نقطة نظام إلى السيسي وإعلام التحريض

نقطة نظام إلى السيسي وإعلام التحريض

25 اغسطس 2014
+ الخط -

غمرَنا عديدون من جمهورنا في "العربي الجديد"، ومن أوساط إعلامية عريضة، بالتهاني، بعد أن ذكَرنا عبد الفتاح السيسي باسمنا، في معرض حديثه أمام صحافيين مصريين، أمس الأحد، عن "المتآمرين" على مصر. ورأى محبّونا الكثيرون في هذا دعايةً مجانيةً لنا، تُضاعف الانتباه إلى منتوجنا الإعلامي والفكري، طالما أَنّ الكلام المذكور يصدر عن جنرالٍ في موقع رئيس مصر. وللحق، كنّا سنُصاب بالزهو، صدوراً عن أن الرجل لم يكن ليرميَنا بثرثرته هذه، لولا أننا نقلقه ونزعجه. ولكن، شعورُنا بالحزن ثقيل، لا لأن فخامة المشير اتهمنا بما ليس فينا، بل لأننا نحب مصر، ومحبتنا هذه تجعلنا في أسىً غزير، لأن رئيس هذه البلاد العظيمة يُشغل نفسه بافتراءاتٍ معيبةٍ وإثارة شائعاتٍ بحق وسيلة إعلام. وكان الظن أَنَّ الأعباء التي تتوالى، يومياً، على شعب مصر المجاهد والصابر، هي التي تأخذ وقت الجنرال، وأن موظفيه معنيون بتزويده بتقارير مدققة عن الأنواء الباهظة التي ترهق المواطن المصري. ولكن، تأكد أن الرئيس محاط بموظفين منقوصي الكفاءة، يضللونه بما يورّطه في زللٍ لا يليق بموقعه. وكان، في وهمنا، أن صفة السيسي مسؤولاً سابقاً عن المخابرات الحربية تجعله مطبوعاً على الحذر من الارتكان لمعلومات خاطئةٍ أو منحازة، غير أن واقعة ظهيرة الأحد دلّت على أن البؤس مقيمٌ، أيضاً، في هذا المطرح، وليس فقط في ملفاتٍ بلا عد في مصر.


لجأ عبد الفتاح السيسي إلى النكاية، وإلى التحريض المكشوف، وإلى الوسائل المستهلكة في استهداف الخصوم، حين مضى إلى قصة التآمر القطري التركي إياها على مصر وشعبها، ولمّا عجز فخامته عن التدليل على زعمه هذا، ظنَّ أن في وسعه أنه قد يكون مقنعاً إذا ما جاء على (العربي الجديد) و(الجزيرة). وواضحٌ أن من أمدّوه بهذا الكلام، الفالت على عواهنه، والاتهامات المسترسلة كيفما اتفق، أَعيتهم الحيلة في التسلح بأدلةٍ على أوجه هذا التآمر الإعلامي المزعوم، فقالوا له أن يقول إن ألفي دولار يتقاضاها كل كاتب (ضد مصر) في (العربي الجديد). ولا تعقيب، هنا، على هذه الطرفة المحزنة (!) سوى تأكيد أننا نتشّرف بكل كاتبٍ اختار (العربي الجديد) مساحةً حرة للتعبير عن رأيه واجتهاده وخياره، وإن تقديرنا المعنوي بكتّابنا كبير، ولسنا ممن نزن الأمور بالدولار ولا بغيره. ونخبر السيسي، ومن استمع إلى فريتِه هذه من صحافيين مصريين، إننا نتحصّن باحترامنا أنفسنا وتثميننا كتّابنا من السقوط في القيعان التي هبط بها غيرُنا في شراءِ ذمم أهل الغرض والهوى، ممن يعملون في الإعلام المصري الذي بات كثيرٌ منه عاراً، ولا نعتَ له غير هذا النعت.
لم يباغتنا أن يعتبر بعض الإعلام المذكور كلام السيسي عن (العربي الجديد) إيماءةً من المقام العالي في قصر الاتحادية بأن يباشر موجةً جديدةً من التحريض المسفّ ضدنا. فما إن انتهى رئيس مصر من كلامه ذاك، حتى بادر أحد مخبريه المتنكرين في فضائيةٍ، إلى بث أكاذيب تافهة، عن (تآمرنا) ضد الدولة المصرية، بحسب تعبير هذا الإعلامي الذي عرفنا أنه أمين شرطة سابق، ثم قفز بقدرة الأجهزة إياها إلى الشاشات إياها، بعد عبور طفيف في صحيفةٍ سيارة. والعجيب أنه ألقى كلامه أمام الناظرين إليه، بمشهديةٍ توهم أنه يكشف أسراراً مغلقة عن موقع (العربي الجديد)، والمؤسسة التي يصدر عنها. وكان يدلق كلامه بانتشاءِ من هبط على القمر، وجاء باكتشافات باهرة.


كان في وسع المخبر في أمن الدولة، المتنكر في زي مهرج تلفزيوني، أن يزور الموقعين الإلكترونيين لشركة فضاءات ميديا، ولـ"العربي الجديد"، بل وأن يتصل بالإدارة لدينا، فيوفر على نفسه الضنك الذي افتعله، فيعرف المفيد وكل ما يريد عن صفتنا المؤسسية، بدل السيرك الذي أخذه إلى أسماء وعناوين ومسمياتٍ لا صلة لنا لها، ولا صلة لها بنا. ولا نعلم إن كانت قلة الخبرة لدى "الزميل" المذكور، أم هي رداءة الأداء لدى الأجهزة التي زودته بالمغالطات البائسة ليفرشها أمام مشاهديه. وحتى تتعافى هذه الأجهزة من عطبها هذا، ولكي يشفى المذكور مما فيه من ظنه نفسه كما إينشتاين في كشوفاته، أو نابوليون في حروبه، نعلمهما أن العربي الجديد، الموقع ثم الصحيفة تالياً، يصدران عن مؤسسة فضاءات ميديا، التي تملك شركة فضاءات ميديا ليمتيد في بريطانيا. وأننا نتحدّى كل أجهزة الدولة العميقة (أو العبيطة على الأرجح) في مصر أن تقع على أي صلةٍ، تربطنا بجماعة الإخوان المسلمين، أو بغيرها من الأحزاب السياسية المصرية، أو غير المصرية. وكان عجيباً جداً إلى حد السخرية أن يأتي المخبر التلفزيوني، في ثرثرته تلك، على أسماء زملاء يعملون في قطاع الإعلام، في قطر، لا تجمعنا بهم سوى الزمالة في الحقل الإعلامي. والأعجب أن المذكور أتى على حزمةٍ من الأسماء المصرية، قال إنها من كتاب (العربي الجديد)، وممن ينشطون في مؤسستها. ومع تقديرنا هذه الأسماء، فإن بحثاً بسيطاً في الموقع سيفيد بأن أياً منهم لم ينشر شيئاً فيه.
العربي الجديد صحيفة عربية مهنية مستقلة، وذات مصداقية، وموضوعية، ومنحازة في الوقت نفسه للحقيقة، ولقضايا الشعوب العربية وحرياتها وحقوقها. هذا ادعاؤنا الذي يفترض أن تثبته الممارسة، وليست للصحيفة علاقة بأي حركة سياسية. ولا نشغل أنفسنا بالقيل والقال، ولا نُتعب أعصابنا بالرد على أزعومةٍ، أو أكذوبةٍ، هنا أو هناك. لكننا، في الوقت نفسه، نُبلغ المخبر التلفزيوني هذا ومن وراءه، أن لنا كل الحق، في أن نجرهم إلى ساحات القضاء الشريف والنزيه، طالما أن ابتذالهم يسمينا متآمرين على مصر وشعبها، فيما نحن الأحرص على هذا الشعب وحرياته وحقوقه في العيش في وطنه لينعم بالديمقراطية التي نشدها في ثورته المجيدة. ولأن الاتهامات السوقية التي رُمي بها زملاء في مواقع الإدارة والقرار في (العربي الجديد) تعد تطاولاً وتجاوزاً مدانيْن، فإننا نحتفظ بكل حقوقنا القانونية في رد الاعتبار إلينا، مؤسسةً إعلاميةً وأفراداً.