كورونا في مصر: مخاوف أمنية تصعّب فرض حظر التجول

كورونا في مصر: مخاوف أمنية تصعّب فرض حظر التجول

18 مارس 2020
مخاوف من انتشار كبير للوباء (Getty)
+ الخط -


دخلت اللجنة المشتركة لإدارة أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) في مصر في حالة انعقاد دائم على مدار الساعة، لبحث توصيات دوائر مختلفة من الجهات السيادية والحكومة لفرض حظر تجول كامل، أو شبه كامل، على كل المحافظات، لمحاولة السيطرة على الفيروس ومحاصرة الحالات المصابة والمخالطة لها، ومنع تسرب الفيروس إلى أماكن وجهات تعتقد الوزارات المعنية أنه إذا حدثت فيها إصابات فسوف تخرج الأمور تماماً عن السيطرة ويصعب التحكّم في انتشار المرض، مثل السجون، ومعسكرات الأمن المركزي، والقوات المسلحة، خصوصاً بين المجندين.
واللجنة المشتركة المخوّلة بإعداد القرارات النهائية ورفعها لرئاسة الجمهورية تترأسها المخابرات العامة بعضوية ممثلين للأمن القومي في المخابرات والأمن الوطني والأمن العام ومصلحة السجون في الداخلية، والبنك المركزي والبورصة المصرية، ووزارات الدفاع الصحة والمالية والتعليم والعدل والتنمية المحلية والنقل.

وقالت مصادر واسعة الاطلاع في مجلس الوزراء لـ"العربي الجديد" إن اللجنة ناقشت أمس واليوم مقترحات مختلفة من المخابرات ووزارتي الداخلية والصحة لتفعيل حالة الطوارئ السارية بالفعل، وإعلان حظر التجول في بعض المناطق لحماية الصحة العامة، خصوصاً أن قرار تعليق الرحلات الجوية ابتداءً من يوم غد الخميس تنتفي معه اعتبارات التخوّف على الاستثمارات والسياحة.

وكشفت المصادر عن وجود اعتبارات ومخاوف عدة طرحها ممثلو الجيش والأمن العام والأمن الوطني، تصعّب من وجهة نظر تلك الجهات فرض حظر تجول كامل، أو يشمل كل أنحاء البلاد، أبرزها خشية قيادة القوات المسلحة من احتكاك أفراد الجيش بالشارع وبالتالي زيادة فرص تعرضهم للعدوى، خصوصاً أن القوات المسلحة قد فرضت في الأسبوعين الأخيرين إجراءات طبية وتأمينية مشددة على كل معسكراتها على مستوى الجمهورية.
وبحسب المصادر نفسها، فإن تلك الإجراءات العسكرية الصحية تتمثل في الفحص المسبق لجميع الضباط والمجندين العائدين من العطلات للمعسكرات والمترددين على مباني القيادة العامة ومنشآت الأندية والدور وقيادات الأسلحة، وإلغاء العطلات للموجودين داخل المعسكرات، ومنع الشرطة العسكرية من الوجود خارج محيط وحداتها ووحدات تأمين المعسكرات، ومنع تسيير دورياتها في المناطق المتاخمة التي لها احتكاك بالمدنيين، بالإضافة إلى تطهير كل المعسكرات بشكل مستمر.
وأوضحت المصادر أن هناك بعض المجندين الذين تم الاشتباه في إصابتهم بالفعل نظراً لانتمائهم إلى بعض المناطق التي اكتشفت فيها إصابات فعلية، كمحافظات الدقهلية والأقصر والمنيا، وأن هؤلاء المجندين تم عزلهم ومنع دخولهم المعسكرات تماماً.

وترى وزارة الدفاع أن الدفع بالقوات المسلحة لمتابعة تنفيذ قرار حظر التجول المقترح، كما كان الوضع عام 2011 عقب ثورة يناير/ كانون الثاني، يمكن أن تكون له أضرار يصعب تلافيها، مما دفعها للمطالبة بأن يتضمن المقترح آليات لتقليل الحاجة إلى التواصل المباشر بين أفراد الجيش والمدنيين.
ولم تطرح الداخلية المخاوف نفسها، في موقف ترجعه المصادر إلى أن الشرطة من الأساس مختلطة بالشارع، لكنها أكدت صعوبة الاستعانة بمجندي الأمن المركزي في عمليات ضبط الشارع في هذه المرحلة، بسبب قلة الأعداد قياساً بالمتطلبات على مستوى المحافظات.
وهنا ظهرت مقترحات أخرى لاتخاذ تدابير تحمل في طياتها حظراً للتجول من دون فرض حظر بشكل كامل يرتب مسؤولية المتابعة الميدانية بشكل قد يضر بالجيش والشرطة، منها: منع التنقل بين المحافظات، ومنع التجول داخل المدن والقرى، ووقف حركة المواصلات العامة الداخلية من بعد الساعة السادسة مساء وحتى الثامنة صباحاً، وتطبيق المواعيد ذاتها على المطاعم والمحال التجارية، وقف حركة القطارات عدا الخاصة بالبضائع، وكل ذلك مع السماح بالحركة للظروف الطارئة فقط.


وأشارت المصادر إلى تداول مقترحات أخرى عدة بإجراءات أقل وطأة، بتوصية مباشرة من وزارة الصحة، التي ترى ضرورة تطبيقها بشكل عاجل، منها حظر التجمّع في المطاعم نهائياً والاكتفاء بخدمات التوصيل للمنازل على مستوى القاهرة الكبرى على الأقل، ووقف العمل في المصالح الحكومية التي تسمح ظروفها بتجمّعات كبيرة للمواطنين كإدارات المرور والكهرباء والمياه والغاز.
لكن المشكلة المجتمعية تبقى أصعب في تجاوزها من المشاكل الإدارية، إذ تشير التقارير الأمنية، من واقع تجارب حظر التجول السابقة بين عامي 2011 و2014، إلى أنه سيستحيل التحكّم بشكل كامل في القرى والنجوع، خصوصاً في الصعيد، الأمر الذي يتطلب تدخلاً عسكرياً، ولو بشكل غير مباشر، أو التلويح بذلك، في حال الاضطرار لفرض حظر تجول على المستوى الوطني، سواء كان كاملاً أو جزئياً على مستوى ساعات اليوم.

وتبدو حاجة مصر لاتخاذ قرارات من هذه النوعية أكثر إلحاحاً حالياً، خصوصاً بعد تسجيل أول حالة وفاة من العاصمة القاهرة أمس، لمواطن يبلغ من العمر 70 عاماً كان عائداً من العمرة، وله ابنة تعمل في مطار القاهرة، ولهما امتدادات عائلية ومخالطون من الجيران والأصدقاء في منطقتي حدائق حلوان جنوب القاهرة وفيصل بالجيزة، كما كشف مصدر في وزارة الصحة لـ"العربي الجديد". وقال المصدر إن هناك خطورة في تعدد تسجيل حالات الإصابة لدى أصحاب مهن يختلطون بالعديد من المواطنين، مثل الأطباء، إذ اكتشفت حالات لأطباء في دمياط والدقهلية ومنطقة الهرم وفيصل بالجيزة والمنوفية ولسائح إيطالي في الإسكندرية، ثبتت مخالطتهم للمئات من الأشخاص غير المعروفين على وجه التحديد، مما دعا إلى عزل عائلاتهم ذاتياً، ودعوة باقي المحتكين بهم إلى ملازمة المنازل.
وشددت السلطات قبضتها على الحركة في بعض المناطق الموبوءة والمسجلة فيها حالات إصابة عديدة، خصوصاً مركز بلقاس في الدقهلية شرق دلتا النيل، حيث تقيم حوالي 420 أسرة في عزل ذاتي في قريتي السماحية والكردود بعد وفاة حالتين منها، وتم حظر كل الأفراح ومناسبات العزاء وغلق المقاهي ومنع التنقل، فضلاً عن إقفال الأسواق.

لكن وبينما تم وضع جميع العاملين في القطاع السياحي في الأقصر ومدن البحر الأحمر في عزل ذاتي وتحت الملاحظة، ما زالت هناك علامات استفهام حول غياب التشديد الأمني والطبي في مناطق أعلنت وزارة الصحة أنها خطيرة، أو اكتشفت فيها حالات إصابة متعددة مثل المنوفية ودمياط والمنيا، الأمر الذي أرجعه مصدر وزارة الصحة إلى صعوبة فرض قواعد تمنع التجمّعات من دون صدور قرار بحظر التجول الكامل أو الجزئي.

وتخطّى عدد الحالات المكتشفة المصابة بفيروس كورونا صباح اليوم 200 حالة، منها 6 وفيات، وأعلنت وزارة الصحة تعافي 26 حالة وأن 34 حالة في طور التعافي تحت الملاحظة بعد تحوّل نتائج التحليل من إيجابية إلى سلبية. وحذّرت وزارة الصحة في تقرير رفعته للرئاسة والمخابرات العامة نهاية الأسبوع الماضي من تسجيل حالات إصابة قد تصل إلى ألف شخص على مستوى الجمهورية خلال الشهر الحالي، إذا لم يتم اتخاذ كل التدابير الموصى بها والتي تم تنفيذ بعضها بالفعل كوقف الدراسة وتعليق الطيران، لكن عدد الحالات تضاعف في آخر 72 ساعة.

وتقلق الوزارة أيضاً من انتشار الفيروس في قرى الدلتا، وتحديداً في محافظات الدقهلية والقليوبية ودمياط وكفر الشيخ، نتيجة انتشار ظاهرة الهجرة للعمل بأوروبا في تلك المحافظات، وبصفة خاصة في إيطاليا واليونان، حيث تبيّن عودة أكثر من 400 مصري في تلك المحافظات إلى وطنهم خلال الشهر الماضي، خوفاً من انتشار الوباء في أوروبا، الأمر الذي يعزز فرص حملهم الفيروس حتى من دون ظهور أعراض.