هجوم أرامكو: مشاورات دولية لرد منسق

هجوم أرامكو: مشاورات دولية لرد منسق

17 سبتمبر 2019
أكد بنس أن أميركا مستعدة للدفاع عن مصالحها وحلفائها(Getty)
+ الخط -
مع تصاعد التأكيدات الأميركية عبر تسريبات عن وقوف إيران وراء الهجوم الذي استهدف منشأتين لشركة أرامكو السعودية، يوم السبت الماضي، والحديث حتى عن أن الهجوم تم من الأراضي الإيرانية، وفي ظل تأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن بلاده مستعدة لمساعدة المملكة، وحديث نائبه مايك بنس عن أن الجيش الأميركي مستعد، وأن واشنطن على أهبة الاستعداد للدفاع عن مصالحها وعن حلفائها في الشرق الأوسط، بدا اليوم أن العمل ينصب لصياغة رد جماعي دولي، لا يبدو أنه سيكون قريباً، إذ إن الإدارة الأميركية تعمل على إعداد ملف لإثبات معلوماتها وتقديمه خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل في نيويورك، كما كشف مسؤول أميركي، لتبقى المنطقة في حالة توتر بلا حرب. في المقابل، كانت طهران تصرّ على رفض أي تفاوض مع واشنطن على أي مستوى، بالتوازي مع عودة الحوثيين لتأكيد مسؤوليتهم عن الهجوم.

وتصاعدت التسريبات الأميركية التي تحمّل إيران مسؤولية الهجوم على أرامكو. ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول أميركي لم تسمه، أن الولايات المتحدة باتت متأكدة من أن الهجوم تم من الأراضي الإيرانية، وقد استُخدمت فيه صواريخ عابرة. وتابع أن الإدارة الأميركية تعمل حالياً على إعداد ملف لإثبات معلوماتها وإقناع المجتمع الدولي، خصوصاً الأوروبيين بذلك، خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل في نيويورك. ورداً على سؤال حول ما إذا كانت واشنطن متأكدة من أن الصواريخ أطلقت من الأراضي الإيرانية، أجاب المسؤول "نعم".

من جهتها، نقلت شبكة "سي إن إن" عمن قالت إنه مصدر مطلع، أن تقييم السعودية والولايات المتحدة بشأن الهجوم يُرجح أنه جرى تنفيذه بصواريخ "كروز" حلقت على ارتفاع مُنخفض مدعومة بطائرات من دون طيار "درونز"، انطلقت من قاعدة إيرانية تقع قرب الحدود العراقية. وقال المصدر إن المسار كان عبر إرسال الصواريخ فوق العراق وجعلها تلتف فوق الكويت وصولاً إلى منشأتي النفط السعوديتين لإخفاء مصدر إطلاقها. وتابع أنه لا توجد أي مؤشرات على الإطلاق من شأنها الإشارة إلى أن هذه الصواريخ جاءت من جنوب السعودية، خصوصاً اليمن. ولفت المصدر إلى أن بعض الصواريخ فشلت في إصابة أهدافها، وسقطت في الصحراء قبل الوصول إلى وجهتها، حيث حقول أرامكو في بقيق، مضيفاً أن حالتها جيدة بدرجة كافية لتحديد أصلها وهويتها. وتابع أن محققين أميركيين خبراء في الأسلحة قد وصلوا إلى السعودية لمساعدة المحققين العسكريين السعوديين في تحديد عدد الصواريخ التي ضربت منشأتي أرامكو، والتحقق منها لمعرفة هويتها وأصولها والتكنولوجيا المستخدمة فيها ومن يمتلكها.

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" قد ذكرت أن مسؤولين أميركيين أطلعوا الرياض على معلومات استخباراتية تشير إلى أن الهجمات شُنّت من إيران. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تحددها أن التقييم الأميركي توصل إلى أن "إيران أطلقت أكثر من 20 طائرة مسيّرة وعشر قذائف على الأقل". وأضافت "لكن مسؤولين سعوديين أفادوا بأن الولايات المتحدة لم تقدّم (ما يكفي من المعلومات) لاستخلاص أن الهجوم أطلق من إيران، مشيرين إلى أن المعلومات الأميركية ليست قطعية". وتابعت أن "المسؤولين الأميركيين قالوا إنهم يخططون لإطلاع السعوديين على مزيد من المعلومات خلال الأيام المقبلة". كما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" بأن مسؤولين أميركيين حصلوا على صور من أقمار اصطناعية تظهر أن العملية انطلقت من شمال أو شمال غرب المملكة.

على الرغم من ذلك، كان ترامب قد أحجم عن اتّهام إيران صراحة. وقال، الإثنين، إن الولايات المتحدة شبه متأكدة، مضيفاً "نحن حالياً نعرف ذلك جيداً"، و"بالتأكيد سيبدو الأمر للكثيرين بأن إيران هي الفاعل"، لكن واشنطن تريد مزيداً من البراهين. وأكد "تصميمه" على مساعدة السعودية. وقال "لا أسعى للدخول في نزاع، لكن أحياناً عليك القيام بذلك. كان الهجوم كبيراً جداً لكن قد يتم الرد عليه بهجوم أكبر بكثير". في غضون ذلك، قال متحدث باسم رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، إنها طلبت من المخابرات تقديم إفادة لجميع أعضاء المجلس بخصوص الهجمات التي استهدفت منشأتي أرامكو.
وجاء الكلام الأميركي قبل توجّه وزير الخارجية مايك بومبيو إلى السعودية، لبحث الرد على الهجوم، بحسب ما أعلن نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، الذي أكد أن الجيش الأميركي مستعد بعد هجوم السعودية.

في غضون ذلك، أكد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أن المملكة قادرة على التعامل مع آثار الهجوم على منشآتها النفطية. وذكر بيان صدر بعد اجتماع مجلس الوزراء السعودي، اليوم، أن الحكومة بحثت الضرر الناتج عن الهجمات على منشأتي أرامكو، ودعت حكومات العالم إلى مواجهتها "أياً كان مصدرها". وأهابت بـ"المجتمع الدولي أن يقوم بإجراءات أكثر صرامة لإيقاف هذه الاعتداءات السافرة التي تهدد المنطقة وأمن الإمدادات البترولية واقتصاد العالم، ومحاسبة وردع كل من يقف خلفها".


وفي ظل تصاعد الحديث عن ضرورة الرد، برز إعلان المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أن الأخير اتفق مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على ضرورة العمل مع الشركاء الدوليين لصياغة رد فعل جماعي على الهجوم. وأضاف أن الزعيمين اتفقا أيضاً على ضرورة خفض التصعيد في المنطقة وعبرا عن التزامهما بنهج مشترك تجاه إيران.

وفي تطور لافت، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أن وزير الخارجية محمد جواد ظريف ونظيره البريطاني دومينيك راب بحثا في اتصال هاتفي، تطورات الأوضاع في المنطقة، وخصوصاً الأزمة اليمنية. وذكرت الخارجية في بيان مقتضب، أن الوزيرين ناقشا خلال الاتصال "آخر التطورات المرتبطة بالعلاقات الثنائية، وتطورات الاتفاق النووي وقضايا قنصلية وكذلك التطورات في المنطقة وخصوصاً الأوضاع في اليمن".
جاء ذلك فيما قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، اليوم، إن فرنسا لا تملك أدلة تشير إلى موقع انطلاق الطائرات المسيرة المستخدمة في الهجمات على منشأتي النفط السعوديتين. فيما قال مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن باريس لم تتخل عن جهودها الدبلوماسية في ما يخص الأزمة في الخليج. وأوضح المكتب أن فرنسا ما زالت تعمل من وراء الكواليس قبيل زيارة ماكرون المقررة إلى نيويورك.

ودخلت روسيا على الخط، وقال الكرملين، إنه لم يتلق طلباً رسمياً من أي طرف كي تقوم موسكو بدور الوسيط بين السعودية وإيران. وأعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين في مؤتمر صحافي، أن موسكو لم تحصل على أي معلومات جديدة بشأن الهجوم قد تفضي إلى أي نتائج نهائية. كما حذر رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريشكين، من خطر ظهور "سيناريو عسكري" في أعقاب الهجوم. وقال للصحافيين في موسكو: "السيناريو العسكري وارد بالتأكيد، لكنني آمل التوصل إلى تسوية سلمية".
وفي سياق التحذيرات، أعرب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، عن قلقه إزاء الهجوم على شركة أرامكو، داعياً في تصريح لوكالة "الأناضول"، جميع الأطراف إلى التهدئة، محذراً من أن مثل هذه الاعتداءات تهدد أمن المنطقة برمتها.

كما حذّر الأمين العام لمنظمة العفو الدولية كومي نايدو، من أن أي تدخّل عسكري أميركي رداً على الهجوم لن يؤدي إلا إلى تفاقم المعاناة في الشرق الأوسط. واعتبر نايدو أن على العالم بدلاً من ذلك مضاعفة الجهود لإنهاء العنف المدمّر في اليمن. وحذر في حديث لـ"فرانس برس"، من نتائج مشابهة لغزو العراق عام 2003 الذي "خلق الكارثة التي لدينا الآن، ليس فقط في العراق ولكن أيضاً في الدول المجاورة له".
من جهتها، دانت الصين، الهجمات على منشأتي النفط السعوديتين مشددة لهجتها التي تحدثت بها، الثلاثاء، عن الواقعة، لكن من دون أن تفصح مجدداً عمن تعتقد أنه يقف وراءها. وجددت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ، دعوتها "للأطراف المعنية بتجنب اتخاذ إجراءات تفضي إلى تصعيد التوتر في المنطقة".

مقابل كل ذلك، كان المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، يرفض إجراء أي مفاوضات مع الولايات المتحدة. واعتبر خامنئي في تصريحات نقلها التلفزيون، أن الهدف الأميركي من التفاوض "هو فرض مطالبها الوقحة وإظهار تأثير الضغوط القصوى على إيران واستعراض نجاح هذه السياسة". وشدد على أن "المسؤولين الإيرانيين بمن فيهم رئيس الجمهورية ووزير الخارجية متفقون على عدم التفاوض مع أميركا في أي مستوى، سواء تفاوضاً ثنائياً أو متعدد الأطراف".
وقال خامنئي إن الولايات المتحدة تبنت سياسة تتمثل بممارسة "أقصى درجات الضغط" على إيران لاعتقادها بعدم وجود طريقة أخرى لإخضاع الجمهورية الإسلامية، مضيفاً أن "سياسة أقصى درجات الضغط ضد إيران لا قيمة لها". وقال إنه إذا "تابت" الولايات المتحدة وعادت إلى الاتفاق النووي، فسيكون بإمكانها عندئذ إجراء محادثات مع إيران إلى جانب الأطراف الأخرى في الاتفاق.

ومع الاتهامات المتصاعدة لطهران، عاد الحوثيون مجدداً لإعلان مسؤوليتهم عن هجوم السعودية، وتوعد المتحدث باسم جماعة "أنصار الله" محمد عبد السلام بشن مزيد من العمليات "القاسية والأشد إيلاماً إذا استمر العدوان والحصار على اليمن".

المساهمون