شرعية روسية للمجزرة: حلب المحروقة أمام الاجتياح أو الحصار

شرعية روسية للمجزرة: حلب المحروقة أمام الاجتياح أو الحصار

01 مايو 2016
وثّق الدفاع المدني سقوط 189 قتيلاً (ابرهيم أبو ليث/الأناضول)
+ الخط -
"آن أوان انطلاق معركة تحرير حلب كاملة من رجس الإرهاب"، تلخّص هذه الكلمات التي جاءت في الصفحة الأولى من صحيفة "الوطن" السورية المملوكة لابن خال رئيس النظام السوري رامي مخلوف، هدف أعنف قصف جوي وبري للنظام السوري على مدينة حلب منذ بدء سريان وقف الأعمال العدائية في السابع والعشرين من فبراير/ شباط الماضي.
فمع استمرار النظام بمجازره ضد أهالي المدينة، تشير معطيات إلى تحضير النظام لهجوم بري لاستعادة السيطرة على المدينة، فيما تتحدث معطيات أخرى، وفق أوساط معارضة، عن أن هدف هذه المجازر فرض حصار تجويعي لإجبار المعارضة على تسليم المناطق التي تسيطر عليها في حلب.
ولا يجد النظام السوري أي رادع دولي أمام مواصلته حملة حرق مدينة حلب، من خلال قصف جوي وبري لم يستثن المستشفيات والمساجد والمنازل ومحطات المياه، موقعاً عشرات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، بينهم أطفال وشيوخ ونساء، بل إن حليفته روسيا شرعنت قصف النظام للمدينة، أمس السبت. وقال نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، إن "موسكو لن تضغط على دمشق لوقف القتال في مدينة حلب السورية، حيث يواجه النظام تهديداً إرهابيا".
جاء ذلك في وقت أعلنت فيه المعارضة السورية وفاة الحل السياسي. وقال سفير الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في ألمانيا، بسام العبد الله، إن القصف المقصود للبنى التحتية المدنية في حلب المحررة هو رد مباشر من نظام بشار الأسد وحلفائه الروس على العملية السياسية في جنيف، كما أنه استهتار بالقانون الدولي واستخفاف بقرارات مجلس الأمن وانتهاكات وجرائم صارخة ضد الإنسانية. وطالب العبد الله المجتمع الدولي وأصدقاء الشعب السوري باتخاذ مواقف صارمة ضد النظام وضد موسكو، والإشارة إلى منتهكي القرارات ومدمري العملية السياسية بكل وضوح. سبق ذلك، موقف لمنسّق الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، قال فيه إنه "في ظل المجازر المروعة التي يرتكبها النظام، ليس من الممكن الحديث عن استئناف العملية السياسية".
لكنّ كلام الخارجية الروسية أنها "تنسّق إجراءاتها بشكل وثيق بشأن هذه المسألة مع الولايات المتحدة الأميركية" بعد يومين على اتفاق "تهدئة" في مناطق سميت بـ"الساخنة" في محيط دمشق واللاذقية، بدا وكأنه مشاركة من الولايات المتحدة بشكل غير مباشر في العملية المتوقعة على حلب. إذ لم تتحرك واشنطن بشكل فعلي لوقف المجزرة في حلب، على الرغم من استمرارها منذ أيام.


وأعلنت "القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة" التابعة للنظام السوري، أنه "حفاظاً على تثبيت نظام وقف الأعمال القتالية المتفق عليه، يطبّق بدءاً من الساعة الواحدة من صباح يوم 30 نيسان (أمس)، "نظام تهدئة" يشمل مناطق الغوطة الشرقية ودمشق لمدة 24 ساعة، ومناطق ريف اللاذقية الشمالي لمدة 72 ساعة". وأوضح البيان أن "نظام التهدئة يهدف إلى قطع الطريق على بعض المجموعات الإرهابية ومن يقف خلفها والتي تسعى جاهدة إلى استمرار حالة التوتر وعدم الاستقرار وإيجاد الذرائع لاستهداف المدنيين الآمنين".
ويرى رئيس المجلس العسكري في حلب ومدير مركز التوثيق الكيماوي، العميد زاهر الساكت، أنه "في ظل المجازر المستمرة في حلب يبدو الهجوم البري وشيكاً"، مشيراً إلى أن "قوات النظام السوري قد تستخدم سلاحاً كيماوياً وتتهم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) باستخدامه". وحول وضع حلب على قائمة أهداف النظام وروسيا، يقول الساكت في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "ذلك يعود لأهداف استراتيجية، لأنه إذا سقطت حلب سقطت الثورة، والشيء الآخر دروس من التاريخ، فقد تم كسر شوكة المجوس سابقاً في حلب"، في إشارة على ما يبدو إلى الهزائم المتكررة للمليشيات الإيرانية في حلب.
ويمكن قراءة ما أشار إليه الساكت أيضاً في سطور الإعلام التابع للنظام، حيث أشارت صحيفة "الوطن" السورية إلى أن "المعركة ستؤكد أن حلب قلب وعاصمة اقتصاد سورية "المفيدة" التي تتضمن كل شبر من سورية، واسترداد مدينة سيف الدولة الحمداني ثم المحافظة بأسرها ضربة قاصمة لجهود أي فريق يفكر أو يساوم على التقسيم أو إنشاء أي كيان سياسي تحت أي مسمى ومن دون الرجوع للدستور ولرأي أغلبية السوريين". وكتبت أن معركة حلب ونتائجها "ستشكل النقلة الكبيرة والنوعية في القضاء على الإرهاب وتطهير سورية من براثنه" على حد تعبيرها
ولا تزال مشاهد الموت تخيّم على أكبر المدن السورية حلب، من دون أن تستثني صغيراً أو كبيراً، طفلاً أو عجوزاً، ذكراً أو أثنى، ولا صوت لمآذن حلب الشاهقة منذ آلاف السنين، ولا حياة لمن بقي داخل المدينة، بعد استهداف النظام السوري للمستشفيات والمساجد والمنازل والأسواق. وبعد القصف الجوي لثمانية أيام متواصلة كان أعنفها قبل ثلاثة أيام، أصدرت مديرية الدفاع المدني إحصائية شملت كل ما خلّفته حملة النظام على مدينة حلب، وشملت الإحصائية 240 حالة استجاب لها عناصر الدفاع المدني كانت ناجمة عن 260 غارة جوية وقصف من الطيران المروحي بـ65 برميلاً متفجراً، فضلاً عن 110 قذائف مدفعية و18 صاروخاً من نوع أرض - أرض أغلبها من نوع "فيل" محلي الصنع.
ونجم عن هذا القصف، وفق الإحصائية، سقوط 189 قتيلاً، جلّهم من المدنيين ضمن أحياء المدينة الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، هم 106 قتلى من الرجال و43 امرأة و40 طفلاً. وبحسب الإحصائية، فإن أعداد الجرحى بلغت 394 مصاباً، من بينهم 223 رجلاً و75 امرأة و96 طفلاً.
وبعد القصف الشهير على مستشفى القدس في مدينة حلب، والذي أدى إلى مقتل آخر طبيب للأطفال في مناطق سيطرة المعارضة في المدينة، قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن "قصف الطيران الحربي الحكومي بالصواريخ لمحطة المياه في حي باب النيرب بحلب، أدى إلى اندلاع حريق في المحطة وإصابتها بأضرار مادية وسط مخاوف من جوع وعطش ينهي الحياة في المدينة بشكل كامل".
ولاقى القصف مواقف إدانة خجولة لفظية من قبل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، فيما ركزت الولايات المتحدة على القصف الذي استهدف مستشفى القدس، ودان وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت هجمات النظام السوري وحلفائه على المدنيين في حلب، ودعا الوزير الفرنسي المجتمع الدولي إلى "حشد جهوده من أجل ممارسة ضغوط على النظام تجاه التزامه بوقف إطلاق النار"، مطالباً مجلس الأمن الدولي بالتحرك بشكل فوري وتطبيق القرار الأممي رقم 2254 الذي ينص على انتقال سياسي في سورية. كما وصفت السعودية ما حدث بالعمل الإرهابي، ودعت حلفاء بشار الأسد إلى الضغط عليه لوقف هذه الاعتداءات.