تعديلات الدستور: حسابات انتخابية وراء تجنب المسّ بمادة السيسي

تعديلات الدستور: حسابات انتخابية وراء تجنب المسّ بمادة السيسي

02 مارس 2019
وافق 485 نائباً على طلب تعديل الدستور (فرانس برس)
+ الخط -
مرّت خمسة عشر يوماً على إحالة تعديلات الدستور المصري إلى اللجنة التشريعية في مجلس النواب، إثر موافقة أغلبية أعضاء البرلمان على مبدأ التعديل، من دون أن تعقد اللجنة اجتماعاً واحداً طوال هذه الفترة، أو تُعلن عن الاقتراحات التي تلقتها من النواب على المواد المطروحة للتعديل، علماً أنّ المدة المحددة إجمالاً لمناقشة التعديلات والتصويت عليها نهائياً، لا تفوق ستين يوماً بموجب الدستور.

وقال مصدر نيابي بارز في اللجنة إنها لم تتلق أي مقترحات بعد من النواب على تعديلات الدستور، نظراً لأن الاقتراحات المقدمة كتابياً من النواب يجب أن تمرّ أولاً على هيئة مكتب المجلس، برئاسة رئيس البرلمان علي عبد العال، لتحيلها الهيئة بدورها إلى اللجنة التشريعية، متضمنة ما قد يكون للمكتب عليها من ملاحظات، وفقاً لأحكام اللائحة المنظمة.

وأضاف المصدر، في حديث خاص، أنّ الاقتراحات المقدّمة من النواب يجب أن تقتصر على المواد المطروحة للتعديل من دون غيرها، مرجحاً إحالة تلك الاقتراحات إلى اللجنة جملة واحدة قبل انتهاء مهلة الثلاثين يوماً التي حددها رئيس البرلمان لتلقيها، والتي سيعقبها أسبوعان لعقد ست جلسات استماع فقط حول تعديلات الدستور، وأسبوع للصياغة النهائية، وآخر لوضع تقرير اللجنة.

في سياق متصل، قال مصدر مطلع في هيئة مكتب مجلس النواب إنّ الهيئة تلقّت اقتراحات محدودة من بعض الأعضاء، ركزت في معظمها على إلغاء "كوتة المرأة"، والمحددة بنسبة 25 في المائة من المجالس النيابية، بذريعة تعارضها مع أحكام المادة (53) من الدستور، والتي تنصّ على أنّ "المواطنين لدى القانون سواء، ومتساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس".

وأفاد المصدر بأنّ الاقتراحات شملت زيادة عدد أعضاء مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، ليصل إلى 300 عضو بدلاً من 250 عضواً، بحيث يُعين رئيس الجمهورية مائة عضو، ويُنتخب مائتا عضو بالاقتراع العام المباشر، علاوة على حذف "والحفاظ على مدنية الدولة" من التعديل المقترح على المادة (200) من الدستور، والذي استحدثته التعديلات من ضمن اختصاصات المؤسسة العسكرية.

وكشف المصدر لـ"العربي الجديد"، عن أنه لم يتقدّم أحد من أعضاء البرلمان باقتراحات على المادة الانتقالية التي تجيز لرئيس الجمهورية الحالي إعادة الترشّح لدورتين أخريين مدتهما 12 عاماً، عقب انتهاء مدته الحالية في عام 2022، بعد زيادة المدة الرئاسية الواحدة من أربع سنوات إلى ست، بمن فيهم أعضاء ائتلاف "25-30" الذين أعلنوا رفضهم لتعديل الدستور من حيث المبدأ في الجلسة العامة.


واتهم المصدر أعضاء التكتل الذين يمثلون الأقلية داخل البرلمان، بـ"التركيز على الاستعراض الإعلامي" بشكل أكبر من استخدام حقهم الدستوري في التقدّم باقتراحات على تعديل الدستور، على ضوء إعلان رفضهم للتعديلات عبر صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، والترويج لتصديهم لمادة تمديد ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، من دون أن يقابل هذا الحديث فعل على أرض الواقع.

وفي هذا الإطار، قال مصدر نيابي داخل تكتل "25-30" إنّ أعضاء التكتل لم يحسموا قرارهم بعد بالتقدّم باقتراحات من شأنها حذف "الرئيس الحالي" من المادة الانتقالية من عدمه، موضحاً أنّ التكتل سيعقد اجتماعاً خلال الأيام القليلة المقبلة للتصويت على هذه المسألة، والأخذ برأي الأغلبية، على اعتبار أن هذا الطرح قد يفتح "أبواب جهنم" على التكتل، ويصعد من حالة الهجوم على أعضائه، ما يستدعي دراسته بشكل متأنٍ، حسب تعبيره.

ووفقاً لحديث المصدر، فإنّ أعضاء التكتل لا يخشون تنكيل رئيس البرلمان، وأعضاء ائتلاف الأغلبية المسمى "دعم مصر"، في ما يخصّ إسقاط عضوية أحد منهم، رداً على التصعيد بخصوص مادة الرئاسة، مستدركاً بأنّ "الموضوع له أبعاد أكبر، ويرتبط بحسابات أعضاء التكتل في دوائرهم الانتخابية، خصوصاً أنه لم يتبق سوى عام واحد على انتهاء الدورة البرلمانية، وإجراء انتخابات جديدة".

واقتصرت قائمة أعضاء مجلس النواب الرافضين لمبدأ تعديل الدستور على 17 نائباً فقط، من مجموع 595 برلمانياً، إذ وافق 485 نائباً على طلب التعديل، وامتنع نائب واحد عن التصويت، وعمد 92 نائباً آخرون إلى التغيّب عن جلسة التصويت، لعدم إبداء مواقفهم بالرفض أو الموافقة على التعديلات الهادفة إلى استمرار السيسي في الحكم حتى عام 2034.

وتشمل قائمة النواب الذين أعلنوا رفضهم لتعديل الدستور: هيثم الحريري، أحمد الطنطاوي، محمد العتماني، السيد عبد العال، نادية هنري، أحمد الشرقاوي، ضياء الدين داود، فايزة محمود، محمد عبد الغني، أكمل قرطام، أحمد البرديسي، جمال الشريف، سمير غطاس، رضا البلتاجي، صلاح عبد البديع، طلعت خليل، ومصطفى كمال الدين.

وسبق أن كشفت مصادر برلمانية مطلعة لـ"العربي الجديد"، أنّ رئيس مجلس النواب تلقى تعليمات من مؤسسة الرئاسة بتسريع وتيرة مناقشات تعديلات الدستور، وعدم الالتزام بالحد الأقصى للمواعيد المنظمة في لائحة البرلمان، بهدف إجراء التصويت النهائي على التعديلات منتصف إبريل/ نيسان المقبل على أبعد تقدير، حتى يمكن إجراء الاستفتاء الشعبي قبيل بداية شهر رمضان، في السادس من مايو/ أيار المقبل.

وشددت التعليمات الرئاسية على عدم توسع اللجنة التشريعية في البرلمان في إجراء جلسات الحوار المجتمعي المقررة مع القوى السياسية، بحيث تقتصر على بعض الأحزاب الموالية، وفقاً للمصادر، التي أكدت صعوبة إجراء استفتاء الدستور خلال أيام رمضان، لأنها ستشهد عزوفاً من الناخبين عن التصويت بسبب عوامل الصيام.

وطاولت التعديلات أربع عشرة مادة في الدستور الحالي، بالإضافة إلى استحداث ثماني مواد، ومادة انتقالية مفصلة على قياس السيسي. وشملت استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية من دون صلاحيات، وتحصين منصب وزير الدفاع من دون التقيد بمدة زمنية محددة، من خلال اشتراط موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تسميته من قبل رئيس الجمهورية.

وتضمّنت استحداث مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية برئاسة رئيس الجمهورية، وتعيين الأخير لرئيس المحكمة الدستورية العليا، ونائب له، وكذلك النائب العام (من بين ثلاثة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى)، فضلاً عن تقليص عدد أعضاء مجلس النواب إلى 450 نائباً، وإضافة غرفة تشريع جديدة تحت اسم "مجلس الشيوخ"، واستبدال "ثورة 25 يناير – 30 يونيو" بـ"ثورتي 25 يناير – 30 يونيو".

وشملت التعديلات إلغاء الرقابة المسبقة لمجلس الدولة على مشاريع القوانين، والتوسّع في محاكمات المدنيين أمام القضاء العسكري، من خلال حذف كلمة "مباشر" التالية لكلمة "اعتداءً" من المادة (204) من الدستور، إيذاناً بمحاكمة المدنيين "في الجرائم التي تمثل اعتداءً على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة، أو ما في حكمها، أو المنشآت التي تتولى حمايتها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك".