مقابر الأرقام: انتقام إسرائيلي من جثامين الشهداء

مقابر الأرقام: انتقام إسرائيلي من جثامين الشهداء

27 نوفمبر 2014
يضع الاحتلال على القبر لافتة حديدية ترمز للشهيد(ديفيد سيلفرمان/Getty)
+ الخط -
تستمر السلطات الإسرائيلية في رفضها تسليم جثماني الشهيدين غسان وعدي أبوجمل، منفذي عملية الكنيس اليهودي، في القدس المحتلة. وفي رسالة ردّ فيها المستشار القضائيّ للشّرطة الإسرائيلية على محامي العائلة محمد محمود، مساء أمس الثلاثاء، قال إنه "لم يتم اتخاذ قرار نهائي بشأن جثماني أبوجمل بإعادتهما لعائلاتهما أو دفنهما في مقابر غير معروفة"، معتبراً أن عدم تسليمهما في هذه الفترة يساعد في "الحد من العمليات التي تنفذ ضد الإسرائيليين في مدينة القدس".

ومقابر الأرقام هي مقابر سريّة دأبت سلطات الاحتلال على احتجاز جثامين شهداء فلسطينيين وعرب فيها، لا سيما من منفذي العمليات الفدائيّة إلى حين تسليمهم في صفقات تبادل أو غيرها.

وبحسب تقارير فلسطينية، فإنّ سلطات الاحتلال تقوم بهذا الأمر لهدفين أساسيين: الأول يتمثل في تشكيل رادع للفلسطينيين في محاولة لمنعهم من تنفيذ عمليات فدائية. أما الهدف الثاني فهو استخدام الجثامين كورقة مساومة في أي صفقات تبادل مستقبلية مع حركات المقاومة.

وقد سمّيت المقابر بـ"مقابر الأرقام"؛ لأن سلطات الاحتلال تضع أمام كل قبر لافتة حديدية صغيرة تحمل رقما يرمز للشهيد من دون اسمه. وتعتبر مقابر الأرقام مناطق عسكرية مغلقة، إذ تمنع سلطات الاحتلال الوصول إليها من دون موافقة مسبقة.
ولا توجد معلومات أكيدة وواضحة حول أعداد مقابر الأرقام وأماكنها. إلا أن جيش الاحتلال صرّح في عام 2003 في معرض ردّه على رسالة وجهتها له مؤسسة حقوقية إسرائيلية، أنّ هناك مقبرتين فقط هما "مقبرة عميعاد" قرب صفد، ومقبرة جسر آدم في غور الأردن.
ولا ينفي هذا التصريح وجود مقابر أخرى غير معلن عنها. ففي عام 2013، عندما تمّ الإفراج عن بعض الجثامين، تبيّن أن هناك 5 مقابر على الأقل، واحدة منها في منطقة بئر السّبع، لم يكن وجودها معلناً.

ومن مقابر الأرقام الشهيرة، مقبرة "جسر بنات يعقوب" الواقعة بالقرب من جسر بنات يعقوب التاريخي القريب من الحدود السّورية الفلسطينية. وقد استخدمت هذه المقبرة لاحتجاز جثامين الفدائيين المتسللين من سورية ولبنان، وبعض شهداء حرب لبنان الأولى. وبحسب تقرير رسمي صادر عن جيش الاحتلال في عام 2000، فقد بلغ عدد الجثامين التي احتجزت فيها 243 جثماناً. وقد أغلقت نهائياً في عام 2001 بعد نقل الجثامين المتبقية فيها إلى مقبرة "عميعاد".

وقد اشتهرت هذه المقبرة عقب لجنة تحقيق عسكرية إسرائيلية تشكلت في عام 1999 للبحث عن جثماني الشهيدين عيسى زواهرة وباسم صبح، بعد التماسين قدمهما أهاليهما للمحكمة العليا الإسرائيلية للمطالبة بالإفراج عنهما. وتبين من التقرير النهائيّ الذي قدمته هذه اللجنة عقب زيارتها لمقبرة "جسر بنات يعقوب" أنه تتم معاملة جثامين الشهداء بإهمال واضح من دون الاهتمام بوسائل التعرف عليها مستقبلاً.

فبعض هذه الجثامين يدفن من دون تصويرها أو استصدار أمر دفن من ضابط المنطقة الإسرائيلي، وبعضها يدفن من دون أن ترفق معه بطاقة حديدية يكتب فيها اسم الشهيد ورقمه وتاريخ استشهاده، على عكس ما تفرضه التعليمات العسكرية الإسرائيلية المكتوبة. وقد أدى هذا الإهمال والتعامل غير الإنساني إلى صعوبات في التعرف على جثامين بعض الشهداء لدى استخراجها بعد سنوات طويلة.

وذكر التقرير أن جيش الاحتلال لجأ إلى تسجيل أرقام الشهداء على الأكياس البلاستيكية التي توضع فيها الجثامين بواسطة قلم "فلوماستر"، الذي سرعان ما يمحى حبره بفعل العوامل البيئية في التربة. كما أن اللافتات الحديدية التي تحمل رقم الشهيد والموضوعة على قبره غير مثبتة بما فيه الكفاية، ويمكن أن تتحرك من مكانها بفعل العوامل الجويّة.

والأخطر من ذلك، أن الجثامين في مقبرة "جسر بنات يعقوب" كانت تدفن في التربة مباشرة، بدون وجود طبقة من الباطون تحميها من الانجراف. وقد أدت مياه الأمطار إلى انجراف بعض القبور، وإلى تداخل عظام الشهداء في أكثر من قبر.

وقد جرت منذ عام 1996 وحتى عام 2008 أربع صفقات لتبادل الأسرى والجثامين بين الاحتلال وحزب الله اللبناني، وكان من المفترض أن يكون جثمان الشهيدة دلال المغربي من بين الجثامين المطلق سراحها في صفقة عام 2008، إلا أن الجثمان لم يسلم. وادعت سلطات الاحتلال يومها أنها لم تعثر عليه، وأنه قد يكون انجرف بفعل انهيار التربة إلى خارج حدود المقبرة. وفي عامي 2013 و2014، جرى تسليم جثامين بعض الشهداء الفلسطينيين، فيما عرف حينها بأنه بادرة حسن نيّة من جانب الاحتلال قبيل استئناف المفاوضات مع السّلطة الفلسطينية.

ويؤكد منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء والمفقودين، سالم خلة، أنّه لا يزال هناك 262 جثماناً لشهداء فلسطينيين وعرب، منهم أردنيون ومغاربة وعراقيون، في حين يعترف الاحتلال بوجود 119 جثمانا فقط.

ويوضح خلة في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ مركز القدس للمساعدة القانونية توجه هذا العام بالتماس إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، لمطالبة جيش الاحتلال بالكشف عن عدد المقابر التي تحتجز فيها الجثامين وأماكنها وظروفها، وبالكشف عن أعداد وأسماء الجثامين المحتجزة، إضافة إلى الموافقة على إنشاء بنك للحمض النووي "دي إن إيه" تحفظ فيه عينات لأقارب الشهداء المحتجزين من الدرجة الأولى، لضمان التعرف على صاحب الجثمان مستقبلاً في حال وفاة أقاربه.

وكانت الحملة الوطنية لاسترداد الجثامين قد بدأت في عام 2008 جهودها لاسترداد جثامين الشهداء. وقد قدّمت التماسات فردية وأخرى جماعية إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، استطاعت من خلالها استرداد ما يقارب من 100 جثمان، بعضها لفلسطينيين نفذوا عمليات استشهادية خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وآخرين فدائيين من سنوات السبعينيات. وكان آخر هذه النجاحات قرار استصدرته الحملة من المحكمة العليا بالإفراج عن 38 جثماناً، تم تسليم 30 منها، فيما يتلكأ جيش الاحتلال في تسليم الـ8 المتبقين.

دلالات