مؤتمر هرتسليا: أسئلة الانتصار والقلق من الدولة الواحدة

مؤتمر هرتسليا: أسئلة الانتصار والقلق من الدولة الواحدة

02 يوليو 2019
تحدث كوهين عن تعاون سري مع دول عربية(فرانس برس)
+ الخط -
انشغل المؤتمر السنوي للمركز متعدد المجالات في هرتسليا (المعروف عادة باسم مؤتمر المناعة القومية)، الذي أطلق أعماله أول من أمس، الأحد، بثلاث قضايا رئيسية، تتصل الأولى باحتمالات وقدرة إسرائيل على الانتصار في حرب مقبلة، وسؤال حول تداعيات انهيار حل الدولتين والاتجاه نحو حل الدولة الواحدة، كخطر يهدد الحلم الصهيوني بإقامة دولة يهودية والتحوّل نحو دولة واحدة على أساس المساواة التامة للفلسطينيين وحقهم في التصويت والاقتراع. وبطبيعة الحال يتم استغلال المؤتمر لجهة تحويل الحرب ومعاداة الصهيونية وسياسات إسرائيل وحرف ذلك إلى اعتبارها حرباً وعداء للسامية.

وقد كان بارزاً في أولى الجلسات ذات الأهمية في المؤتمر، إلى جانب التصريحات التي أدلى بها رئيس "الموساد" يوسي كوهين بشأن التعاون السري مع دول عربية لا تقيم علاقات مع إسرائيل، وتحميل إيران مسؤولية تفجير ناقلات النفط أخيراً في الخليج العربي، مدعياً "أن هذه الهجمات أقرّت من القيادة الإيرانية"، تركيز مجموعة من خبراء الأمن، وهم نائب رئيس أركان الجيش السابق الجنرال يئير غولان، ورئيس مجلس الأمن القومي الأسبق غيورا أيلاند، وقائد سلاح الجو الأسبق الجنرال أمير إيشل، على مسألة شروط وأدوات الانتصار في الحرب المقبلة، وسط تباين في رؤية شكل الحرب المقبلة، خصوصاً في مواجهة "حزب الله".

وفيما أبدى غولان رأيه بأن الحرب المقبلة لا يمكن لإسرائيل أن تنتصر فيها من دون مناورات برية واجتياح بري للبنان، مع ضرب قوات "حزب الله" وقواعده والبنى التحتية له، اعتبر أيلاند أن المحور الأساسي في هذا السياق يجب أن يبدأ من تحديد هوية العدو، بمعنى عدم حصر الهدف، في حالة لبنان مثلاً بـ"حزب الله"، بل يجب ربط كل المنظومة اللبنانية في دائرة العداء، وبالتالي استهداف الجيش اللبناني والدولة اللبنانية والشعب اللبناني في العمليات القتالية، وعدم محاولة فصل وعزل "حزب الله" عن باقي لبنان، مشيراً، في الوقت ذاته، إلى أنه يجب، في أي مواجهة مقبلة، أخذ سورية وروسيا في الحسبان، لجهة وقوف الأولى إلى جانب "حزب الله"، فيما سيكون دور روسيا في سياق منع إطالة زمن الحرب.

مقابل هذه الرؤيا، اعتبر قائد سلاح الجو الأسبق الجنرال أمير إيشل، أن كل حديث عن مناورات برية باعتبارها الحل السحري، هو في الواقع رومانسية، لأنه لا يمكن الاعتماد، لا سيما في ظل حالة عدم جهوزية القوات البرية، فقط على المناورات البرية، لأن الصواريخ والخطر غير محصورين فقط في الجنوب اللبناني، والذهاب لخيار المناورة البرية والاجتياح سيعني اجتياحاً برياً حتى عمق مائة كيلومتر، من دون أن يعني ذلك ضماناً بالقضاء على الخطر الصاروخي، حتى لو تم القضاء على 80 في المائة من الترسانة الصاروخية. وأقر المتحدثون في الجلسة بأن الحرب المقبلة ستكلف الجبهة الداخلية الإسرائيلية ثمناً باهظاً، وستكون عرضة لأخطار وأضرار لم يسبق لها مثيل. وأشار أيلاند، في هذا السياق، إلى التحولات الجديدة في بناء القوة الإيرانية و"حزب الله"، لا سيما تطوير أسلحة دقيقة الإصابة، ما يعني استهدافاً شبه مؤكد للمنشآت الاستراتيجية القيمة لدولة إسرائيل، خصوصاً أن مثل هذه المنشآت في دولة مثل إسرائيل ليست كثيرة، وهي غير موزعة جغرافياً على مساحة واسعة ومترامية، ما يعني تعرضها لخطر كبير في المواجهة المقبلة.

في المحور الثاني والأهم في جلسات مؤتمر هرتسليا للمناعة القومية، الذي عقد هذا العام تحت عنوان "الإبحار في مياه هائجة"، كان المحور الخاص بتصورات مستقبلية لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وذهب الجنرال احتياط مايكل هرتسوغ، الذي عمل سابقاً في طاقم المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، إلى التحذير من أن خيار الدولة الواحدة، يصبح خطراً داهماً، في ظل تأكيد استطلاعات متواترة للرأي الفلسطيني أن 40 في المائة من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وبفعل اليأس من آفاق التسوية الإقليمية، لا يسقطون خيار الدولة الواحدة على أساس "one man one vote"، وهو تحدٍ يمكن له أن يصبح واقعاً في مرحلة ما بعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهو موقف لن يكون لإسرائيل القدرة على مواجهته، لا في الولايات المتحدة ولا في المجتمع الدولي، وينذر عملياً بتحطيم حلم الدولة اليهودية. واعتبر هرتسوغ أن مثل هذا التطور ليس بالضرورة الموقف المنشود فلسطينياً، لكنه قد يكون حلاً للخروج من حالة اليأس، في حال لم يكن هناك أفق لحل يقوم على دولتين.

وفي المحور الثالث من جلسات المؤتمر، التي تناولت الخطر الإيراني كموضوع يرافق مؤتمر هرتسليا سنوياً في الأعوام الأخيرة، فقد خصص المؤتمر جلسة لموضوع هل يمكن إعادة "المارد الإيراني للقمقم" عبر سياسات الإدارة الأميركية الحالية، وما الذي يريده فعلاً الرئيس الأميركي دونالد ترامب في هذا السياق؟ وقد أعلن المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية في واشنطن مارك دايفوفيتش أن سياسة ترامب واستراتيجيته تقومان عملياً على نسخ سياسة الرئيس رونالد ريغان حيال الاتحاد السوفييتي، و"اعتماد استراتيجية الحد الأقصى من العقوبات، سعياً لإضعاف العدو ومنع مراكمته لمزيد من القوة، ونحن نرى اليوم أن نتائج السياسة الأميركية بدأت تطرح ثمارها".

في المقابل كان الموقف الإسرائيلي واضحاً، كما عبرت عنه مسؤولة قسم الأبحاث في "الموساد" سابقاً سيما شين، عندما اعتبرت أن السؤال المحوري هو ما الذي يريده ترامب في نهاية المطاف؟ الذي لا يفهم جيداً المعارضة الإيرانية واستعداد الإيرانيين للدفاع عن كرامتهم وتاريخهم ومكانة إيران في الخليج. وبحسبها، فإنه من المحتمل أن يصل الطرفان في نهاية المطاف إلى تسوية، ولن يحدث هذا قريباً، بفعل انعدام الثقة بالإدارة الأميركية تحت قيادة ترامب. وأعلنت أنه لا توجد لدى الإدارة الأميركية خطة بديلة في حال فشل سياسة العقوبات الاقتصادية الحالية. وشككت شين باحتمال أن يتجه ترامب نحو عملية عسكرية ضد إيران.

من جهته، أعلن الرئيس السابق للجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية البروفيسور أريئل لافيت أنه خلافاً لما هو ظاهر، فإن الولايات المتحدة لا تملك عملياً استراتيجية واضحة في مسألة الموقف من الاتفاق النووي مع إيران، وأنه لا مجال اليوم للعودة لهذا الاتفاق في ظل موقف أميركي لا يملك استراتيجية، لا لجهة التصعيد ولا لجهة المفاوضات. من جهته، كرر الجنرال احتياط يعقوف عامي درور الموقف الإسرائيلي الداعي لمواصلة الضغط على إيران بمزيد من العقوبات مع الاستعداد لخيار توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية في إيران من جهة، ومواصلة الضربات والخطوات الإسرائيلية لمنع تموضع إيران أيضاً في سورية، ومنع طهران من تمكين "حزب الله" من تشكيل قوة عسكرية صاروخية في لبنان، لمنع إسرائيل من ضرب إيران. واعتبر عامي درور، الذي شغل سابقاً منصب مدير عام مجلس الأمن القومي، أنه لا يجوز السماح لإيران بتشكيل هذه القوة المانعة في لبنان، وبالتالي ينبغي مواصلة الجهد الإسرائيلي مهما كلف ذلك للوصول إلى درجة الجهوزية اللازمة لضرب المنشآت النووية في إيران من تل أبيب، وعدم ترك ذلك لأي طرف آخر أو الاعتماد على الآخرين.