سيناريوهات ما بعد الاستفتاء... مخاوف أوروبية من عدوى بريطانيا

سيناريوهات ما بعد الاستفتاء... مخاوف أوروبية من عدوى بريطانيا

5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
22 يونيو 2016
+ الخط -
ظلّ القياس الأوروبي (Eurobarometer)، طيلة 40 عاماً، يستطلع آراء الأوروبيين في عضوية بلادهم بالاتحاد. طبعاً، لم يكن كل دول الاتحاد عضواً فيه كما الحال اليوم مع عضوية 28 دولة. وخلال السنوات الماضية، انشغل أكثر المتخصصين خبرة في قراءة المواقف الأوروبية من وحدتهم، يتلمّسون التردد الذي تظهره الاستطلاعات ودراسات بحثية لآراء الشارع في دول الاتحاد.

توجّس بريطاني قديم
أجرى مركز قياس رسمي تابع للمفوضية الأوروبية، "يوروباروميتر"، 77 استطلاعاً خلال العقود الماضية. وفي معظمها كانت نتائج المملكة المتحدة سلبية تجاه الاتحاد، وقبله السوق الأوروبية المشتركة منذ الانضمام الرسمي عام 1973. ويركز السؤال الذي طُرح في الاستطلاع على مدى استفادة المواطنين من عضوية بلادهم في الاتحاد الأوروبي، وهو: هل برأيك أنّ عضوية بلدك في الاتحاد الأوروبي أمر جيد أم سيئ أم لا موقف؟ بالتأكيد أن مركز القياس لا يقتصر فقط على سؤال واحد في عمليات مسح آراء المواطنين الأوروبيين، من خلال عيّنات لمن هم فوق الخامسة عشرة، ويشمل أيضاً قطاعات واسعة لآراء الأوروبيين بوحدتهم، وما يحصلون عليه من حقوق وخدمات ويقدّمون من واجبات، والأخيرة هي المقلقة لهؤلاء.

لا يأتي الاستفتاء البريطاني، غداً الخميس، على خلفية تعثُّر المفاوضات بين حكومة ديفيد كاميرون المحافظة والاتحاد منذ 2014 و2015 فحسب، بل هو تعبير عن نتائج التردد التي تظهرها الاستطلاعات منذ 1975. تلك النتائج، التي اطلعت "العربي الجديد" على جزء منها، تشير إلى أنه حتى العام 2015، لم يجد المستطلعون البريطانيون فائدة من الانضمام للاتحاد بنسبة تزيد عن 50 في المائة، باستثناء فترة التسعينيات. وبذلك شكّل البريطانيون الأكثر سلبية تجاه الاتحاد الأوروبي من بقية الدول الأخرى، مع استثناء يخص الدنماركيين الذين دخلوا في العام ذاته إلى السوق الأوروبية (1973)، إذ ظلّت تتأرجح مواقفهم القريبة من مواقف البريطانيين.

ويبدو أن البريطانيين والدنماركيين من أكثر الدول تشككاً إزاء المشروع الأوروبي لأسباب تتعلق بمنح الاتحاد سلطات أكبر و"حرية الحركة والتنقل"، ما يؤشر، وفقاً لتلك النتائج وخلاصات باحثين، إلى أنّ "المدّ القومي المتشدد" متشابه في الدولتين، حتى تجاه أوروبيين من شرق القارة.

مديرة مركز الأبحاث الدنماركي "ثينك تانك أوروبا"، كاثرينا سورنسن، لا ترى أن "هذا التشكيك يعني رغبة بالخروج من الاتحاد". الأمر عينه يراه البرفسور في العلوم السياسية في جامعة "أُلبورغ"، يورغن أندرسن. وعلى الرغم من أن الاستطلاعات تشير إلى تشكيك متصاعد، يرى 65 في المائة إيجابية لوجود بلادهم في الاتحاد الأوروبي. وعلى النقيض من هؤلاء، فإن الفترة بين 2010 و2015، جاءت فيها نتيجة استطلاعات للرأي أنّ 45 في المائة يرون سلبية في عضوية الاتحاد". هذا الأمر بالنسبة للمهتمين بتلك الاستطلاعات، مثل كاثرينا سورنسن، ليس سوى تعبير عن رغبة حقيقية بـ"أن يُسمع صوت النقد عالياً لدى القائمين على الاتحاد. ولهذا نشهد المزيد من النقد والسلبية، وهو ما يعني وجود أزمة شرعية في منظومة الاتحاد"، على حدّ قولها.


وكما هو الانقسام البريطاني الداخلي، حتى في صفوف الأحزاب المؤيدة والمعارضة للبقاء أو الانسحاب من الاتحاد، فإن الأمر عينه ينطبق على عدد من الدول الأوروبية الأخرى. حملات كثيرة شهدتها تلك الدول وهي تتحدث عن "كارثة اقتصادية" في الخروج البريطاني، بينما يجد المتشككون، يساراً ويميناً، أن الاستفتاء والنتيجة تعنيهم أكثر لناحية طرح المزيد من النقد أو التفاوض تحت طائلة التهديد باستفتاء شعبي شبيه بما تعيشه المملكة المتحدة. ويرفض آخرون نظرية الكارثة الاقتصادية على الاتحاد في حال خرجت بريطانيا.

ثلاثة سيناريوهات
تستند بعض الأبحاث التي أجريت من مراكز أوروبية متخصصة إلى ما طرحه أستاذ في مدرسة "لندن للاقتصاد"، البروفسور تيم أوليفر (2014) حول السيناريوهات المتوقعة في حال خروج بريطانيا من الاتحاد.

كبيرة الباحثين في مركز "ثينك تانك أوروبا"، ماريا راسموسن تتجه نحو ثلاثة سيناريوهات: الأول، ضعف في توازن القوى اقتصادياً وسياسياً، وفي السياسة الأمنية الخارجية والداخلية في الاتحاد. وهذا السيناريو يحمل تشظياً،
وانقساماً، ورغبات خروج دول أخرى. وهنا يجري ترشيح إيطاليا أكثر من اليونان. في الشرق والجنوب الأوروبي، ربما نصبح أمام تحالف يؤثر على توازن القوة بين ألمانيا وفرنسا. فالأخيرتان، بالنسبة للكثيرين، تشكلان عموداً أساسياً في سياسة الأمن الأوروبي بمعناه الشامل. هما عضوان في مجلس الأمن الدولي، ولديهما أقوى الاقتصادات، ومؤثرتان في صناعة سياسة خارجية موحدة للاتحاد الأوروبي. فهذا السيناريو يعتبر بداية انهيار الاتحاد، كما نعرفه اليوم.

الثاني، لن يكون هناك تغيير كبير، وسيستمر الاتحاد كما هو. لكنه سيناريو يحمل المزيد من التوتر والتشنج في العلاقات بين الدول التي تريد الاتحاد أن يكون "فوق القومي" في تعاونه وتلك التي تريده بين الدول بممارسة سيادتها من دون نقصان. ويرى هذا السيناريو أن ألمانيا (التي يؤيد أكثر من 71 في المائة من مواطنيها الاتحاد، وفق مقياسه الرسمي) ستكون القوة التي نعرفها اليوم مع احتكاكات مستقبلية بفرنسا كقوة كبرى أخرى في الاتحاد الأوروبي. لكن ليس ثمة تغيير في انفتاح السوق الأوروبي على بعضه، وبقاء الليبرالية والسياسات الناعمة بدل القوة العسكرية في العلاقة مع الآخرين.

أما السيناريو الثالث، فيتحدث عن تعاون واندماج أكبر بين الدول الأوروبية في أو خارج الاتحاد. وبالطبع، يتطلب هذا السيناريو تقوية المجموعة الأوروبية، وذلك ببقاء قوة ألمانيا متناغمة مع قوة فرنسا للإبقاء على سياسات اقتصادية مشتركة وتعاون عسكري أوسع، لكن ذلك لكن يكون كمالياً من دون اتفاق ما مع بريطانيا.

تواجه السيناريوهات المذكورة مشكلة أساسية، وفق الباحثين. فتحدي خروج بريطانيا يتطلب فعلياً أن تكون الدول الأعضاء مستعدة لمزيد من التعاون والاندماج. واقع الحال يعاكس تلك المتطلبات، هذا إذا أخذنا مثلاً تطورات كثيرة حصلت على صعيد زيادة رصيد النبرة القومية المتشددة، المبطّنة منها والواضحة، مثلما هو الحال في النمسا، وصعود نجم حزب الحرية (يميني شعبوي). يضاف إلى ذلك التخوف من أن تذهب دول أخرى تتدنى فيها نسبة تأييد البقاء في الاتحاد، نحو الاستفتاء، كما في كل من التشيك، وقبرص، والنمسا نفسها، وإيطاليا، وارتفاع أصوات دنماركية، وسويدية تطالب بتشديدات معينة أو استفتاء خروج.





لا يخفي هؤلاء أن قضية حرية الحركة أثّرت بشكل سلبي على مزاج الشارع الأوروبي. وهي تصريحات عبّر عنها بعض المؤيدين للخروج البريطاني، وهم يصفون تلك الحرية بأنها "فتحت الأبواب أمام الجنائيين الأجانب". وقد عبّر وزير العدل البريطاني المحافظ، دومينيك راب، عن دعمه للخروج بقول مثير للانتباه لصحيفة "دايلي أند صنداي أكسبرس"، يوم الأربعاء الماضي، محذراً من أن البقاء في الاتحاد "سيعطي المزيد من الجنائيين الأجانب مزيداً من حرية الحركة". وأضاف: "من الصعب القيام بأي خطوة بسبب المعاهدات الأوروبية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان".

تلك التصريحات سقطت سلاماً على قلب زعيم حملة "بريكست"، الداعمة للخروج من الاتحاد، ماثيو أليوت. وبحسب ما نقلت عنه صحيفة "ذي إندبندنت"، سابقاً فإن "خمسين من أخطر مجرمي أوروبا يدخلون بحرية إلى بريطانيا، و45 منهم ارتكبوا أعمالاً فظيعة في البلد، منها الاغتصاب والقتل". أليوت، المتهم اليوم بالكذب على الناخبين يستمر في التحذير من مخاطر بقاء بلده في الاتحاد، بحجة أن حرية الحركة "خلقت حرية حركة للمجرمين، وهو ما يجعل بريطانيا أقل أمناً وحماية".

اقتصادياً، يحذّر الباحثون المختصون في شؤون النمو الأوروبي في السيناريوهات المطروحة من أن أوروبا قد تشهد مرة أخرى إشكالية كانت قائمة بين "شمال وجنوب" القارة. لكن وفقاً لمركز التفكير الأوروبي، فإن استمرار النمو السكاني والاقتصادي في بريطانيا سيجعلها عام 2050 تفوق أي بلد أوروبي آخر في الاتحاد. ولهذا، يرى هؤلاء أنه "من المهم جداً للاتحاد الأوروبي أن يجعل بريطانيا قريبة منه، وشريكاً له وفق أي من السيناريوهات التي من الممكن أن تسود بعد الاستفتاء".

كما يعتبر هؤلاء أن السيناريو الثاني هو الأقرب للواقعية إنْ خرجت بريطانيا. التأثير على النظام النقدي والاقتصادي الأوروبي لن يكون كبيراً كون بريطانيا خارج نظام اليورو. لكنهم أيضاً يربطون التوازن المالي والاقتصادي بما ستكون عليه علاقة المملكة المتحدة بحلفائها في المستقبل. بولندا والدنمارك حليفان وشريكان لبريطانيا، لكنهما بلدان براغماتيان يسعيان لمصلحتهما، وبالتالي حتى المحافظون ويمين الوسط ليسوا متحمسين كثيراً في هاتين الدولتين لخطوة الخروج هذه، بحسب الباحثين.

وتزايدت، أخيراً، أصوات بريطانية تتبنى النموذج النرويجي في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. فأوسلو، وإنْ لم تكن عضواً، فهي تقوم منذ سنوات بجعل قوانينها تتأقلم مع توجهات الاتحاد، لكن ثمة من يحذرها من تبني هذا النموذج بمن فيهم رئيسة وزراء النرويج، أرينا سولبيرغ في 18 يونيو/حزيران الحالي، ورئيس وزرائها السابق، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، يانس ستولتينبيرغ. وتوجهت سولبيرغ في حديثها للبريطانيين، قائلة: "ستكرهون ذلك، لن تحبوا أن تكونوا في تلك العلاقة".

ما تعنيه رئيسة وزراء النرويج، التي صوتت في استفتاء شعبي ضد دخول الاتحاد عام 1994، أن القوانين الأوروبية التي يجري اتخاذها في بروكسل "يجري التأقلم والتماشي معها، ودفع المال لتنفيذها من دون أن يكون لنا نفوذ في الاتحاد وقراراته. نحن ملزمون أن نكون جزءا من اتفاقية شينغن (تسمح بتنقل حر عبر حدود الدول الموقّعة على المعاهدة لحاملي تأشيرة أي منها) بطريقة أو أخرى، بحيث نسمح لمواطني الاتحاد الأوروبي بدخول بلدنا من دون جواز سفر". وأضافت سولبيرغ أنّ "الأمر سيكون صعباً للبريطانيين كونه سيكون مقرراً من بروكسل من دون أن يكون للندن أي مشاركة أو نفوذ في القرارات".



ذات صلة

الصورة
تظاهرة تضامنية مع فلسطين وغزة في كتالونيا 26/11/2023 (روبرت بونيت/Getty)

سياسة

منذ صباح 7 أكتوبر الماضي بدا الاتّحاد الأوروبي، أو القوى الكبرى والرئيسية فيه، موحدًا في الاصطفاف إلى جانب إسرائيل، ورفض عملية طوفان الأقصى ووصمها بالإرهاب
الصورة
عرفات ورابين وبيريز

سياسة

في الحلقة الثانية من الحوار مع السفير الفلسطيني عمر صبري كتمتو، يكشف عن دور متهاون لأعضاء في الوفد الفلسطيني، ويكشف عن مخطط لاغتيال عرفات، وكذلك حصول أبو عمار على جائزة نوبل للسلام، والمواجهات مع الموساد
الصورة
ياسر عرفات مع رئيسة الوزراء النرويجية غرو هارلم بروتنلاند

سياسة

كشف السفير الفلسطيني عمر صبري كتمتو في الحلقة الأولى عن ملابسات تعينيه وظروف العمل الفلسطيني في الدول الاسكندنافية والتحضير لانطلاق المفاوضات السرية.
الصورة

سياسة

أكد نائب في البرلمان الأوروبي، اليوم الخميس، أنّ السلطات التونسية رفضت دخول بعثة نواب أوروبية من كتل مختلفة في البرلمان الأوروبي إلى أراضيها.