طبول الحرب تُقرع بين روسيا وأوكرانيا

طبول الحرب تُقرع بين روسيا وأوكرانيا

20 نوفمبر 2014
عارض بوتين إجراءات كييف بحق دونباس (مناحيم كاهانا/فرانس برس)
+ الخط -

تتفاقم الأزمة الأوكرانية في الآونة الأخيرة، بعد أن تراجعت الحكومة الأوكرانية عن اتفاقات مينسك، وقطعت حبل المفاوضات، وأعلنت حصاراً اقتصادياً لـ"جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك"، الانفصاليتين. كما أخلت مبانيها الحكومية وسجونها هناك، استعداداً لخوض معركة تريدها حاسمة، فيما يبدو أن واشنطن تريدها مديدة، لتكون نتيجتها الوحيدة المزيد من التورّط الروسي وإضعاف موسكو وعزلها دولياً.

وتضيق الخيارات أمام موسكو في هذا الصدد، فإما أن تتراجع عن مواقفها وتترك أنصارها لقدرهم وتفقد مصداقيتها وهيبتها ونفوذها، أو تخوض معركة مجهولة النتائج في خندق واحد مع "نوفوروسيا" أي روسيا الجديدة.

وكانت وكالة "ريا نوفوستي" أعلنت في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، أن الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو، وقّع مرسوماً يقضي بـ"اتخاذ تدابير عاجلة لتحقيق استقرار الوضع الاجتماعي والاقتصادي في منطقتي دونيتسك ولوغانسك، يتضمّن تكليفاً بإخلاء جميع مؤسسات الدولة والمحاكم، ونقل السجناء من منطقة العملية العسكرية في شرق أوكرانيا، فضلاً عن إيقاف خدمة الحسابات المصرفية". كما ستقوم كييف بإخطار المفوضية الأوروبية، في شأن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل أوكرانيا، في منطقة العملية العسكرية الخاصة وإيضاح أسباب هذه الانتهاكات.

ويبدو أن كييف تطمح، على ما يبدو، إلى قبول أوروبي بانتهاكها لحقوق الإنسان، طالما أن الغطاء الأميركي مضمون. إذ أعلن الرئيس الأوكراني، في مقابلة مع صحيفة "بيلد" الألمانية، في اليوم التالي لتوقيعه المرسوم، عن استعداده للحرب، وثقته بالحسم في الجولة المقبلة من النزال الذي استعدّت له كييف جيداً. وقال بوروشينكو "لا أخشى الحرب مع القوات الروسية. وقد أعددنا العدة لسيناريو حرب شاملة. واقع جيشنا الراهن أفضل بكثير مما كان عليه من خمسة أشهر، ولدينا دعم من العالم أجمع".

وما يؤكد أن كييف حسمت خيارها نحو الحرب، هو إعلان مستشار رئيس جهاز الأمن الأوكراني، ماركيان لوبكيفسكي، في 14 نوفمبر، انتهاء زمن المفاوضات "بصورة قطعية". كما حشر شركاء كييف في العملية السياسية، حين جزم أنه "لن يكون هناك مينسك ـ 2. لدينا مينسك ـ 1، وتلك الاتفاقات التي يجب تنفيذها، والتي لا ينفذها الإرهابيون". حسبما نقل عنه موقع "برافدا.كوم.يوا".

وفي ردود الفعل الروسية، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قوله أثناء المؤتمر الصحافي في ختام أعمال قمة "العشرين" في بريزبين في أستراليا، "علمت من وسائل الإعلام أن رئيس أوكرانيا وقّع مرسوماً، يقضي بفرض حصار اقتصادي فعلي لمنطقتي دونيتسك ولوغانسك. أعتقد أن هذا خطأ كبير، لأنهم بذلك يفصلون هذين الإقليمين بيدهم. لماذا؟".

وأضاف بوتين أنه "تحدث مع الشركاء الأوروبيين، قبل يوم من مرسوم بوروشينكو، عن عدم جواز ترك الأمور تتطور في هذا المنحى". وأشار في حديث لقناة "آرد" الألمانية، قبيل سفره إلى أستراليا، إلى أن "الموقف الغربي منحاز، ويغضّ النظر عن عمليات إبادة جماعية يتم التخطيط، وإن الشيء الأهم هو عدم النظر إلى المشكلة من جانب واحد. فاليوم في شرق أوكرانيا تجري عمليات حربية. الحكومة الأوكرانية أشركت الجيش، وتستخدم هناك القذائف الصاروخية حتى، فهل هناك من يقول كلمة عن ذلك؟ ولا كلمة. هذا يعني، أنكم تريدون أن تقوم الحكومة الأوكرانية بإبادة الجميع هناك، جميع الخصوم السياسيين والمعارضين. هل هذا ما تريدونه؟".

أوصل الغرب رسالة إلى روسيا في قمة "العشرين"، مفادها أنهم لا يريدون حلولاً وسطية. فالولايات المتحدة لا يناسبها حلّ الصراع بالتوافق، لأن ذلك يجنّب روسيا التورط المباشر في الصراع. فما تريده واشنطن، وتسعى إليه، هو أن تقوم روسيا بإدخال قواتها إلى أقاليم أوكرانيا الانفصالية، لتتحول بعدها بحكم الواقع إلى دولة عدوانية تحتل أراضي الغير. فهل تستطيع موسكو تجنب هذا الفخ؟ وكيف السبيل إلى ذلك دون أن تتراجع عن دعم أقاليم شرق أوكرانيا، التي تخنقها كييف اقتصادياً، وتشن ضدها عملية عسكرية تهدف إلى القضاء على كل صوت معارض لإرادة الغرب فيها؟ ما يبدو خطوة واضحة نحو الحرب، هو أن كييف بدأت باتخاذ قرارات تناقض اتفاقات مينسك لحل النزاع، مغلقة الأبواب أمام موسكو لتسوية النزاع سلمياً، وتجنّب الدخول في مواجهة مع الغرب الأطلسي. إلى ذلك، فالولايات المتحدة، ودون مواربة، استعرضت في قمة "العشرين" جبهة واسعة ضد روسيا، بغية توريط روسيا في حرب مباشرة، بحسب تأكيدات موسكو.

وترى موسكو أنّ الطريق الأميركي إلى الحرب، يمرّ عبر حصار دونباس اقتصادياً، وإلقاء العبء المادي والأخلاقي المتمثل بالدفاع عن لقمة مواطني منطقتي لوغانسك ودونيتسك وحياتهم على روسيا مباشرة. لأن التنصّل من هذا الواجب الإنساني، سيعني موتهم برداً وجوعاً وتحت القصف. وفي الوقت نفسه، وفي ظلّ صعوبات اقتصادية تعانيها روسيا، نتيجة العقوبات الغربية وتخفيض أسعار النفط، تشكل قرارات كييف المدعومة، أو الموحى بها غربياً، ضغطاً اقتصادياً واجتماعياً إضافياً على روسيا. ذلك أن الروس وإن كانوا معبأين أيديولوجياً ضد الولايات المتحدة، فإنهم غير مستعدين لقتال أخوة الأمس الأوكرانيين.

واستعداداً لحرب تسعى كييف إلى إخراجها من تصنيف "الحرب الأهلية"، يتم تعزيز واقع انفصال "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين"، المعلنتين من طرف واحد، من خلال قطع المركز لجميع الروابط الاقتصادية معهما. الأمر الذي سيعني قطع إمدادات الماء والكهرباء والغاز عنهما، مما يضعهما أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستسلام، أو مواصلة القتال من أجل استقلالهما الحقيقي.

والخياران مُرّان بالنسبة لروسيا. فالأول منهما يعني انكفاء موسكو وفقدانها مصداقيتها ووزنها، والثاني يعني تورطها الأكيد بصورة مباشرة في الصراع، لأن كييف، كما أشار بوروشينكو، تتلقّى دعماً عسكرياً، لا قدرة للانفصاليين وحدهم على مواجهته.

إلى ذلك، تكسب كييف مرحلياً، بتثبيت خط للحدود لا يشمل جميع أراضي المنطقتين الانفصاليتين، فالخط الحالي هو خط الهدنة الذي رسمه واقع الانتقال إلى مفاوضات مينسك. لكن هل تكسب كييف حقاً، أم تحول البلاد إلى ساحة صراع جيوسياسي لا مصلحة للأوكرانيين، شرقيين وغربيين، فيه؟

وفيما يبدو أن كييف ترى غير ذلك، يبقى أمام موسكو خيارات تصعيد وأوراق أخرى للعب، يمكن أن تضع أوروبا في موقف صعب، خصوصاً وأن الصراعات الساخنة مرشحة لأن تجري على حدودها، ليس كمثل الولايات المتحدة البعيدة والمعنية فقط بقطف ثمار الحروب التي تناسبها.

لروسيا أوراق إضافية، في بريدنيستروفيه في مولدافيا، وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا. غير أن لتفعيل هذه الأوراق كلفةً اقتصادية، لا عسكرية وبشرية فقط. وهي كلفة يصعب أن تتمكن روسيا من تحملها في ظروفها الراهنة، كما أنه من الواضح أن واشنطن تفعل كل ما من شأنه ألا تتمكن روسيا من تحمّل الكلفة في الأفق المنظور أقلّه.