عام على ماكرون في الإليزيه: إلى اليمين در

عام على ماكرون في الإليزيه: إلى اليمين در

08 مايو 2018
إصلاحات ماكرون أقرب لليمين (Getty)
+ الخط -
بعد مضي عامٍ على وصول الرئيس الفرنسي الشاب، إيمانويل ماكرون، إلى الإليزيه، يرى مراقبون وسياسيون فرنسيون أن سياسته بدت أقرب إلى اليمين منها إلى اليسار بخلاف شعار حملته الانتخابية، الذي أكد فيه أنه "لا من اليمين ولا من اليسار".

وقبل عام، وصل المرشح الشاب، والذي لم يسبق له أن مارس السياسة من قبل من دون دعم أي حزب سياسي إلى سدة الحكم. صحيح أن شعاره "لا من اليمين ولا من اليسار، أو من كليهما، معاً" ساعده على قضم أصوات وشخصيات مهمة من أحزاب سياسية مترهلة، يميناً ويساراً، سئمها الناخب الفرنسي، وهي تغرق في حالات من الفساد.

ويدرك هذا الرئيس الذي لا يتوقف عن الحركة وعن التدخل في كل صغيرة وكبيرة في إدارة شؤون البلاد، أن إصلاح مجتمع محافظ، كالمجتمع الفرنسي، ليس بالأمر الهين، خصوصاً أن كل الحكومات المتعاقبة، لم تجرؤ على تنفيذ إصلاحات جذرية، رغم تضمينها في برامجها ووعودها الانتخابية.

ولكن لا شيء جعله يتردد، كما أسلافه، مسلَّحاً بحقيقة أن الفرنسيين صوّتوا له وهم يدركون أنه سيقوم بإصلاحات، وهو ما سيفعله.

ويبدو أن الرئيس يزداد حيوية حين تتعقد الأمور، ويحتقن الشارع. ويدل على هذا، أنه في خضم الاضطراب الاجتماعي بسبب "إصلاح الشركة الوطنية للسكك الحديدية"، يواصل الرئيس زياراته المكوكية شرقاً وغرباً، بحثاً عن تعزيز مكانة فرنسا وتسويق سلاحها وصناعاتها.

ولعلّ أقرب توصيف من الحقيقة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وهو يحتفل بانتهاء السنة الأولى من ولايته الرئاسية، هو ما صرّح به فرانسوا كوبي، القيادي اليميني والرئيس الأسبق لحزب "الجمهوريون"، وعمدة مدينة مو، في الضاحية الباريسية، من أن إيمانويل ماكرون هو "رئيس اليمين الذي لم يكن ينتظره أحد".

وقال كوبي، الذي حصل على أدنى النتائج في انتخابات اليمين والوسط الفرعية، في أفق الترشح لرئاسيات 2017، في برنامج "امتحان الحقيقة"، الذي تبثه قناة "مجلس الشيوخ" بشراكة مع صحيفة "ليزيكو"، وراديو "كلاسيك"؛ إنه "يجب التوقف عن اللعب بالكلمات"، متسائلاً "أين هي إجراءات اليسار؟. لا يوجد أي إجراء".

وتابع: "يجب أن نكون صادقين، لا أحد توقع أن يحدث هذا. إن إيمانويل ماكرون، رجل كان يقول عن نفسه إنه من اليسار، لكنه، منذ انتخابه، لم يفعل سوى تطبيق الإجراءات التي كان اليمين يوصي بها".

وأردف: "حين ترون قائمة الإصلاحات التي بدأها منذ انتخابه، فهي إجمالاً ما كان اليمين سيفعلُهُ لو أنه وصل إلى السلطة".

ولفت الزعيم اليميني الفرنسي إلى أنّ "الإصلاح الهام للرئيس إيمانويل ماكرون تمثّل في إصلاح قانون الشغل من خلال مراسيم، وهو ما كنت أنادي به منذ سنوات".

ورأى أنّ اليمين الفرنسي، الذي يواجه وضعية "رئيس جمهورية، ليس من العائلة السياسية اليمينية، ولكنه يقود سياسة يمينية، أمام خيارين في مواجهة الرئيس ماكرون، إما الموافقة على إصلاحات الرئيس، وفي هذه الحالة يكون الموقف منسجماً مع برنامج اليمين، وإما الضرب، مثل شخص أصمّ، وفي هذه الحالة يكون المرء، بالضرورة، ضحية متلازمة انعدام الانسجام وانعدام الصدق. يتعلق الأمر بخيار حياة".

وفي سياق دعم رؤية ماكرون، أعلن فرانسوا كوبي عن دعمه لخطة جان-لويس بورلو بخصوص "ضواحي الجمهورية".

وكان فرانسوا كوبي قد عبّر في 29 من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن دعم "مؤكَّد"، و"لا تردّد فيه"، لإصلاح قانون الشغل، معتبراً أن الحكومة الحالية "تفعل ما لم يُفعَل أحد من قبلُ"، وأن حركتها "جيّدة للبلد"، قبل أن يختم، بأنه "إذا واصل الرئيس ماكرون تنفيذ سياسة يمينية، فإن ناخبي اليمين سيواصلون التصويت لصالحه".

كما تجدر الإشارة إلى أن فرانسوا كوبي لم يُخف دعمه لإصلاح "الشركة الوطنية للسكك الحديدية"، وأيضاً لقانون "اللجوء والهجرة"، وإن كان يريد أن يذهب الإصلاحان إلى أبعد مدى، خاصة "قانون اللجوء والهجرة"، الذي يريده أكثر تشدداً، حين يتعلق الأمر بالمهاجرين، وأكثر تسامحاً حين يتعلق الأمر باللاجئين، الذين عبّر في شهر سبتمبر/أيلول 2015: عن موقف متعاطف معهم، في اختلاف مع رفاقه في الحزب اليميني.

وكتب بعد رؤيته لصورة الطفل السوري الغريق، أيلان، يوم 2 سبتمبر/أيلول على شواطئ تركيا: "لا أحد يمكنه أن يظل لا مبالياً إزاء مصير هؤلاء الرجال والنساء والأطفال -إخواننا في الإنسانية-، الذين بعد أن فقدوا كل شيء في بلدهم، يأتون، أحياناً، ليموتوا، في ظروف فظيعة على شواطئ أوروبا".

مواقف يسارية

وموقف فرانسوا كوبي في قراءة حصيلة عام من حكم الرئيس إيمانويل ماكرون، لا يختلف عن مواقف مختلف أحزاب اليسار، التي تتفق على أن الرئيس الفرنسي في كل مواقفه وإصلاحاته يعبّر عن توجه يميني، والتي ترى تجلّيها في مختلف الإصلاحات التي بدأها ماكرون، والتي دفعتها لمعارضتها.

وهذه المواقف وجدت صداها في الإعلام الفرنسي حيث عنونت صحيفة "ليبراسيون"، أمس الإثنين، في صفحتها الأولى: "وأخيراً، فاليمين له رئيسُهُ"، الرئيس الذي حلم به اليمين، منذ فترة طويلة. وتساءلت الصحيفة اليسارية إن كان الأمر "يتعلق بقناعة حقيقية أم بتموقع تكتيكي؟"

وذكرت الصحيفة أن المرشح الذي وصف نفسه: "لا من اليمين، ولا من اليسار"، هو رئيس يميني. وهو ما يؤكده سياسيون كثيرون، من بينهم عمدة تولوز، من اليمين، جان لوك مودينك، حين يتحدث عن "إصلاحات ماكرون الجريئة".

في حين أن في افتتاحية مجلة "فالور أكتويال"، اليمينية، تعترف أن الرئيس "ليس خائفاً (من تنفيذ إصلاحات)". وغير بعيد من هذا الموقف يرى الزعيم السياسي اليميني المتطرف المتقاعد، فيليب دي فيليي، أن الرئيس ماكرون "أدرك أنه يتوجب عليه أن يسكن جسم الملوك".

ولا يزال نصف الفرنسيين، حسب مختلف استطلاعات الرأي، يثقون في إصلاحات الرئيس وفي قدرته على إصلاح البلد، ورفع معدلات النموّ، هذا في الوقت الذي يتعافى فيه الحزب الاشتراكي، بقيادته الجديدة، وفي الوقت الذي لا يعرف فيه أحدٌ كيف سينتهي التجاذب بين نقابات الشركة الوطنية للسكك الحديدية وبين الحكومة.

بعد مضي عام، لا تبدو السنوات الأربع المقبلة من حكم ماكرون، مثل نهر هادئ، إذ على الرئيس الشاب مهام كثيرة ومواقف تحدد إلى أي اتجاه ستصب سياسته، وهل سيثبت أنه فعلاً ليس من اليمين أو اليسار؟

المساهمون