الانتخابات الإسرائيلية تكرّس هيمنة اليمين على الخريطة الحزبية

الانتخابات الإسرائيلية تكرّس هيمنة اليمين على الخريطة الحزبية

11 ابريل 2019
يتجه نتنياهو لبدء ولاية حكومية خامسة (توماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -
تبرز النتائج شبه النهائية للانتخابات الإسرائيلية مع فرز أكثر من 98 في المائة من الأصوات الصحيحة، وتبقّي أصوات الجنود والسجناء والمرضى والسلك الدبلوماسي المقدّرة بمائتين وثلاثين ألف صوت، مشهداً سياسياً يهيمن فيه اليمين الإسرائيلي بشكل شبه كلي على الخريطة الحزبية، مع حصول أحزاب اليمين سواء المحسوبة على معسكر بنيامين نتنياهو أم حزب كاحول لفان بقيادة الجنرال بني غانتس، على 100 مقعد من أصل 120 مقعداً في الكنيست. ولعل أبرز تحول في المشهد الإسرائيلي هو حصول الحزبين الكبيرين على عدد متساوٍ من المقاعد، 35 مقعداً لكل منهما.


في المقابل تلقى معسكر ما كان يسمى بالوسط واليسار ضربة قاضية إذ تراجع حزب العمل، الذي قاد الدولة في العقود الثلاثة الأولى، إلى ستة مقاعد فقط وحصل على نسبة أصوات شبيهة بتحالف الجبهة والحركة العربية للتغيير، وأقل من ناحية عدد الأصوات الصالحة. فقد حصل حزب العمل على 180.858 صوتاً مقابل 187.86 صوتاً، فيما حصل حزب الليكود على 1.065.344 صوتاً وتوازي 26.27 في المائة. أما حزب كاحول لفان بقيادة الجنرال بني غانتس، وعلى الرغم أنه تشكل قبل شهرين تقريباً فقط، فحصل على 1.051.986 صوتاً وتوازي 25.94 في المائة من مجمل الأصوات الصحيحة.

وتكرّس هذه النتائج حقيقة اتجاه المجتمع الإسرائيلي ككل إلى اليمين، وغياب أي أفق سياسي محتمل من قبل الأحزاب الإسرائيلية لجهة مسار تسوية سلمية مع الجانب الفلسطيني، يعتمد على الحد الأدنى من التسوية التي قد يقبل بها الجانب الفلسطيني. ففيما يجاهر الليكود ومعسكره الذي حصل على 65 مقعداً برفض إقامة دولة فلسطينية، فإن أقصى ما يتحدث عنه الجنرال بني غانتس هو البحث عن سبل للانفصال عن الفلسطينيين، لكن مع تعزيز الاستيطان في الكتل الكبيرة والإبقاء على السيطرة الإسرائيلية العسكرية والأمنية على غور الأردن، ورفض تقسيم القدس المحتلة ورفض الانسحاب من هضبة الجولان السوري المحتلة.
وتشي النتائج، التي تمخّضت عن الانتخابات، بمنح نتنياهو فرصة لتشكيل ائتلاف حكومي مع نفس الشركاء في الائتلاف السابق، مع تغيير في هوية عدد من الوزراء. وفي هذا السياق، يبرز حالياً، لحين إنهاء عملية فرز أصوات الجنود، غياب وزيرين من أبرز وجوه اليمين المتطرف في الحكومة السابقة، وهما وزير التعليم نفتالي بينت، ووزيرة القضاء أيليت شاكيد، بعد أن فشل حزبهما الجديد "اليمين الجديد" باجتياز نسبة الحسم لغاية الآن، إذ ينقصه نحو 3500 صوت، يأمل بينت بأن يحصل عليها الحزب من أصوات الجنود، بما يؤمن اجتيازه نسبة الحسم، ما يعني زيادة في حجم معسكر اليمين بقيادة نتنياهو، وتغيير طفيف في عدد مقاعد الأحزاب التي اجتازت نسبة الحسم.



إلى ذلك فقد تمخضت هذه الانتخابات داخل المجتمع الفلسطيني عن خسارة ثلاثة نواب عرب، بعد أن حصلت القائمتان العربيتان اللتان خاضتا الانتخابات معاً على 10 مقاعد في مقابل 13 مقعداً كانت أحرزتها القائمة المشتركة للأحزاب العربية في الانتخابات الماضية. وجاء هذا التراجع بفعل شقّ القائمة المشتركة قبل نحو شهرين، عندما قدم عضو الكنيست أحمد طيبي طلباً رسمياً للجنة الكنيست للانفصال عن القائمة المشتركة. وفشلت محاولات إعادة توحيد القائمة، وتمخضت العملية التفاوضية عن تشكيل قائمتين حصلتا سوية على 10 مقاعد مع تراجع نسبة التصويت عند العرب في الداخل الفلسطيني، لدرجة بدا حتى ساعات مساء الثلاثاء بأنها تهدد بعدم اجتياز قائمة من القائمتين لنسبة الحسم.

إسرائيلياً، تتيح هذه النتائج لبنيامين نتنياهو، تشكيل ائتلاف حكومي وبدء ولاية خامسة له، ليكون أكثر رئيس حكومة إسرائيلي يشغل المنصب منذ إقامة دولة الاحتلال. وتبدو ملامح الحكومة المقبلة مشابهة للحكومة الأخيرة بفعل كون الشركاء المرشحين لتأليفها من نفس الأحزاب التي شكلت الوزارة الحالية، لكن قد يطرأ تغيير على توزيع الحقائب في الحكومة الجديدة. ويرجح مثلاً أن يحصل أفيغدور ليبرمان على منصب وزارة الأمن، بينما يأمل موشيه كاحلون بالإبقاء على وزارة المالية. وأعلن زعيم تحالف أحزاب اليمين الديني، رافي بيرتس، أنه يرى نفسه مناسباً لوزارة التربية والتعليم، وتعيين بتسلئيل سموتريتش وزيراً للقضاء. وهو سيناريو يمكن أن يتغير في حال بيّنت النتائج النهائية التي يتوقع أن تنشر غداً الجمعة، حصول نفتالي بينت على ما ينقصه من أصوات من الجنود ليجتاز نسبة الحسم ويعود لاعباً في الخريطة الحزبية في إسرائيل.

وفيما ينتظر أن تبدأ المشاورات الرسمية في ديوان رئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، لتلقي توصيات رؤساء الأحزاب باسم عضو الكنيست الذي سيكلف بتشكيل الحكومة، فقد بدأ نتنياهو منذ منتصف ليلة الثلاثاء، بعد إعلان نتائج العينات التلفزيونية اتصالات لتشكيل حكومته المقبلة، معلناً أنه سيحافظ على شركائه الطبيعيين في إشارة لحزبي يهدوت هتوراة وشاس، وتشكيل حكومة يمين تسعى للسلام ليس من خلال تقديم التنازلات للعرب بل من واقع القوة الإسرائيلية.

إلى ذلك يبدو أن نتنياهو قد يتجه للتخلص من ملفات الفساد التي تواجهه وقرار سابق من المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، بتقديم لوائح اتهام ضده، من خلال تسريع عملية تشريع لقانون خاص يمنح رئيس الحكومة حصانة من المحاكمة ما دام في منصبه. وفي حال تمكن نتنياهو من فرض شرط لتمرير قانون كهذا على شركائه الجدد في الائتلاف الحكومي، فمن شأنه أن يسارع إلى سنّ مثل هذا القانون مع بدء الكنيست الجديدة مزاولة عملها، عبر طرح مقترح قانون بهذا الخصوص من قبل عضو الكنيست المتطرف بتسليئيل سموتريتش، عن تحالف أحزاب اليمين الدينية. وسيكون على نتنياهو قريباً مواجهة مقترحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لما يُعرف بـ"صفقة القرن" (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية)، عبر المراهنة على رفضها من قبل الطرف الفلسطيني، علماً بأن شركائه في اليمين الديني أعلنوا مسبقاً رفضهم لأي مقترح بإقامة دولة فلسطينية، ناهيك عن إعلان نتنياهو نفسه خلال الأيام الأخيرة للمعركة الانتخابية أنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية وسيسعى لفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.