذ خمسين عاماً، إذ شغل النواب المسلمون 22 مقعداً فقط من بين 554.

وعلى الرغم من تذمّر المسلمين إزاء هذا الوضع، فإن انتخابات مجلس الدولة، وهو الهيئة التشريعية للبلاد، في العام الماضي، لم يقدم الحزب الوطني العلماني، الذي يؤيده المسلمون منذ ما قبل استقلال الهند، سوى ثمانية مرشحين مسلمين من بين 1589. ومع الاتساع المطرد، في ظل حكم "المؤتمر"، للفجوة بين الحق الطبيعي للمسلمين حسب نسبتهم من السكان، وما يحصلون عليه، كان خيار قطاعات كبيرة منهم، طيّ الذكرى، سواء تلك الأليمة المتعلقة بالحزب الهندوسي المتطرف، وزعيمه مودي، أو المعسولة التي عاشها أسلافهم مع غاندي ونهرو وأنديرا وراجيف. فقد رفع مودي في حملة "الطموح والأمل"، التي دغدغت عواطف الهنود شعار: "جميع الهنود سواسية، لأن عدم المساواة، من شأنها أن تخلق تمييزاً خطيراً بين مكونات الشعب الهندي". وكانت رؤية الرجل، في العامين الأخيرين، تعتبر أن إقصاء المسلمين عن البُنى الديموقراطية للنظام السياسي، يمكن أن يحمل مخاطر جسيمة للهند، تماماً مثلما يحمل المخاطر التمييز على أساس الجنس أو اللون أو المنطقة.

ورأى كثيرون من الرموز الاجتماعية للمسلمين الهنود، أن مودي لم يكن، في تطميناته، محابياً أو مضطراً للخداع. فقد راق لهم جوابه، حين سُئل قبل توجهه إلى إحدى المناطق ذات الكثافة الإسلامية: هل أنت مستعد لارتداء أي غطاء رأس كالتي يرتديها المسلمون؟ أجاب: أحترم عادات الجميع وخيارات لباسهم، أما عاداتي، فإنها لي وحدي.

ورأى مراقبون أن إحدى "حماقات" حزب "المؤتمر"، في حملته الانتخابية، أنه طلب دعم الشيخ سيد أحمد بخاري، إمام "جامع مسجد" في دلهي القديمة، وهو "البخاري الثالث عشر" الذي يحيط نفسه بحراسة مشددة، وبهالات من القداسة، منتمياً لتاريخ جده الأول، سيد عبد الغفور بخاري، الذي عينه الإمبراطور المغولي شاه جاهان (باني الأعجوبة المعمارية "تاج محل" و"جامع مسجد" وسواهما)، وخلع عليه لقب "شاهي إمام" أو "إمام الأمة" في 1656. فمثل هذا الرجل لا يفيد في حملات انتخابية تتطلّب رموزاً اجتماعية تعيش وتنشط بين المسلمين.

وكانت هناك أصوات لرموز من المسلمين، قبل نحو سنة، قد أسمعت حزب المؤتمر انتقادات ونصائح، مفادها أن التخويف من الحزب الهندوسي اليميني مجرد فزّاعة، ولا يكفي لكي يستمر المسلمون ملتصقين بحزبهم. ونبّه بعضٌ منهم إلى أن حراكاً بدأ لكي يتجاوز المسلمون خوفهم وتحسّبهم، ولأن يذهبوا إلى التصويت لبرلمان تولد عنه حكومة جيدة وقوية. وجاءت نتائج الانتخابات الأخيرة، التي تشبه الإعصار، لتثبت أن المسلمين، أيضاً، يريدون التغيير. فلم يعد الناشطون المسلمون يطيقون لعب الأحزاب العلمانية على وتر التعدي الذي يتهدد المسلمين، وعلى نزعة رفض وجودهم واستقرارهم. فالهنود جميعاً، بحسب رؤيتهم، يريدون الأمن، ويتطلعون للعيش المشترك. وبدا أن المسلمين وضعوا جانباً ذكرى أحداث "غوجارات"، مثلما وضع الهنود جميعاً، جانباً، آلاف أحداث العنف التي مرت في تاريخهم، ولسان حالهم يقول، وفق أحد رموزهم، عبد القادر قرشي: "لماذا نصوّت في الانتخابات على أساس الدين، بينما نحن أقلية مستبعدة بالكامل ومُهمَلة؟". واستطرد قرشي أنه "لو كانت الأحزاب العلمانية تلتزم فعلاً ببرامجها الانتخابية، لما وقعت أحداث العنف في البلاد إبان حكمها". بكلمات أخرى، يمكن القول إن المسلمين اعتبروا أن متاجرة الأحزاب العلمانية بخوفهم مجانية، بالتالي، هم لا يريدون أن يؤخذوا بعد الآن مُلكاً لأي طرف.

من خلال هذا المنحى من حسابات المسلمين، هناك مسكوت عنه، وإن كان مؤكداً. فعندما تفشى فساد حكومة الائتلاف الذي يقوده "المؤتمر"، وتفاقم غضب المجتمع والقوى التقليدية، كان المسلمون، وهم الحلقة الأضعف، يتلقون في الحياة اليومية، ردود أفعال متشددي الهندوس، باعتبارهم حلفاء تاريخيين للحزب الحاكم، وهذه جريرة أرادوا الخلاص منها.

لكن اللافت المقلق بالنسبة للأوساط النافذة في المجتمع المسلم في الهند، أن الحزب القومي الهندوسي "بهاراتيا جاناتا"، الفائز في الانتخابات الأخيرة، ليس من بين نوابه الذين سيدخلون البرلمان الجديد أي مسلم. البعض المتفائل يقول إن هذا الحزب رشّح سبعة مرشحين على قوائمه، ولم يفز أيّ منهم، وله الحق في أخذ مصالحه الانتخابية بالاعتبار. وفي معرض هذا الحديث، يعوّل المسلمون الهنود على التنوع اللازم في خيارات مودي والحزب بعدئذٍ.

دلالات