التصعيد في إدلب: رسالة روسية لإيران وتركيا

التصعيد في إدلب: رسالة روسية لإيران وتركيا

21 مارس 2019
بدأ الأتراك دورياتهم في إدلب (عمر حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -
يثير التصعيد الروسي في محافظة إدلب ومحيطها بالشمال السوري، الكثير من الأسئلة بشأن أسبابه ودلالاته، وإلى أين يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف. وتطرح جملة من التساؤلات عما إذا كان هذا التصعيد يتم بتنسيق أو غضّ طرف تركي، أم أنه يأتي على الرغم من الاعتراضات التركية، ما يؤشر إلى توتر العلاقة بين الجانبين، الأمر الذي قد يهدد الاتفاقات والتفاهمات بين روسيا وتركيا التي تجملها اتفاقيتا سوتشي وأستانة. كما أن التصعيد يطرح تساؤلات عن العلاقة بين روسيا وإيران، وخصوصاً بعد زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد طهران نهاية فبراير/ شباط الماضي، وزيارة وزير الدفاع الروسي فيكتور شويغو الأخيرة دمشق. ويبدي البعض اعتقاده بأن كلّاً من إيران وروسيا تسحبان النظام باتجاه مختلف، غير أن الجميع يلتقي على التصعيد الميداني.

في إطار هذا التصعيد، قُتل خمسة أشخاص من عائلة واحدة، نتيجة غارات ليلية للطيران الحربي على قرية الفقيع، جنوبي إدلب. وأفاد "الدفاع المدني" أمس الخميس، بأن "أربعة أطفال ووالدهم قُتلوا من جراء الغارات، فيما أُصيب 6 أشخاص بينهم 3 أطفال بجروح". وقالت مصادر ميدانية في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الغارات الليلية طاولت محيط مدينة جسر الشغور وبلدة فريكة غرباً، وبلدات الشيخ مصطفى، وكفرومة، ومعرتحرمة، والحامدية، وحيش، وبسيدا، والفقيع، والقصابية، وتلعاس جنوباً".

وحصل القصف على الرغم من تسيير الدوريات التركية التي تراقب تنفيذ تطبيق القرار في المنطقة، إذ سيّرت منذ أكثر من أسبوع خمس دوريات. ووثّقت جهات حقوقية مقتل 215 مدنياً بينهم 76 طفلاً و43 سيدة في قصف روسيا وقوات النظام والمسلحين الموالين لها، الذي استهدف المنطقة المنزوعة السلاح منذ دخول اتفاق سوتشي حيّز التنفيذ في سبتمبر/ أيلول الماضي. كما حصل القصف بعد أسبوع على قصف روسي استهدف الأحياء السكنية وسط مدينة إدلب، ما أدى لمقتل 13 مدنياً وإصابة عشرات آخرين، وفقاً للدفاع المدني.

ورأى بعض المراقبين أن معاودة قصف الطيران الحربي الروسي ريف إدلب الغربي، مؤشر لعدم التوافق على صيغة مناسبة بين روسيا وتركيا، سواء بشأن تسيير الدوريات أو الالتزام بوقف إطلاق النار في المحافظة. وفي تفسيره لهذا التصعيد، أبدى المتحدث باسم هيئة التفاوض المعارضة يحيي العريضي، اعتقاده بأنه "تصعيد اضطراري لا اختياري، لا لأن روسيا حريصة على أرواح المدنيين، بل لأن النظام يخضع لضغوط متناقضة من جانب إيران وروسيا، فكل منهما يعمل باتجاه مختلف، فيما نظام الأسد يحاول من جانبه اللعب على الجهتين".

ورأى العريضي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القصف والتصعيد هو الوسيلة المتاحة أمام إيران للإبقاء على نفوذها في سورية، من أجل أن يتم التفاوض معها للعودة إلى الهدوء مجدداً". وأضاف أن "روسيا وجدت نفسها مضطرة للتدخل، فاتّبعت التصعيد أيضاً، كي يكون الحديث معها هي، باعتبارها صاحبة القول الفصل في إدلب". وأضاف أنه "على الرغم من أن اتفاق سوتشي هام جداً بالنسبة لروسيا وكذلك اتفاق أستانة، وهي حريصة على مواصلة علاقات التنسيق مع تركيا في هذه المرحلة، إلا أن روسيا اضطرت للتصعيد كي تستعيد الأوراق كلها إلى جعبتها مجدداً، في سياق التنافس مع إيران على من يقود الأسد".

من جهته، رأى القيادي في الجيش الحر، عضو وفد أستانة للمعارضة السورية العميد فاتح حسون، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "روسيا تبحث عن مخرج لنفسها في سورية، فهي لا تستطيع استعادة باقي المناطق لصالح النظام، ولا تستطيع تأمين أموال لإعادة إعمار المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد. من ثم لا ترى أمامها سوى الضغط عسكرياً وسياسياً، فتضغط عسكرياً في منطقة إدلب التي ترفض واشنطن وأنقرة أي عمل عسكري كبير فيها، فيما تضغط سياسياً من خلال تصريحاتها ضد الولايات المتحدة والتشكيك بأهدافها ونياتها. وتستهدف من ذلك زعزعة العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا، لثنيهما عن التوصل إلى توافق بشأن المنطقة الآمنة شمال شرقي البلاد، مع محاولة تقديم اتفاق بديل لتركيا متمثل في اتفاق أضنة (الموقّع عام 1998 بين أنقرة ودمشق)".



لكن حسون استبعد قيام النظام وحلفائه بعملية عسكرية واسعة حالياً في الشمال السوري، معتبراً أن "هدف التصعيد الحالي هو محاولة الضغط على تركيا والولايات المتحدة لتحصيل مكاسب شرقي الفرات، تحديداً مع اقتراب موعد الانسحاب الأميركي من تلك المنطقة". وتوقع أن "تواصل روسيا التصعيد، أمل أن تحصل على دور ومكاسب في شرق الفرات".

واللافت أنه إلى جانب هذا التصعيد الميداني، الذي يفسره البعض بأنه نتيجة لوجود خلافات بين تركيا وروسيا، عقد الجانبان اجتماعاً عسكرياً ميدانياً، قرب مدينة أعزاز شمالي حلب، جرى خلاله التوافق على فتح الطريق الدولي من معبر باب السلامة باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري، وطلبا من فصائل "الجيش الوطني" وقوات النظام الالتزام بوقف إطلاق النار على طول الطريق الدولي، الواصل بين حلب ومدينة غازي عنتاب التركية.

وكانت كل من روسيا وتركيا بدأتا ابتداءً من 10 مارس/ آذار الحالي تسيير دوريات مشتركة على طرفي "المنطقة العازلة" في أرياف إدلب وحلب وحماة، إضافة إلى إزالة الألغام في محيط الطريق الدولي حلب ــ غازي عينتاب قرب قرية مرعناز التابعة لمدينة أعزاز. وجاء ذلك استكمالاً لاجتماعات سابقة بين الجانبين عُقدت الأسبوع الماضي جنوب غربي بلدة أعزاز، وذلك بعد الاتفاق على إزالة الألغام والسواتر الترابية الفاصلة بين مناطق سيطرة الفصائل والأتراك من جهة، عن مناطق سيطرة "الوحدات الكردية" وقوات النظام والروس في تل رفعت شمال حلب من جهة ثانية. وسبق لتركيا أن افتتحت في الرابع من الشهر الحالي معبر أونجو بينار المقابل لمعبر باب السلامة في منطقة أعزاز، وذلك بعد إغلاق استمر لثمانية أعوام.

وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو منتصف سبتمبر الماضي، أنه "سيتم فتح الطريق الدولي الواصل بين محافظتي حلب وحماة، والطريق الواصل بين محافظتي حلب واللاذقية، ضمن الاتفاق الذي توصل إليه الرئيسان الروسي (فلاديمير بوتين) والتركي (رجب طيب أردوغان) حول محافظة إدلب في سوتشي".

وبموجب ذلك الاتفاق، كان من المقرر أن يتم فتح تلك الطرقات بوجه الحركة التجارية مطلع العام الحالي، بالإضافة إلى إقامة نقاط مراقبة على امتدادها وصولاً إلى منطقة أعزاز شمال حلب، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن. وتردّد أن أنقرة تحبّذ تأجيل هذه الملفات حتى التوصل إلى حل نهائي في سورية، لكن موسكو تصرّ على سحب هذه الأوراق منها وإغلاق ملف إدلب قبل الانسحاب الأميركي من سورية، لأنها تريد التفرغ لشرق الفرات.
ومما ضيّق الخيارات التركية عدم تحقيق تقدم يذكر في الملفات التي تعهّدت بها، وعلى رأسها التعامل مع المنظمات المتطرفة في الشمال السوري. وهي المسألة التي اتخذتها روسيا ذريعة لتصعيدها. ما قد يدفع أنقرة في النهاية للقبول بخفض سقفها، وغضّ الطرف عن قيام روسيا وقوات النظام بتوغّل برّي محدود في ريف اللاذقية أو شرق إدلب، ومن ثم إعادة تعريف الدور التركي في إدلب ومحيطها، بما يحجّم هذا الدور، مع ضمان المطالب التركية الأساسية المتعلقة بتجنب عملية واسعة أو إزهاق أرواح عدد كبير من المدنيين أو حصول موجات نزوح باتجاه تركيا. بالإضافة إلى المطلب الأميركي الدائم بعدم استخدام أسلحة كيميائية في أي عمليات عسكرية.

وكان لافتاً في هذا الإطار، عودة روسيا لمعزوفة "الهجوم الكيميائي المفتعل"، مع ادّعاء المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، وجود تقارير بأن "مقاتلي هيئة تحرير الشام، بمساعدة الخوذ البيضاء، يجهزون مسرحية جديدة باستخدام الموادّ السامة ليلقوا في ما بعد مسؤولية استخدام الأسلحة الكيميائية على عاتق القوات الحكومية". ودرجت روسيا على تكرار مثل هذه الأقوال، التي عادة ما تستهدف التغطية على هجوم كيميائي محتمل من جانب قوات النظام، أو تكون مبرراً لهجوم من جانب روسيا وقوات النظام على مناطق المعارضة.

وعلى هذا، فإن روسيا تعود لسياستها القديمة المعروفة في إدارة مناطق خفض التصعيد، لجهة التسخين المدروس فيها، وصولاً إلى اجتياحها عسكرياً بتوافقات سياسية وميدانية، التي لم يبق منها خارج سيطرة قوات النظام سوى منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب، التي هي بنظرها ترتيب مؤقت، وأنه في النهاية، لا بد من عودة هذه المناطق إلى سلطة النظام، كما عادت مناطق خفض التصعيد الثلاث الأخرى من قبل. وعلى ذلك، فإن المعركة التي قد تشعلها روسيا في إدلب وتدّعي حتى الآن أنها "بالتنسيق مع تركيا"، تعني في حقيقتها طيّ الاتفاقات السابقة التي تقدّم إدلب لتركيا بوصفها منطقة نفوذ لها، لتعود الدول الثلاث روسيا وتركيا وإيران إلى طاولة تفاهماتٍ جديدة، قد لا تكون الولايات المتحدة بعيدة عنها، وقد لا تقتصر على شمال غربي سورية، بل تمتد إلى شرق الفرات أيضاً.


المساهمون