الصين في مواجهة تبعات كورونا عالمياً: "المحارب الذئب" يقترب

الصين في مواجهة تبعات كورونا: "المحارب الذئب" يقترب

24 ابريل 2020
الصين تحاول تعزيز وضعها العالمي (كيفين فراير/ Getty)
+ الخط -
من آسيا إلى أفريقيا، من لندن إلى برلين، بدأ مبعوثون صينيون "عواصف دبلوماسية دفاعية" بعدما اتهمت بلادهم بعدم التحرك بالسرعة الكافية لوقف تفشي جائحة فيروس كورونا. ينتمي هؤلاء المبعوثون إلى جيل جديد من دبلوماسيي "المحارب الذئب"، الذين لقبوا بهذا الاسم نسبة لسلسة أفلام وطنية ضخمة، يلعب فيها كوماندوز صيني مفتول العضلات دور البطولة ويقتل الأشرار الأميركيين في أفريقيا وجنوب شرقي آسيا بيديه العاريتين.

كان النهج الأكثر صرامة يتراكم منذ عدة سنوات في عهد الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي تخلى فعليًا عن نهج الزعيم السابق دنغ شياو بينغ في إخفاء طموحات الصين وانتظار وقته. وحثت حكومته دبلوماسييها على متابعة "دبلوماسية الدول الكبرى ذات الخصائص الصينية"، أي دعوة للصين لإعادة تأكيد وضعها التاريخي كقوة عالمية.
وجاء في افتتاحية صحيفة "غلوبال تايمز" التي تديرها الدولة، والمعروفة بآرائها الصريحة: "الأيام التي يمكن فيها وضع الصين في موقف خضوع قد ولت منذ فترة طويلة"، قبل أن تضيف أن الشعب الصيني "لم يعد راضيا عن اللهجة الدبلوماسية الهشة".

من جهته، استهان السفير غوي كونغيو بالصحافيين في السويد، وقارنهم بملاكم خفيف الوزن يسعى لمنازلة الصين ذات الوزن الثقيل. وهاجم في تعليق على موقع السفارة على الإنترنت، الشهر الماضي، مراسلًا سويديًا كتب مقالا عن تأثير النظام السياسي للحزب الواحد في الصين على استجابتها للفيروس.
وورد فيه إن "استخدام هذا الوباء لأغراض سياسية، وشن هجمات أيديولوجية ونشر الأكاذيب باسم حرية التعبير، لن تؤدي إلا إلى تخريب الذات. إنها مثل رفع صخرة وإسقاطها على أصابع قدميك".
يقول خبراء إن بكين ترى أن المنتقدين لا يهاجمون أفعالها فحسب، بل أيضا قيادتها وحقها في الحكم. وفي هذا الإطار، قال أستاذ الدراسات الدولية في جامعة رنمين شي يين هونغ "إذا حاول أي شخص مهاجمة الصين في هذه القضية، فإن الصين سترد بقوة. قد يعتقد القادة الصينيون أنه إذا لم ترد الصين على ذلك، فإنه سوف يضر بالصين أكثر".
من جانب آخر، يتجه الدبلوماسيون الصينيون بشكل متزايد إلى "تويتر" و"فيسبوك"، وهي منصات تم حظرها في بلادهم. ويسيرون في ذلك على خطى تشاو ليجيان، الرائد في استخدام تلك المنصات، وقد جذبت تغريداته أثناء وجوده في باكستان عددًا كبيرًا من الأشخاص، وقادت أيضًا سفيرة أميركا السابقة في الأمم المتحدة، سوزان رايس، إلى تسميته "عارًا عنصريًا" يجب فصله. بدلاً من ذلك، قامت الصين بترقيته إلى متحدث باسم وزارة الخارجية.

إلى ذلك، قال خبير السياسة الصينية في كلية فوردهام للقانون في مدينة نيويورك، كارل مينزنر، إن شي أشار بوضوح إلى تفضيله دبلوماسيي "المحارب الذئب". وأضاف أن هؤلاء الدبلوماسيين من الطراز الجديد "يقرأون أوراق الشاي، ويستخدمون اللغة المنمقة في الخارج كأداة لجذب انتباه الجماهير القومية في الداخل - سواء بين النخبة الحزبية أو بين المجتمع بشكل عام - بغض النظر عن التأثير على صورة الصين في الخارج".


وفي الخارج، كانت النغمة الحادة الجديدة أقل تقديرًا، حيث استدعى وزير الخارجية الفرنسي، جان ايف لودريان، السفير الصيني لو شاي، بعد بيان للسفارة، ردا على ما يبدو على الانتقادات الغربية، اتهم عمال دار التمريض الفرنسيين بالفرار و"ترك سكانهم يموتون من الجوع والمر". كذلك احتجت الولايات المتحدة بعد أن غرد تشاو بتكهنات، لا أساس لها من الصحة، بأن الجيش الأميركي ربما جلب الفيروس إلى الصين.

من جانب آخر، تعرض مبعوثو الصين في نيجيريا وغانا وأوغندا للغضب بسبب تقارير عن مضايقات تتعلق بالفيروس للأفارقة في مدينة قوانغتشو، وهو توبيخ علني نادر لبكين من قبل الدول الأفريقية. ورفعت السفارة الصينية في زيمبابوي غضبها، حيث غردت بشكل رافض حول "ما يسمى التمييز العنصري".
كما استشاط مسؤولون صينيون غضبا مما يرون أنه نفاق غربي، ويقولون إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزعماء آخرين تجاهلوا الجائحة، ثم بدأوا في جعل الصين كبش فداء بمجرد وصول الفيروس إلى بلدانهم. وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قد شكك في استجابة الصين للفيروس، وقال لصحيفة "فاينانشيال تايمز": "من الواضح أن هناك أشياء حدثت لا نعرف عنها".

وقال كبير الدبلوماسيين البريطانيين إنه لا يمكنه العودة إلى "العمل كالمعتاد" مع الصين. ونشرت سفارة الصين في برلين رسالة مفتوحة إلى "بيلد" اتهمت الصحيفة الشعبية المتداولة بـ"الذوق السيئ" لإلقاء اللوم في الوباء على الصين، وحساب مقدار ما تدين به ألمانيا للتعويض عن عدم احتوائه. وغردت السفارة الصينية في إسبانيا "حرية التعبير لها حدود"، ردًا على سياسي يميني متطرف نشر مقطعا مصورا حول "الأجسام المضادة الإسبانية التي تحارب الفيروسات الصينية اللعينة".


في عهد شي، أطلقت بكين جهودًا منسقة لتشكيل صورة الصين في الخارج. واستلهمت في ذلك الخطط والاستراتيجيات التي تتبعتها روسيا، إذ حشدت الآلاف من الروبوتات لدعم خط الحزب الشيوعي في تغريدات، وفقا لموقع "تويتر". كما ضخت الصين الأموال في وسائل الإعلام الرسمية التي تبث باللغات السواحيلية والعربية والإسبانية وعشرات اللغات الأخرى.

قال تشو يين، الأستاذ في جامعة العلاقات الدولية الصينية، "كانت الدبلوماسية في الصين بعيدة في الماضي عن الناس". الآن، يشعر الدبلوماسيون الصينيون "أنه من الآمن بالنسبة لهم أن يظهروا أنهم شديدي المراس. كونك شديدا لن يكون خطأً على الأقل".
في تايلاند، وصفت السفارة على "فيسبوك" المنتقدين بـ"عدم الاحترام"، واتهمتهم بـ"خيانة التاريخ" في معركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول أصل الفيروس ووضع هونغ كونغ وتايوان.
في سريلانكا، استشاطت البعثة الصينية غضبا هذا الشهر، بعد أن علق "تويتر" حسابها، مطالبة بـ"حرية التعبير"، واتهمت عملاق التكنولوجيا بـ"بازدواجية المعايير"، ليوقف "تويتر" تعليق الحساب في اليوم التالي.


ويرى دبلوماسيون في بكين أن الفيروس فرصة لتأكيد القيادة بين الدول التي تنتقد الغرب، فيما أشاد العديد من القادة بالصين لإرسالها معدات وفرقا طبية، حيث رحب رئيس صربيا، ألكسندر فوتشيتش، بشحنة واحدة وهو يقبل العلم الصيني.

في التسعينات، انتقد البعض في الصين دبلوماسييهم على أنهم "وزارة الخونة"، الذين أزعجوا من الاحترام الملحوظ للقوى الغربية، وهو ما لم يعد قائماً. وفي هذا الصدد، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا تشونينغ "لقد اقتربنا من مركز المسرح العالمي بشكل لم يسبق له مثيل، لكننا ما زلنا لا نملك السيطرة الكاملة على الميكروفون في أيدينا. يجب أن نؤكد حقنا في الكلام".

(أسوشييتد برس، العربي الجديد)

المساهمون