تزايد المخاوف من التدخلات الخارجية في الشأن التونسي

تزايد المخاوف من التدخلات الخارجية في الشأن التونسي

05 أكتوبر 2019
تعاقدات القروي أثارت المخاوف من التدخلات الخارجية (فرانس برس)
+ الخط -
لم يعد من الخفي على التونسيين وجود أيادٍ خارجية تسعى للتدخل في شؤونهم، والتأثير في المسار السياسي لبلدهم، ومحاولة إجهاض تجربتهم التي كانت وليدة حراك شعبي، أو على الأقل توجيهها في سياقات تخدم مصالح بعض الدول، شرقاً وغرباً.

وتتكثف هذه التدخلات مع اقتراب كل انتخابات. وإن كان بعضها سياسياً بحتاً يمكن فهمه في سياقات العلاقات الدولية وتشابك المصالح؛ فإنّ ما ينكشف للتونسيين، في الفترة الأخيرة، يدعو إلى الريبة ويزيد من حالة الغموض والشك في خصوص طبيعة المسار الانتخابي، ونوايا بعض القوى الداخلية في علاقاتها مع الخارج.

وألقت قضية العقود مع لوبيات أجنبية بظلالها على الانتخابات الرئاسية، حتى قبل فترة من انطلاقها، ولا سيما ما أُثير عن تعاقد المرشح المنافس في المرحلة النهائية من الرئاسيات، نبيل القروي، مع شركة ضغط وتأثير كندية، يديرها العنصر السابق في الاستخبارات الإسرائيلي آري بن ميناش.

وكشفت شركة "فيسبوك" وجود صفحات إسرائيلية موجهة لضرب أحزاب وشخصيات تونسية، ما دفع إلى التساؤل عما تريده إسرائيل من تونس وتجربتها الوليدة، وإن كان ذلك مفهوماً ضمناً بسبب التقاليد التونسية الراسخة قي نصرة القضية الفلسطينية، غير أنّ السؤال يبقى من تدعم إسرائيل تحديداً؟ ومن يمكن أن يخدم مصالحها في تونس؟

الجدل الذي أثارته قضية القروي، ووصلت أصداؤه إلى القضاء أيضاً، دفع السلطات إلى التعهد بالبحث في الملف، في حين نفت حملة القروي أي علاقة بهذه الجهات، ورفعت بدورها شكوى إلى القضاء بكل من يسعى إلى تشويهها.

ولكن ما كشفه اليوم وزير الخارجية الأسبق، وأحد قيادات "حركة النهضة" رفيق عبد السلام، أعاد إلى الأذهان المساعي الإماراتية للتدخل في الشؤون التونسية. وكتب عبد السلام على صفحته الرسمية في "فيسبوك"، بخصوص العقد المذكور، أنّ قيمته "تصل إلى مليون دولار أميركي، أي ما يعادل ثلاثة ملايين دينار، وهي قيمة كبيرة بالمعايير التونسية، هذا في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن القروي بنى مشروعه السياسي على الاستثمار في فقر التونسيين وعوزهم. فكيف يمكن لنصير الفقراء والمشفق على حالهم أن يدفع مليون دولار لشركة علاقات عامة؟".

واعتبر أنّ "الطامة الكبرى، أو أم الكبائر، هي أنّ الجهة التي تكفّلت بدفع هذا المبلغ هي دولة أبوظبي، عراب الثورات المضادة ومشاريع الخراب التي ضربت، وما زالت تضرب، المنطقة في أكثر من موقع في سورية واليمن وليبيا ومصر وغيرها، وهي نفسها التي تكفلت قبل ذلك بدفع مثل هذه المبالغ نيابة عن حلفائها في العالم العربي من (قائد مليشيات شرق ليبيا خليفة) حفتر إلى (نائب رئيس المجلس العسكري السوداني) محمد حمدان دقلو حميدتي، إلى انفصاليي اليمن الجنوبي، إلى القروي"، معتبراً أنّ ذلك "يعني أنّ مشروع القروي لا يزيد عن كونه حلقة جديدة في مسار تدمير الديمقراطية وضرب الثورة التونسية في مقتل".

وأشار إلى أنّ مدير الشركة الكندية التي تعاقد معها القروي، واسمها Dickens & Madson، "هو رجل المهمات القذرة، (آري بن ميناش)، وسبق له أن قدم خدماته... لحفتر في ليبيا، وقائد (قوات الدعم السريع) السوداني حميدتي، المتهم بارتكاب مجازر في حق سكان دارفور غرب السودان، والمؤكد (بن ميناش) يشتغل ضمن الأجندة الصهيونية في المنطقة، وليس مجرد مدير شركة علاقات عامة عادية. ونبيل القروي أيضاً يعرف هذا الأمر جيداً ولم يتم اختيار رجل المخابرات العسكرية الإسرائيلي اعتباطياً".

وتساءل عبد السلام: "لماذا طلب منه ترتيب مقابلة مع (دونالد) ترامب و(فلاديمير) بوتين بدل الاكتفاء بربط علاقات وصلات مع رجال السياسة الأميركيين؟ علماً بأن مثل هذا الطلب غير مفهوم من رئيس حزب ما زال بصدد التخلق السريع (مثل الأكلة السريعة Fast Food)، هذا إذا اعتبرنا قلب تونس حزباً أصلاً".


ولكن تهم التعامل مع شركات أجنبية طاولت "حركة النهضة" أيضاً، ولذلك سارعت، اليوم السبت، إلى إصدار بيان قالت فيه إنّه "وتبعاً لما تمّ كشفه من تعمد أحد الأطراف المترشحة إلى الانتخابات الرئاسية إبرام عقود مشبوهة مع مؤسسة إشهار دوليّة، وطلب الدعم المادّي والسياسي الخارجي، وتبعاً لسعي بعض الأطراف السياسيّة إلى إدراج اسم حركة النهضة في الموضوع تحقيقاً لغايات انتخابية انتهازية وغير شريفة، فإنها (النهضة) تنفي نفياً قطعياً إبرامها لأي عقد أو اتفاق مع شركة أجنبية يخصّ الانتخابات الجارية حالياً بالبلاد سواء الرئاسية أو التشريعية، مستهجنة مساعي التلبيس على الرأي العام بحشر اسم حركة النهضة في ملف لا علاقة لها به من قريب أو بعيد".

وأدانت النهضة بشدة "كل مساعي وترتيبات بعض الأطراف للتأثير على السير العادي للانتخابات، والاعتداء على السيادة الوطنية وفتح الباب أمام التدخلات الخارجيّة".


ويبدو أنّ ثمة جهات كثيرة أخرى تتابع المسألة التونسية وتدلي بدلوها فيها، بعضها خفي غير معلوم وبعضها الآخر مكشوف، ولا يمكن المرور بشكل عرضي، مثلاً، أمام تغريدة رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، التي كتب فيها أنّ "المرشح الليبرالي في تونس سيدخل التاريخ ليكون أول رئيس جمهورية ينتخب رئيساً وهو مسجون!"، في إشارة إلى القروي.


ولكن هذا "الاهتمام" بالشأن التونسي ليس عربياً وإسرائيلياً فقط، وإنما هو غربي أيضاً، وله أوجه كثيرة، أميركية وأوروبية، وقد تجلّى بوضوح مع اقتراب الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، ووجود أحد المترشحين في السجن، في تدخلات ومواقف خرجت أحياناً كثيرة عن الأعراف الدبلوماسية والعمل البحثي.

وقد تندرج ضمن هذا الإطار دعوة بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات في تونس "لتمكين المترشح للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية نبيل القروي من القيام بحملته للانتخابات الرئاسية، في إطار احترام مبدأ تكافؤ الفرص بينه وبين المترشح قيس سعيد، وفقاً لما ينص عليه القانون التونسي وطبقاً للالتزامات الدولية في المادة الانتخابية"، إلا أنها تغافلت عن القانون التونسي والتزاماته القضائية العادية في أي تهم أخرى.

ولئن كانت قضية القروي، ومبدأ تكافؤ الفرص، معضلة حقيقية يمكن أن تمس سلامة العملية الانتخابية، فإنّها تبقى في الأساس شأناً تونسياً صرفاً، والتعويل فيه على المؤسسات التونسية أن تبحث له عن مخرج سليم، دون تدخل أو دروس من جهات خارجية.